هاجمني الكلب والتهم رجلي اليسرى فأغمي علي بعدها ولم أشعر إلا وأنا ممدد على سرير بالمستشفى بالقنيطرة، هكذا صرح ل التجديد عبد النبي قرطيط أحد عمال ضيعة الدليمي بمشرع بلقصيري (منطقة أربعاء الغرب)، وهو يحكي أمام وفد من المكتب الوطني للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، والعمال المعتصمين أمام الضيعة، ما فعلته شركة أمنية، استقدمها نجل الدليمي المالك للضيعة، لحماية الاستغلالية الفلاحية بعد طرد مجموعة من العمال منها. سيدة أخرى من الضحايا تدعى السعدية تحكي باكية كيف أجهضت بعد ما وجه إليها ابن شيخ المنطقة (الذي يعمل مسيرا للضيعة) ضربة بيده على بطنها، تقول لما تبين لي أن الأجواء غير طبيعية، وبعدما جلب صاحب الضيعة الكلاب، لحقت بأبنائي الذين تجمهروا مع مجموع أولاد الدوار، لأنني خفت عليهم فتوجهت إليهم لإبعادهم عن المكان حتى لا يصيبهم أي مكروه، وبينما أنا مارة بجانب سيارة ابن شيخ القبيلة خرج منها هذا الأخير ووجه إلي ضربة بيده إلى بطني، ليغمي عليها وتنقل إلى المستشفى حيث أجهضت، دون أن تجد ما تسدد به تكلفة الاستشفاء لأن زوجها طرد من العمل. قد تبدو هذه الروايات تفاصيل قصة غير واقعية، لكنها الحقيقة القاسية، ففي منطقة مشرع بلقصيري بأربعاء الغرب، حيث الأراضي الفلاحية الخصبة الممتدة على مساحات شاسعة، وفي ضيعة الدليمي الفلاحية، وقعت هذه الحوادث. تعسفات بالجملة على حقوق العمال... يبدأ مسلسل الأحداث التي هي عبارة عن سلسلة من التعسفات، يرويها لكسير الخليفي، مسؤول نقابي عن الجامعة المغربية للفلاحة، أنه لما تولى ابن شيخ قبيلة بالمنطقة إدارة العمل بالضيعة دشن عمله بطرد 23 عاملا في أبريل 2004 استنادا على قرار طرد صدر في حقهم سنة ,1997 فرد عليه العمال بالاحتجاج ليتوصلوا بعدها إلى اتفاق مع المشغل على أساس أن يعوض كل العمال المغادرين، وتبدأ صفحة جديدة مبنية على تعاون بين المشغل والعمال الجدد مع تمتيعهم بكافة الحقوق، ودعم جو السلم والإنتاجية، ورغم هذا الاتفاق، يقول المتحدث نفسه، إلا أن أغلب الوعود لم تتحقق، وفي الوقت نفسه استمرت الخروقات ذاتها، علماً أن أبسط حقوق العمال غير مضمونة، فكل بنود مدونة الشغل الضامنة لحقوق العمال تداس في ضيعة ولد الدليمي، العمال محرومون من بطاقة الشغل، ولا احترام للائحة الأقدمية أو تحيينها، ناهيك عن عدم الأداء برسم الأيام الفعلية للعمل، بالإضافة إلى التصريح المتأخر بالعاملين لدى صندوق الضمان الاجتماعي. هذه الخروقات، يقول المسؤول النقابي المحلي عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، كانت موضوع مراسلات وشكاوى وجهت إلى أكثر من جهة، ابتداء من السلطات المحلية إلى مفتشية الشغل ورئيس الدائرة وقائد الجماعة لكن دون جدوى حسب قوله، ويضيف أنه بعد إلحاح طويل ومرور أكثر من ستة أشهر من اعتصام العمال أمام باب الضيعة، سجلت زيارة يتيمة لمفتش الشغل وممثلين نقابيين ورئيس الدائرة وخليفة القائد تمت كتابة محضر وسجلت مجموعة من الخروقات، منها عدم وجود ورقة الأداء ودفتر أداء الأجور، كما أن التصريح غير موجود، الأمر الذي لم يجد معه مفتش الشغل سوى أن يوجه إنذاراً كتابيا للمشغل، ومع ذلك