الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    خلاف بين وزارة الإدماج ومكتب التكوين المهني حول مسؤولية تأخر منح المتدربين    طنجة.. الدرك البيئي يحجز نحو طن من أحشاء الأبقار غير الصالحة للاستهلاك    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    بعد السرقة المثيرة.. متحف اللوفر يعلن تشديد الإجراءات الأمنية    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تدشين المعهد المتخصص في فنون الصناعة التقليدية بالداخلة تعزيزاً للموارد البشرية وتنمية القطاع الحرفي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    السلطة تتهم المئات ب"جريمة الخيانة" في تنزانيا    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ القراءات محمد السحابي:صليت بقبيلتي صلاة العيد، فتعجب الناس من كوني صغير السن وأخطب دون ورقة خاصة
نشر في التجديد يوم 18 - 09 - 2009

اشتغل الشيخ محمد السحابي ابن قبائل زعير بعلم القراءات القرآنية وهو العلم الذي برع فيه وعرف به، حفظ القرآن الكريم وهو ابن الرابعة عشر من عمره وأقامت له القبيلة بهذه المناسبة عرسا كبيرا شارك فيه الرجال والنساء، انتقل بين عدد من القبائل بهدف تلقي العلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم، إلى ان وصل إلى مدرسة سيد الزوين حيث تلقى فيها لسنوات القراءات السبع، شارك في مسابقتين نظمتهما وزارة الاوقاف، الأولى تتعلق بالقراءات السبع والثانية في حفظ كتاب الموطأ.
هل تذكر مرحلة دخولك إلى الكتاب؟
كما هي عادة الناس بالمغرب أدخلني والدي رحمه الله الى المسيد الذي كان يدرس القرآن الكريم في القبيلة سنة 1957 وارتبطت منذ ذلك الحين بالمسجد وبالقرآن الكريم إلى أن حفظته سنة ,1962 وقد كان من عادة القبيلة أن تنظم للطالب الذي يحفظ القرآن احتفالا خاصا يسمى العرس القرآني، وقبل ذلك امتحنني الفقهاء ومقدم الطلبة فكانت النتيجة انني كنت حافظا لكتاب الله تعالى فقالوا لوالدي: هذا الولد حفظ القرآن ولابد من اقامة العرس، فاقام لي الوالد هذا العرس الذي كانت تشارك فيه القبيلة كلها حيث تبنى الخيام وتلعب الخيول وكان من عادتهم أنهم يأخذون الحافظ بعيدا عن الخيام حيث يقف حفظة القرآن صفوفا ويكون الطفل راكبا على الفرس المسرج يسوق به احد الناس والفقهاء يرددون الآية ربنا آمنا بما انزلت واتبعنا الرسول واكتبنا مع الشاهدين والنساء يزغردن، وخلال الاحتفال يقام ما يسمى بالفصال وهو أن يتفاصل الوالد أو من يقوم مقامه مع الفقيه الذي حفظ القرآن عليه ويكون عبارة عن بقرة أو عجل مع الكسوة وبعض المال، وبعد ان جالوا بي في ارجاء القرية اجلسوني في احدى الخيام وبدأ الرجال والنساء يضعون الدراهم في حجري وكل ذلك فرحا بالقرآن وإكراما
لحفظته.
