للمرة الثانية على التوالي سيحرم الجمهور المغربي من مشاهدة منتخبه في نهائيات المونديال؛ فبعد تضييعه لفرصة المشاركة في نهائيات 2002 إثر خسارته في آخر مبارة جمعته بنظيره السينغالي بدكار، وبهدف يتيم اقتنصه نجمه حاجي ضيوف؛ ها هو يفوت على نفسه مناسبة سانحة لحجز بطاقة التأهل إلى مونديال 2006 بعد أن أفلت من بين يديه انتصارا كان في المتناول على غريمه التونسي.ويبقى القاسم المشترك في كلتا الحالتين هو طريقة الإقصاء التي هي أقرب ماتكون إلى البلادة. ففي الحالة الأولى كان يكفي المغرب انتزاع نقطة تعادل من بين أنياب أصدقاء خليل فاديكا لتأمين التأهل، غير أنهم عجزوا عن تحقيق المبتغى بعد أن سبق وضيعوا نقطا ثمينة كانت في حكم المحجوزة، خاصة مع إهدارهم للفوز بقلب ناميبيا وكذا تعادلهم السمج مع السينغال في قلب الرباط. أما في الحالة الثانية، التي عشنا آخر أطوارها مساء السبت الماضي، فقد كلفنا غاليا التفريط المجاني في العديد من النقط، حيث وجد منتخبنا الوطني نفسه أمام خيار وحيد هو تحقيق الفوز إن هو أراد حجز بطاقة المشاركة في مونديال 2006؛ وهي الوضعية الحرجة التي كان الجميع يتمنى عدم السقوط في شراكها. بالتأكيد لم يكن الأمر يتعلق بضربة حظ كما يحلو لبعض المتطفلين على ميدان الكرة أن يرددوا على مسامعنا، ولا جاءت نتيجة المباراة خلافا لمنطق الأشياء، كما اعتادت أن تلوك ألسنة منظري الهزائم، وإنما سارت أطوار اللقاء غير بعيد عما توقعه العارفون، حقيقة وليس ادعاء، بأسرار لعبة كرة القدم. وبصرف النظر عن الاهتزاز الذي اعترى مسار النخبة المغربية في مبارياتها الأخيرة كنتيجة عن النزاع المفتعل بين المدرب الزاكي والعميد نور الدين النيبت، وكذا الخلاف الذي نشب بين الأول ومساعده عبد الغني الناصري وما نجم عنه من إبعاد هذا الإطار الكفء عن الإدارة التقنية للمنتخب؛ فقد نجحت العناصر الوطنية في استعادة توازنها وأفلحت في مباغتة المنتخب التونسي بهدف مروان الشماخ مع مستهل المباراة الحاسمة. وهنا عادت الأمور إلى نصابها، وبات نسور قرطاج هم من يحتاج إلى الاندفاع بغية تسجيل هدف التعادل، الأمر الذي كان بإمكان منتخبنا استغلاله بذكاء لو عرف كيف يتحكم في أعصابه أكثر وتفادى التدخلات العشوائية من جنس ما قام به اللاعب طلال القرقوري في مربع العمليات مما تسبب في إسقاط اللاعب التونسي رياض البوعزيزي من دون أن يكون هذا الأخير يتجه إلى التسديد نحو المرمى. وهو ما منح الفريق الخصم فرصة مجانية لتعديل الكفة. وإن كان أصل المشكل هو الخطأ الفادح الذي ارتكبه الحارس المياغري عندما حاول إبعاد كرة كانت في متناول يديه. ومع ذلك فقد أعاد أسود الأطلس لملمة صفوفهم وكثفوا هجماتهم التي أثمرت إحداها هدفا ثانيا للاعب الشماخ، بعد ضياع أكثر من فرصة سنحت بالتسجيل. وهنا بدأ المنتخب المغربي يحكم قبضته على مجريات اللقاء، وبدا في متناوله إحراز أهداف أخرى في ظل الارتباك الواضح الذي ظهر على دفاع التونسيين. وقد كان الظن بالمدرب الزاكي أن يوجه لاعبيه في اتجاه استغلال اندفاع الفريق المنافس لتحقيق التعادل واستثمار المساحات الفارغة التي كان يتركها صعود مدافعيه لدعم الهجوم، إلا أن شيئا من ذلك لم يكن. بل على العكس من ذلك لاحظنا ارتكان عناصرنا الوطنية بشكل مبالغ فيه إلى