كان النظام بمدرسة سيدي الزوين أن نجلس بعد المغرب لقراءة الحزب جماعة (حسب القبائل: أحمار، دكالة، وسوس)، وإذا أخطأت إحدى الحلقات في القراءة قام الآخرون للتصفيق فوق رؤوس أفرادها سخرية، ويتذاكرون أخبارها في الصباح تنكيتا ودعابة. وأذكر أن رجلا يدعى السي النمر كان مستقرا بالمدرسة، وهو رجل كبير ملازم للمدرسة، ولم يكن حافظا للقرآن معروفا لدى الطلبة، فهو يسهر على تأجيج مواقف السخرية من أفراد الحلقة المخطئة. وبعدها نشرب الشاي جماعة، ورغم تلك الدعابات والسخريات فقد كان هناك احترام كبير للفقهاء. وسي النمر هذا لم يكن حافظا للقرآن الكريم، بل إنه يستغل موسم الدوال في الصيف وزيارة الدواوير، وكان متخصصا في بعض الأجزاء الصعبة في القرآن وتسمى الرباع مثل: قال الملأ، وأعدوا... ليظهر للناس أنه كفؤ رغم أنه لا يحفظ القرآن الكريم. وذات مرة، وأنا ذاهب إلى المدرسة، وجدته جالسا تحت ظل شجرة يكتب اللوح من المصحف، فقلت له: أنت، تبارك الله عليك، حافظ للقرآن وبالمدرسة فقهاء، فلماذا تستعين بالمصحف؟ فقال لي: لا أفعل ذلك، فالفقيه الذي يملي عليك يصبح شيخك، وإذا أقلقته يوما دعا عليك دعوة بلاء، أما المصحف فكل حرف بحجم عين البقرة، وهو لا يدعو علي بشيء.... ولسي النمر حكايات غريبة، فقد حكى لي مرة أنه ذهب ليبتاع لطلبة القرآن بالليل في أحد الدواوير قائلا: عندما ذهبت إلى ذلك المكان وجدت فقهاء متقنين للقرآن، وقلت في نفسي: من الذي أتى بك إلى هؤلاء، ولكن عندما أسترقت النظر رأيت طلبة مطأطئي الرؤوس، فعلمت أنهم مثلي لا يحفظون القرآن، فقلت: الحمد لله، فأصحابي هنا فاتجهت إلى جانبهم وجلست، ومرت الليلة بخير. اللقاء مع وزير الأوقاف السيد أحمد بركاش وفي سنة ,1971 نظمت وزارة الأوقاف مسابقة في القراءات السبع والعشر بمناسبة عيد العرش، فتقدمت إلى الامتحان ممثلا عن مدرسة سيدي الزوين، وشارك في المسابقة بعض الطلبة من مدارس في سوس ومدرسة ولد الزهيرو بطنجة، ومدرسة مولاي الطاهر القاسمي بدكالة، وجرت أطوار الامتحان بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لمدة يومين على يد السيد ابن مريم رحمه الله تعالى، فكنت الأول في القراءات السبع وطنيا، ووقتها أعجب بي الفقيه سيدي عبد الرحمان ولد سيدي بوشعيب الدكالي، بل بكى وقال لي: أنت خليفة الوالد، فوالدي كان يحفظ القراءات السبع. وكان الأستاذ عبد الرحمان بن بوشعيب الدكالي المرشد العام للجيش، ومن شدة فرحه بي، أركبني في سيارته، وقصد بي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية آنذاك، السيد أحمد بركاش رحمه الله، فقال له الأستاذ عبد الرحمان: سعادة الوزير، لو تعرف هذا الولد من أي قبيلة هو لتملكك العجب، فقال الوزير: من أي قبيلة؟ أجاب عبد الرحمان: هو من قبيلة زعير، وهذه القبيلة لا تعرف القرآن، ولا تعرف إلا رعي الشياه والبقر. معنى القراءات السبع والقراءات السبع أو قراءة سيدي حمزة تعنى بدراسة أوجه القراءات السبع وطرق الرواة، وهي كلها مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فرواية ورش عن نافع هي قراءة أهل المدينة وقراءة حفص عن عاصم هي قراءة الكوفة، وهناك قراءة الشام والبصرة، وكلها قراءات متواترة صحيحة، فلا فرق بين قراءة ورش أو قراءة حفص، ولا بين قراءة عاصم وقراءة نافع، وإنما هي أوجه في لهجات العرب، فنجد قبائل عربية ليست لديها الإمالة، كما في موسى وعيسى. وهنا أؤكد أن قارئ القرآن إذا لم يقرأ القراءات السبع، لا يكون ماهرا في النحو واللغة العربية، فالمتبحر في علوم اللغة لا بد أن يكون على علم بالقراءات السبع والعشر، لأن فيها شواهد نحوية وتصاريف لغوية، وقد نجد فيها كلمات لا يعرفها النحاة، ولا تنضبط لقواعد النحو. وبمعدل حفظ ربع حزب كل يوم استطعت إتقان القراءة في مدة ثلاث سنوات، أي من 1970 إلى ,1972 ونظرا لصعوبة القراءة، فهناك من قضى ستة عشر سنة ولم يحفظ هذه القراءة. وكان أحد الفقهاء يقرأ بصوت مرتفع، وأحيانا يعلق اللوح في شجرة الزيتون ويضربها بالحجر، ولكن رغم عزيمته القوية لم يوفق في حفظ القراءات السبع، ونصحته قائلا: عليك أن تعرف القواعد قبل أن تتكل على جهد الحفظ. وكان رجل آخر في نحو ثمانين سنة بدأ في قراءة القراءات السبع، وهو لا يفصح عما يقول، لأن أسنانه سقطت كلها، فقلت له يوما: أنت رجل كبير السن، فلماذا تتعب نفسك في حفظ هذه القراءة الشائكة؟ فأجابني: والله، إني نذرت نفسي أن أبقى بمدرسة سيدي الزوين حتى أتقن هذه القراءة أو أموت دونها.