أين توجهت بعد ان أتممت حفظ القرآن واحتفلت بك القرية؟
بعد أن انتهى العرس اقترح بعض الفقهاء على والدي أن اذهب لالتخناش ومعنى ذلك أنهم كانوا يضعون للمحضر(الطالب) خنشة من الكتان فيها متاعه وكتبه، ثم يسافر إلى بلد آخر ليتابع دراسته للقران الكريم، فذهبت بعدئذ إلى جبالة وبالضبط قبيلة بني مسارة نواحي وزان وشرعت أقرأ القرآن من جديدعلى يد فقيه في زومي وأقرأ كذلك عليه المتون والنحو مثل ألفية بن مالك والجرومية وابن عاشر وغيرها، حتى حفظت هذه المتون في اللوح وختمت عليه القرآن مرة أخرى في اللوح، ثم سمعت بفقيه آخر في قرية دشر بوقرة هو العالم السي عبد الرحمن بوقري فذهبت إليه ودرست عليه ما تيسر بعد ذلك رجعت إلى قبيلتي وكان ذلك في شهر ذي الحجة حيث لم يكن يفصلنا عن عيد الأضحى سوى أيام، فطلب مني سكان الدوار مني أن أخطب عليهم خطبة العيد وأصلي بهم، وكذلك كان فقد قمت بكتابة الخطبة وحفظتها عن ظهر قلب وألقيتهم عليهم شفاهة دون الاعتماد على الورقة وصليت بهم صلاة العيد، فتعجب الناس من كوني صغير السن وأخطب دون ورقة خاصة وأن الفقهاء كان من عادتهم أن يخطبوا بالورق، فقام أحد من شرفاء القبيلة وقال لهم: عندنا هذا الخير ونحن نبحث عن فقيه نشارط معه، لابد ان نشارط هذا
الولد وفعلا شارطت في القبيلة وهيأوا لي التلاميذ وصرت ادرس القرآن فيه لسنوات وحفظ علي القرآن الكريم والحمد لله عدد من الحضرة.
كم كان سنك عندما صليت بسكان قبيلتك صلاة العيد؟
كان سني وي ذلك الوقت ما بين 18 و19 سنة
وكيف بدأت علاقتك بالقراءات السبع؟
كان عندنا عالم من علماء القراءات في القبيلة هو السي محمد بن عباس الزعري، فهذا شيخنا الأول عنده القراءات السبع، فلما توفي رحمه الله في سنة 1968 أخذت جميع كتبه والمخطوطات التي كان يخطها بيده بعدما اقترح علي ولده أن آخذها، فصرت أقرأ فيها فغلبتني رمزيات القراءات السبع وفكرت كيف أمكن هؤلاء الناس أن يعرفوا هذه القراءات والرمزيات في حين لم أفهمها لأنها كانت تبدو لي وكأنها مكتوبة بلغة غير لغة العرب، فأشار إلي البعض بأن أذهب إلى مدرسة سيدي الزوين، وهكذا تركت المحضرة ووكلت من أثق فيه ليبقى العمل مستمرا فيها، وشرعت في قراءة السبعة على يد الفقيه الحاج عابد السوسي رحمه الله والشيخ علال بن اسماعيل العبدي وأخذت القراءات عن الشيخ محمد بن بنان السرغيني وغيرهم من شيوخ مدرسة سيدي الزوين، وهكذا إلى أن حفظت القراءات السبع.
هل شاركت خلال مرحلة حفظك للقرآن الكريم والقراءات السبع في مسابقات وطنية أو دولية؟
لما حفظت القراءات السبع في سيد الزوين، نظمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بإشراف الحاج عبد الرحمن ابي شعيب الدكالي رحمه الله مسابقة في القراءات السبع بمناسبة عيد العرش وذلك سنة ,1971 فحضرها الطلبة من جميع مناطق المغرب، فكنت الفائز الأول وفرح الحاج عبد الرحمن أبي شعيب الدكالي بي كثيرا وأركبني معه في السيارة وأخذني إلى وزير الاوقاف آنذاك الحاج أحمد بركاش رحمه الله، فسلمنا عليه وقال له: لو تعرف يا سعادة الوزير هذا الولد من أي القبائل هو لأخذك العجب، فقال الوزير: من اي قبيلة هو، قال: من قبائل زعير وهذه القبائل ليس فيها علم القراءات وهم أهل حرث وفلاحة فقط، فرحب بي الوزير وحثني على مواصلة السير والاجتهاد، فرجعت مرة ثانية الى مدرسة سيد الزوين لآخذ ختمات في القراءة، وفي سنة 1972 نظمت وزارة الاوقاف مرة اخرى مسابقة لكن هذه المرة في حفظ الحديث بأسانيده، فأرشدني أحد الفقهاء وهو محمد السعيدي خريج دار الحديث الحسنية، إلى أن اطلب علم الحديث، فشرعت أنا وصهري محمد بدالعياشي وهو امام الآن بالامارات إلى حفظ كتاب الموطأ في اللوح عن ظهر قلب، فلما حل موعد المسابقة شاركنا فيها وكنت أنا وصهري من الفائزين
في حفظ الحديث، ففرح بنا الفقهاء والعلماء، فطلب منا الحاج عبد الرحمن أن نذهب معه مرة اخرى الى وزير الاوقاف فلما وصل قال عني نفس الكلام الذي قاله في مسابقة القراءات السبع فبكى الحاج عبد الرحمن وقال لوزير الأوقاف: هذا خليفة والدي الشيخ ابي شعيب الدكالي، لأن والده كان عنده حفظ الحديث والقراءات السبع.