يوضح الخليفي مرت شهور دون أن نلمس من المشغل حلاً لوضعية العمال المطرودين والمشردين مع عائلاتهم وأسرهم. تشغيل قاصرات واستقدام عصابة... لتدارك النقص الحاصل بخصوص اليد العاملة في الضيعة، استقدم المشغل عمالا بشكل وصف بالعشوائي، كما أنه لجأ إلى تشغيل واستغلال فتيات قاصرات لا يجوز تشغيلهن قانوناً، وهو الأمر الذي رفضه العمال المطرودون واحتجوا عليه، فيما عاود المكتب النقابي المشار إليه آنفاً مراسلة الجهات المعنية، ثم عقد اجتماع مع المشغل وعد فيه بإحضار بطائق العمل، لكنه استمر في مسلسل التضييق على العمال، وكان كل مرة يرسل عصابة من معاونيه للاعتداء على العمال، كل الاعتداءات، يقول الخليفي، مسجلة في بيانات صدرت إبان كل اعتداء، كما نددنا أيضا بالإنذارات والاقتطاعات التي كانت تتم بشكل عشوائي، واستمرت النقابة في رصد كل الحالات التي تقع، غير أننا لم نيأس من التوصل إلى حل للمشكل. وعد بحل المشكل وطرد للجميع... بعد انتظار العمال الطرودين منذ فاتح ماي 2005 لحل لمشكلتهم دون جدوى، التقى مسؤولون عن النقابة المذكورة بمفتش الشغل الذي أبلغوه بما حصل بالضيعة من تجاوزات قانونية، ومن حينها قرر العمال الدخول في إضراب لمدة يومين، فإذا بهم يفاجأوا باتصال من رئيس الدائرة يعدهم فيه بإيجاد حل للمشكل، الأمر الذي استبشر به المطرودون فأجلوا الإضراب إلى شهر يونيو، لكنهم صدموا مرة أخرى خلال الأيام الموالية باقتطاع ثمانية أيام من أجرة بعضهم، وهو قرار وصفه العمال بالتعسفي ورفضه جميع العمال ورفضوا استلام أجورهم تضامناً مع زملائهم، وهو ما جعل المشغل ينتقم منهم عن طريق تلفيق التهم للبعض الآخر بقطع الأشجار في وقت العمل، مع أنهم صرحوا له بكونهم سيشاركون في وقفة احتجاجية، فإذا به يتخذ إجراءات الطرد في حق جميع المحتجين. فك إضراب العمال بالقوة هذا الطرد كان صادماً وعن سبق إصرار وترصد، يقول أحمد العامل المطرود، لأن المشغل كان دائما يردد أن المنخرطين في النقابة غير مرغوب فيهم، وهو ما طبقه، فالمطرودين كلهم لهم انتماء نقابي، قرار الطرد جابهه العمال بالإعلان عن إضراب مفتوح أمام ضيعة المشغل ولد الدليمي، غير أنه واجهه بعنف، حيث استقدم حراسا مدججين بالكلاب المدربة لحماية الضيعة، إلا أنهم تجاوزوا هذه المهمة بفك إضراب العمال بالقوة، لقد اعتدوا علينا، يقول أحد العمال، بالضرب، وأطلق علي أحدهم كلباً ضارياً عضني. حين تتحالف المصالح أوضح أحد المطرودين في تصريحه ل >التجديد< أن استمرارية المشكل وتجبر مالك الضيعة يعود إلى تحالف وتبادل للمصالح بين ابن الدليمي مالك الضيعة ومسيرها ابن شيخ المنطقة، وبعض من عائلة شيخ المنطقة ومسؤولين في الإقليم، ويضيف المتحدث كيف يعقل أن تجهض امرأة ويطلق الكلب على عامل، ويطرد العمال من الضيعة دون موجب حق، بل وتلفق لهم تهم، ويحرمون من أبسط حقوقهم القانونية دون أن تحرك السلطة هنا ساكناً، أو تلزم مالك الضيعة باحترام ما ألزمته به مرات عديدة. وختم العامل نفسه، الذي يشتغل الآن في ضيعة أخرى، قائلا هداك الشي اللي يتكلموا عليه فالتلفزة، حقوق وقانون ما زال ما وصلناش احنا هنا، ولد الدليمي كيدير اللي بغا هو المخزن، أما احنا فلينا الله.