قال جني لآخر: ألا ترى معي أن الشياطين التي تصفد وتكبل خلال رمضان المبارك أكثر راحة منا ؟، ولما سأله: كيف؟ .. أجابه: هم على الأقل لا يشاهدون فكاهة إتم ودوزيم. يقول المثل التونسي: القرد في عين أمه غزال، شعار تبنته القناتان معا طيلة شهر رمضان الكريم وهي تعرض ما شاء لها الإشهار أن تعرض وتستعرض، دون أن تسأما أو تملا أو يرفا لهما جفن، وخاصة إتم ( القلعة) التي وزعت كوطتها من الإنتاجات وحشرتها في بعض المحظوظين، الذين لم يتوفقوا في تحسين صورتها إعلاميا إلا أنها استفادت منهم ماديا وبشكل غيرمتوقع؛ سيول من الإعلانات المتتابعة أصبحت معها القناتان أقرب إلى قنوات تيما المختصة بالإشهار والإعلانات، فيما تناسى أصحاب السلع أنهم يدفعون المبالغ الطائلة من أجل تمريره وقت الذروة ويقصفون به المشاهد الذي يتحول إلى مستهلك حين عرض الإشهار تحول المغربي خلال دقائق من مشاهد أثناء العرض الفني إلى مستهلك أثناء عرض الإعلانات، أحصوا كم من مرة يتحول فيها هذا المسكين قبل أن يعود إلى طبيعته مؤقتا دون التفكيرفي خفض أسعار سلعهم وتحسين جودتها ، فالمشاهد غير ملزم بمتابعتها، فبكبسة زر من آلة التحكم يمكن له التنقل بين عشرات القنوات المختارة هربا من مطاردتها وهي التي تذكره بحاجته إليها وهروبه منها. و بذلك تكون أدت خدمة مهمة لبطاريات آلة التحكم عن بعد. ورحل رمضان.. وبقيت الهزات الارتدادية لزلزال رمضان الكريم تظهر بين الفينة و الأخرى. سيتكومات أشبه بكسوة بالية ورثة يرتديها فقير معدم ،مبرقعة ،مملوءة بالخرق والرقع كل رقعة من ثوب مختلف. كلما تمدد لابسها أو تمطط ، تمزقت وظهرت عيوبه وهزالة ما تخفيه الكسوة، ليظهر عاريا. ألا يقول المثل المغربي : المكسي بديال الناس عريان ثلاثة سيتكومات ، كل واحد قضى 26 دقيقة في اليوم أي ما معدله 2340 دقيقة يعني أكثر من يوم ونصف يوم من الهراء والسخافة والصراخ والتفاهة والهستيريا والتعواج.. من أصل شهر كريم ظل خلاله المشاهد المغربي رهن الاعتقال في معتقل تلفزنتنامو. شهر العبادة تحول إلى شهر السيتكومات منذ أن هرّب سعيد الناصري هذا الجنس من التمثيل إلى المغرب، وأضفى عليه المغاربة طبائع وأساليب حولته إلى عمل مبتذل ومستفز، فيحسب للناصري أنه أول من أدخل وأضاف حيلة ضيف الشرف إلى هذا النوع ، ويحسب ل عائلة سي مربوح أنها أول من أضاف إليه المسابقات وكذا مخاطبة الكاميرا ، كذلك الشأن بالنسبة ل سير حتى تتجي . كما يحسب للعائلة المحترمة جدا عن جد أنها أدخلت النكات من الشارع ووظفتها من جديد وكأن لا أحد ابتكرها أو سمع بها من قبل ،أو كأن المغاربة الذين يشاهدون ويستمعون و لا يستمتعون استوطنوا المغرب بالأمس فقط. سيتكومات مصابة بانفصام الشخصية عن مقومات العمل الفني العادي ،المتزن، اللائق بشعب صار يمتلك وعيا لا يستهان به. (حتى أن بعض المشاهدين يتمتعون بالروح المرحة و خفة الدم التي يفتقر إليها سدنة الفكاهة عندنا ، أكثرهم يعجز حتى على ابتكار نكتة وتعوزه سرعة البديهة في المواقف العادية). وهي حالة تدفع إلى الذهول والاستغراب والإكتئاب صار لابد لها من بحث مضني عن علاج وشفاء لهذا الاستهتار الأقرب إلى الأمر الواقع المفروض . إلا إذا كانت القناتان تريا أن هذا يليق بالمشاهد المغربي . أو هو عقاب جماعي غير معلن . ومما يبعث على الأسف و التساؤل عن مغزى هذه الحرب الأهلية الرمضانية ، و في الوقت الذي كنا ننتظر من قناتينا وقف نزيفهما أو على الأقل الحد منه ( كما في رمضان الماضي). طبقتا علينا صيفط زيد صيفط ، فبرمجت قناة عين السبع كاميرا بدائية، سمتها شمتة. وكأنها لم تكفها هذه الشمتة التي أتحفتنا بها هي وإتم طيلة الشهر الكريم..اللهم لا شماتة ! أخيرا ومع الاجتياح الصيني لحياتنا، لماذا لا تسند صناعة السيتكوم إلى الصينيين. فسيتكوماتنا كمنتجاتهم تستعمل مرة واحدة فقط قبل أن ترمى في... المغربية.