طرق التأويل
في القراءة الجديدة
3 التأويل المقاصدي
إذا كانت أحكام الدين فيما تضمّنته من تفاصيل وضوابط وحدود تهدف إلى تحقيق مقاصد معيّنة هي المعروفة بمقاصد الشريعة، فإنّ المؤوّلة الجدد ادّعوا أنّهم يحتفون بتحقيق المقاصد دون تفاصيل الأحكام وضوابطها، وانتهجوا في ذلك مسارا تأويليا للنصّ الديني سمّوه بالتأويل المقاصدي، وهو تأويل ينتهي بالنصّ الديني إلى إهدار الأحكام المتعلّقة بضبط الأفعال من حيث الأمر والنهي، ويعتبر فقط المقاصد من تلك الأحكام، بحيث إذا تحقّقت بدونها أصبحت هي لاغية في هذه القراءة التأويلية. وتقوم هذه القراءة على اعتبار أنّ أحكام الشريعة لم تشرّع إلاّ لتحقيق مقاصدها، فهي تقوم مقام الوسائل بالنسبة للغايات، فأحكام الحدود لم تشرع إلاّ لردع مقترفي المعاصي، ومنع الربا لم يشرع إلاّ لتحقيق مقصد العدالة ومنع استغلال القويّ للضعيف، وهكذا الأمر في كلّ حكم من أحكام الشريعة، بحيث لا تحمل هذه الأحكام قيمة في ذاتها، وإنّما قيمتها في مقاصدها، فإذا ما حقّق حكم من الأحكام مقصده، فإنّه يكون قد استنفذ أغراضه، فلا يبقى إذن مبرّر لبقائه ملزما، وكذلك إذا تحقّق مقصد لحكم مّا من الأحكام بطريقة أخرى غير ذلك الحكم، فإنّه لا يبقى مبرّر للإلزام به،
وهكذا ينبغي أن تقرأ النصوص الدينية على هذا النحو من التأويل.
وفي شرح هذا المعنى يقول أحد المؤوّلة: إنّ التأويل المقاصدي هو التأويل الأنسب من الوجهة الدينية، وينبغي ألاّ يطول البحث في تحليل الكلمات، بل لا بدّ من البحث وراء المعاني الحرفية عن روح القرآن، وتناول كلّ مسألة حسب وضعها ضمن المقاصد الإلهية الشاملة، ويقتضي هذا البحث إدماج عامل الزمان، فيمكن أن تكون القاعدة (أي الحكم الشرعي) صالحة لوقت معيّن، لكنّها إذا أصبحت لمرور الزمن وتغيّر الأوضاع غير ملائمة ينبغي أن نتمكّن من تغييرها ، وهذا التغيير إنّما هو بسبب كونها لم تعد محقّقة لمقاصدها، أو كون مقاصدها أصبحت تتحقّق بغيرها، وفي كلّ الحالات فينبغي أن تقرأ الأحكام في الإلزام بها أو عدم الإلزام قراءة تحقّق مقاصدها دون التفات إليها في ذاتها؛ ولذلك فإنّه على سبيل المثال فيما يتعلّق بحدّ السرقة لا حرج البتّة في التخلّي عنه، واستبداله بعقوبات أخرى تتماشى والأوضاع التي تعيشها المجتمعات الإسلامية الحديثة، طالما يمكن تحقيق الغرض منه بوسائل أخرى .
وفي هذا التأويل تصبح مهدرةً قاعدة أنّ العبرة بعموم اللفظ في إفادة النصّ للمعاني، لتتمحّض هذه العبرة للغاية والمقصد لا غير، ولذلك فإنّه ينبغي قلب المسلّمة التي استقرّت في الوجدان الإسلامي منذ القرن الثاني للهجرة، وإلى الإقرار بأنّ العبرة ليست بخصوص السبب ولا بعموم اللفظ معا، بل فيما وراء السبب الخاصّ واللفظ المستعمل له يتعيّن البحث عن الغاية والمقصد، وفي هذا البحث مجال لاختلاف التأويل بحسب احتياجات الناس واختلاف بيئاتهم وأزمنتهم وثقافتهم .