الدفاع، مما سهل الأمر على التونسيين. وكانت نقطة التحول في المباراة هي الخروج الاضطراري للاعب يوسف السفري الذي كان يقوم بدور محوري في وسط الميدان، سواء من جهة استرداد الكرات، أو مدها نحو الهجوم؛ غير أن الطامة الكبرى تمثلت في تعويضه باللاعب حديود الذي ظل تائها في الملعب، وشكل إقحامه المتعسف عبئا على المنتخب ليس إلا. وكان الأجدر بالمدرب الزاكي أن يدخل بدلا عنه اللاعب النشيط موحى اليعقوبي الذي كان بإمكانه استغلال الفراغ الكبير الذي ظل يتركه الصعود المتكرر للمدافع التونسي حاتم الطرابلسي، عوض الاحتفاظ به في دكة الاحتياط حتى الربع الأخير من الشوط الثاني. والشيء نفسه يقال عن اللاعب بوصابون الذي كان بمقدوره أن يمنح دما جديدا للهجوم المغربي لو تكرم السيد المدرب بدمجه على الأقل في النصف ساعة الأخيرة من المباراة، وليس قبيل نهايتها بدقيقتين.دون أن ننسى طرد المدافع بن عسكر الذي أثر سلبا على أداء المنتخب. لا نريد الاسترسال في استعراض هذه التمنيات بالنظر إلى ما تحتمله من حسرة على انتصار كان في المتناول وبددته الأخطاء القاتلة للمدرب بادو الذي ظل يصر بعناد شديد على اختياراته المجانبة للصواب، وخاصة منها إسناده مهمة حراسة المرمى لنادر المياغري الذي أبان مرة أخرى عن عدم أهليته لحماية عرين الأسود. ولعل الأخطاء الفادحة التي ارتكبها أثناء المباراة، وتحمله المسؤولية مناصفة مع طلال القرقوري بالنسبة للهدف الأول، وكاملة في الهدف الثاني، تطرح أكثر من علامة استفهام عن السبب في إسناد هذه المهمة إليه برغم وجود حارس من حجم طارق الجرموني وتوفر بلادنا على أسماء كبيرة في مجال حراسة المرمى من مثل البورقادي وعمر الشارف واسماعيل كوحا...إلخ. كما أبانت المبارة عن الفراغ الكبير الذي خلفه غياب اللاعب النيبت ليس فقط من جهة قيادته للدفاع المغربي، ولكن أيضا من جهة حنكته التي تؤهله لتوجيه اللاعبين داخل رقعة الملعب وإكسابهم القدر اللازم من الثقة بالنفس، فعمادة الفريق ليست مجرد شارة توضع على الدراع الأيسر للاعب ما وإنما هي قلادة تمنح لمن يتححق فيه شرط اللاعب القدوة وصمام الأمان داخل تشكيلة الفريق. وإذا كان البعض سيعمل على استغلال نتيجة الإقصاء لمعاودة الضرب على وتر الاستنجاد بالمدرب الأجنبي، خاصة بعد الانتقادات التي وجهت في الآونة الأخيرة للمدرب الزاكي والذي لن نكون مبالغين إذا قلنا بأنه أهدى ، باختياراته الخاطئة، بطاقة التأهيل للتونسيين في طبق من ذهب ؛ فإننا بدورنا نود التأكيد على كون العيب ليس في الإطار الوطني الذي أثبت أهليته وجدارته بركوب الصعاب ورفع التحدي، وليس بعيدا عنا نموذج مدرب المنتخب الوطني للشبان فتحي جمال، وإنما المشكل في غياب الظروف الملائمة للعمل التي عادة ما تمنح للمدرب الأجنبي ويحرم منها عنوة ابن البلد. ربما كان في إقصاء أعرق المنتخبات الإفريقية وأكثرها مشاركة في نهائيات كأس العالم ونعني بها نيجيريا والكامرون وجنوب إفريقيا إضافة إلى السينغال، شيئا من تخفيف الصدمة على الجماهير المغربية وفق قاعدة المصيبة إذا عمت هانت، غير أن عزاءها الحقيقي قد وجده في معظم عناصر المنتخب التي لعبت بقتالية كبيرة وبلت قمصانها الوطنية من أجل إسعاد ملايين المغاربة الذين كانوا يبادلونها نفس مشاعر الحب والتقدير.