إنّ هذه القراءة التأويلية المقاصدية للنصّ الديني هي قراءة كفيلة بأن تغيّر الأفهام في استخلاص معاني الأحكام من نصوصها ليصبح الأمر نهيا والنهي أمرا إذا ما تبيّن للقارئ أنّ مقصد الحكم لا يتحقّق به بل يتحقّق بحكم غيره، فيصبح ذلك الغير هو المطلوب خلافا لما يقتضيه ظاهر النصّ، وهو ما يقتضي على سبيل المثال إمكان أن يفهم من النصّ القرآني حلّية الربا بدلا من حرمته، وأن يفهم بطلان عقوبات الحدود بدلا من وجوبها، بل يصل الأمر إلى إلغاء العبادات من صلاة وصوم وحجّ وزكاة على النحو الذي هي محدّدة به، وذلك إذا ما تحقّقت مقاصدها في ترقية الروح وتحقيق العدالة بأشكال أخرى منها أو حتى بدون تلك الأشكال أصلا، ذلك هو ما يفهم من كثير من النتائج التي انتهى إليها بعض هؤلاء المؤوّلة من قراءتهم لأحكام العبادات في القرآن الكريم .
4 التأويل العلمي
هو ضرب من التأويل للنصّ الديني ينسب نفسه إلى العلم بمعنى العلوم الحديثة طبيعية ورياضية، وذلك بأن يقع تأويل النصّ على أساس بعض القوانين الطبيعية والرياضية لتصرف معانيه عن ظواهر دلالاتها اللغوية المتعارف عليها وتحمل بمقتضى هذه القوانين التي يكتشفها الإنسان تباعا على مدلولات أخرى مخالفة لما تقتضيه ظواهر اللغة وما استقرّت عليه أفهام المسلمين منذ نزول الدين إلى اليوم.
وإذا كان هذا الضرب من التأويل ليس منتشرا على نطاق واسع بين المؤوّلة الجدد إلاّ أنّ قول بعضهم به يجعله مبرّرا لأن ندرجه ضمن مسارات التأويل في هذه الظاهرة من باب الاستيفاء والتقصّي مهما يكن عليه هذا التأويل من غرابة، خاصّة وأنّ ثمّة بوادر تشير إلى أنّه قد يكون سائرا في طريق التوسّع والانتشار.
والمثال الأبرز لهذا التأويل الرياضي ما شرحه أحد المؤوّلة فيما يتعلّق بما جاء في النصّ الديني من أمر بالتزام حدود الله تعالى وعدم تعدّيها، وحدود الله هي الخطوط الفاصلة بين ما هو مسموح بفعله على وجه الوجوب أو الندب أو الإباحة وما هو غير مسموح به على وجه المنع أو الكراهة، وذلك في كلّ ما أمر الله تعالى به وما نهى عنه وليس الأمر خاصّا بالمعنى الاصطلاحي المتعلّق بالعقوبات.
وبحسب ما يرى هذا المؤوّل فإنّ كلّ أوامر الله تعالى ونواهيه تنحصر بين حدّين، حدّ أعلى لا يمكن الصعود فوقه، وحدّ أدنى لا يمكن النزول تحته، وذلك متحقّق بالنظر إلى الأحكام الشرعية في جملتها كالحدّ الأعلى المتمثّل في أحكام السرقة والقتل، وهو ما لا يمكن الصعود فوقه بالتشديد، والحدّ الأدنى المتمثّل في تحريم النكاح من المحارم المنصوص عليها، وهو ما لا يمكن النزول تحته بالتساهل تحليلا لبعض هذه المحارم، كما أنّه متحقّق بالنظر للأحكام المفردة مثل تقسيم الإرث بين الرجل والمرأة على نسبة الثلثين إلى الثلث، فالحدّ الأعلى هو الثلثان بالنسبة للرجل، وهو ما لا يمكن الصعود فوقه بزيادة النسبة، والحدّ الأدنى وهو الثلث بالنسبة للمرأة، وهو ما لا يمكن النزول تحته.
لقد اكتشف إسحاق نيوتن قانونا رياضيا يتعلّق بالحدود أو النهايات فيما يعرف بالتوابع المستمرّة أو رياضيات نيوتن، وهو قانون يبيّن مجال الحركة بين الحدّين الأعلى والأدنى، ويضبط الأوضاع بحيث تتبيّن به قواعد التعامل معهما بما يعصم من تجاوزهما إلى الأعلى أو إلى الأدنى، ويسمح بالانتقال فيما بينهما. وهذا القانون الرياضي حسب هذا المؤوّل يمكن استثماره في فهم النصّ الديني وما يتضمّنه من أحكام شرعية متردّدة بين الحدود العليا والدنيا بحسب الأوامر والنواهي الواردة في النصّ.
وعلى سبيل المثال فإنّه إذا كان الحدّ الأدنى في حكم الشريعة تحريم المحارم المنصوص عليها فإنّه لا يمكن بحكم القانون الرياضي النزول تحت ذلك الحدّ بإضافة محارم أخرى، ولكن يمكن الصعود فوقه بمنع الزواج من بعض الأقارب غير المعدودين من المحارم كبنات العمّ والعمّة والخالة إذا بيّن علم الطبّ أنّ لذلك آثارا سلبية على النسل، أو بيّن علم الاقتصاد أنّ له آثارا سلبية على توزيع الثروة، ولا يكون في ذلك تجاوز لحدود الله لأنّه ليس فيه نزول تحت الحدّ الأدنى.
وعلى سبيل المثال أيضا فإنّه إذا كان الحدّ الأعلى لنسبة ميراث الرجل هو الثلثين والحدّ الأدنى لميراث المرأة هو الثلث فإنّ القانون الرياضي يسمح في نطاق عدم التعدّي على الحدّ بأن ينزل ميراث الرجل عن حدّه الأعلى إلى ما يلامس نسبة النصف، كما يسمح بأن يرتفع ميراث المرأة إلى ما يلامس النصف أيضا، فإذا ما وقع تشريع اجتهادي بذلك فإنّه يكون تشريعا حاصلا في نطاق مراعاة حدود الله بالبقاء ضمنها دون تعدّ عليها.
إنّ هذا القانون الرياضي يسمح لنا بالاجتهاد في قراءة النصّ الديني لنستخلص من الحدود التي ضبطها ذلك النصّ أحكاما شرعية يمكن أن تعلو فوق الحدّ الأدنى، أو تنزل تحت الحدّ الأعلى، وذلك بما يتناسب مع تغيّر الأوضاع التي يكون عليها الناس، وبما يسهم في حلّ المشاكل التي تعترضهم، وذلك في غير التزام بالقراءات السابقة حتى تلك التي أجمع عليها المسلمون، فإذا كان السلف لم يفهموا الحدود هذا الفهم المعاصر فإنّنا لا نستطيع لومهم لأنّ المفهوم الرياضي للحدود ظهر منذ إسحاق نيوتن فلم يكن لهم به علم .
6 التكامل في الأدوار الاجتماعية(تابع)
كانت رائطة امرأة عبد الله بن مسعود امرأة صناع اليد، أي تصنع بيدها أشياء تتاجر فيها وتبيعها، وكانت تنفق على زوجها وعلى ولدهما من صنعتها. فقالت ذات مرة لزوجها ابن مسعود: لقد شغلتني أنت وولدك عن الصدقة، فما أستطيع أن أتصدق معكم بشيء، فقال لها: والله ما أحب إن لم يكن في ذلك أجر أن تفعلي. فأتت رائطة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: يا رسول الله، إني امرأة ذات صنعة أبيع منها، وليس لي ولا لزوجي نفقة غيرها، ولقد شغلوني عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق بشيء، فهل لي من أجر فيما أنفقت؟ فقال لها رسول الله صلي الله عليه وسلم: أنفقي عليهم، فإن لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم .
وعن جابر بن عبد الله أن خالته سلمى طُلقت فأرادت أن تجد نخلها (أي تقطع ثماره وتجمعه) فزجرها رجل ونهاها أن تخرج في فتره عدتها، فأتت النبي صلي الله علية وسلم وأخبرته، فقال لها: بلى فجدي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا . فهذان الحديثان النبويان وغيرهما يتضمنان تشجيعا المرأة على أن تعمل صناعة أو فلاحة أو تجارة أو غيرها، لتكسب مدخولا ماليا تفيد به نفسها وأسرتها وتصنع به الخير والمعروف.
وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصطحب في الغزو الصحابية أم سليم الغميصاء بن ملحان الأنصارية ونسوة أخريات من الأنصار، يسقين الماء ويداوين الجرحى . وقالت أم عطية الأنصارية: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى .
وتؤكد آيات أواخر سورة آل عمران على مشاركة المرأة الفعلية في العمل السياسي والعسكري في الفترة النبوية إذ ورد فيها: فاستجاب لهم ربهم أني لا أضِيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى، بعضكم من بعض، فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار؛ (آل عمران/ 195). وهذا دليل على أن تلك المشاركة مرغوب فيها ومشجع عليها، وأن الجزاء عليها واحد للجنسين معا دون تمييز ولا محاباة بسبب الذكورة أو الأنوثة. كما أنه دليل صريح على أن النساء شاركن عمليا في عصر نزول الوحي اجتماعيا وسياسيا وعسكريا.
وما نجده في أقوال الفقهاء أو في بعض الكتابات المعاصرة من تقييد لعمل المرأة إنما يستند إلى تأويل بعض النصوص أو تعميمها خارج الأسرة، أو إلى التنزيل الاجتهادي لمقاصد شرعية عامة مثل مقصد منع الفتنة في المجتمع أو مقصد الحفاظ على الأسرة، وهو تنزيل يرتبط بالأعراف السائدة محليا وعالميا.
ب وهذه المساواة في العمل والمشاركة في ساحات المجتمع هي مساواة في فرص الحضور وليس بالضرورة أن تكون بنفس القدر ونفس الشروط. وهي لا تعني أنه ليست هناك أدوار اجتماعية تدخل في مهام المرأة بطبيعتها. فالأمومة خاصية من خصائص المرأة، والرجل لا يمكنه تعويضها فيها. وما يجب أن يحرص عليه المجتمع هو ألا يؤدي ذلك إلى اختلاف في المكانة والقيمة.
ج إن المساواة بين الجنسين لا تعني التعاطي مع المرأة بوصفها رجلا، فالرجولة ليست من لوازم الأنوثة، والعكس أيضا صحيح. وكل رؤية ذكورية للمرأة إنما يحمل احتقارا وظلما لها لأنه يقلل من شأنها وطبيعتها وانسجامها مع تلك الطبيعة. وقد حارب الإسلام كل احتقار للأنوثة أو استصغار لدورها في إجراءات وأحكام متعددة، بدءا بتحريم وأد البنت واستنكار ولادتها والتشاؤم بها، وانتهاء باعتبار أعمالها بوصفها أما وربة بيت عبادات تؤجر عليها واعتبار المرأة التي تتوفى بسبب حملها أو ولادتها شهيدة، مرورا بسيل من الأحكام والتوجيهات التي تعلي دورها أما وزوجة ومشاركة في أعمال الخير. كما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال، وهو نهي بالتشبه في الخصوصيات الفطرية لكل منهما لا في أنواع النشاط العلمي والاجتماعي.
د وفي نفس المستوى فإن من واجب المجتمع رعاية الأمومة والأسرة، وأن تحظى المرأة الحامل والمرضع بالعناية اللازمة من قبل الدولة، وأن ينظر إلى الإنجاب والأمومة بوصفهما وظيفتين اجتماعيتين يتحمل المجتمع تبعاتهما ولا تترك المرأة وأسرتها تتحملانهما وحدهما.
شهر الفرحة العابدة
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)).رواه البخاري ومسلم.
ففي القول القدسي ((للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)) إشارة إلى أن رمضان يربي الشخصية المسلمة على قيم إنسانية ذات صلة بحقيقة عبوديتها لله. فمما تعارف عليه الناس هو أن العابد المتبتل ليس له فرح بل هو دائم الحزن أو على الأقل دائم الجد وصارم في الأخذ به حتى تضيق منه النفوس المرحة وتضيق بعد ذلك من العبادة والتعبد.. وإذا أراد أن يفرح فعليه أن يتخلى عن تعبده وتبتله وارتباطاته الوجدانية بربه، مدةَ ممارسته لفرحه.. فلا يلتقي فرح وتعبد في قاعة واحدة وتحت سقف واحد..!
وهذا مخالف للرؤية الإسلامية التي تؤكد أن العبد كما هو مطالب أن يعبد الله في جِده، فهو مطالب أن يتعبده في مزاحه وهزله أي أن لا ينسيه هزله في كونه عبدا لله مطالب بأن يطيعه في كل شيء.. فالله لم يحرم على العبد أن يمزح ويفرح.. فالفرح والمزاح جزء من إنسانية الإنسان والله سبحانه وتعالى لم يأمر عباده بالخروج على إنسانيتهم وإنما أمرهم بأن يتعبدوه بها لأن في عبوديتهم له ضبط لإنسانيتهم ورعاية لها من الانفلات والانحراف باتجاه الحيوانية أو الشيطانية.
وهذا ما كان عليه الهدي النبوي وسار على نهجه الأصحاب الكرام رضوان الله عليهم أجمعين. روى بكر بن عبد الله المزني أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأمزح ولا أقول إلا الحق)) مجمع الزوائد للهيثمي. فالحق راسخ في مركزه الذي يحرك منه الذات كل الذات ويتحكم في كل شيء يصدر منها، جدا كان أو هزلا.. وهذا ما نلمسه في أحوال الصحابة الكرام وتربية رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم.. روى البخاري في الأدب المفرد عن بكر بن عبد الله المزني: ((كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبِطِّيخ أي بقشره فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال)). وسئل النخعي هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم! والإيمان في قلوبهم مثل الجبال الرواسي. غذاء الأرواح. فهم في غمرة فرحهم وضحكهم ومزاحهم لا ينسون الحق المتمركز في بؤرة ذواتهم، مما يحول بينهم وبين أن يشتط بهم المزاح والفرح ويبتعد بهم عن الحق حتى تضعف صلتهم به فيصعب عليهم الرجوع إليه بأسرع ما تدعوهم حاجات الحق للرجوع.. فهم يمزحون ويمرحون كالناس لكنهم أثبت من كل الناس.. والدليل على ذلك أنهم سريعي الفيء والرجوع إلى الحق والجد في طلبه وغيرهم
بطيء أو تائه ضائع في ميوعته ورخاوته..
ولهذا فالرؤية الإسلامية لا تخاصم الفرح والمزاح والضحك لذاتها وإنما تخاصم انفلاتها وضياع إنسانية الإنسان بسببها وخروجها بالناس عن مقتضيات عبوديتهم لله. وقد سئل سفيان : المزاح هُجْنَة؟ فقال: بل سنة لقوله عليه السلام: ((إني لأمزح ولا أقول إلا الحق)) غذاء الأرواح. وقال الشيخ أبو البركات بدر الدين محمد بن محمد الغَزِّي في كتابه المراح في المزاح: ((فقد سئلت قديما عن المزاح، وما يكره منه وما يباح؛ فأجبت بأنه مندوب إليه بين الإخوان والأصدقاء والخلان؛ لما فيه من ترويح القلوب، والاستئناس المطلوب؛ بشرط أن لايكون فيه قذف ولا غيبة ولا انهماك فيه يسقط الحشمة ويقلل الهيبة؛ ولا فحش يورث الضغينة ويحرك الحقود الكمينة)).
وأحسب أن رمضان يقوي في العبد آلية التعاطي التربوي مع الفرح الذي له نسب بالمزاح والضحك من موقع الوجدان العبودي المشتعل بفتيلة الحق الثابت في سويداء قلب الصائم.. ولهذا فهو يفرح عند الإفطار لا لأنه تناول الطعام كما يتناوله الحيوان.. وإنما لأنه تناوله بعد إذن الله له بغروب الشمس وفي هذا طاعة وعبودية قلما تحضر للعباد في أيام الإفطار.. فهو يفرح بفضل الله عليه بهذا الشعور الإيماني الغامر ..
((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)).###


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.