نشرت معظم مقالاتي في جريدة أنوال التي ماتت وهي في عز شبابها تحت عنوان: «سباحة ضد التيار» ومع أني منذ التحقت ب»التجديد» وأنا أسبح ضد التيار، إلا أنني لم أعلن ذلك من قبيل التقية، الآن سأجرب لمرة واحدة السباحة مع التيار. إذا ما وجدت أنه تجمع لديك في منزلك كمية كبيرة من مواد شديدة الخطورة ولم تعد لك بها أدنى حاجة ماذا ستفعل بها؟... بالتأكيد ستعمد إلى التخلص منها، ولكي لا تلحق أضرارا جسيمة بالغير وتعد خارجا على القانون، ستحرص على القاء هذه المواد الخطرة بعيدا عن متناول البشر، هذا ما صنعته إحدى الدول قبل نيف وعشرين عاما أو أكثر قليلا!... أو ما اتجهت إليه نواياها الحسنة قبل أن يحدث ما حدث. وجدت تلك الدولة أن لديها كمية كبيرة من القنابل النووية البدائية، التي لا تقتل الواحدة منها إذا ما أسقطت من الجو، أكثر من ربع مليون نسمة فقط! ولقد امتلأت الترسانة بقنابل أحدث، أقل وزنا وأكثر قدرة على التدمير، ويمكن إرسالها إلى الأهداف البعيدة بعد تثبيتها في رؤوس صواريخ بلاستية بعيدة المدى... ولم يعد ثمة حاجة إلى الإبقاء على تلك القنابل العتيقة التي تزاحم الأحدث في المخازن ويجب التخلص منها! اقترح علماء أن يتم القاءها في الأعماق الغائرة وسط المحيط الأطلنطي، إلا أن شيطانا حضر الاجتماع قدم اقتراحا رائعا. قال الشيطان: أنا لا أعرف كيف نستفيد مستقبلا من هذه القنابل إن أبقيناها في متناول اليد، ولكنني أعرف أننا أنفقنا على انتاجها مبالغ كبيرة، وإذا ألقيناها في أعماق المحيط، فإن هذا يعني القاء هذه المبالغ الكبيرة فيه، ولو كان العز بن عبد السلام هو الذي يحكمنا، لحكم علينا بالسفه، وقام بالحجر علينا، ثم تساءل: لماذا لا تبعد خطرها عنا وعن البشرية دون أن نفقد الصلة بها؟ ولعل ما نظن عدم حاجتنا إليه اليوم، نحتاجه غدا. نظر الجميع إليه في دهشة لم يعبأ بها، وواصل الحديث: إن ما اقترحه عليكم يا سادة، هو أن تحمل السفن هذه القنابل بعد وضعها في صناديق معدنية لا تتأثر بمياه البحر، وتنظم هذه الصناديق في سلسلة طويلة، مثلما ينظم الصائغ حبات اللؤلؤ في عقد تطوق به عروس سورية جيدها ليلة العرس، ثم تخلعه في الصباح وتعرضه للبيع بنصف ثمنه بعد أن أدى وظيفته، إلا أننا سنحافظ على العقد ولن نفرط فيه إلا حين نحتاجه! أعجب المؤتمرون هذا التشبيه الشاعري الذي أحال قنابل نووية مسلسلة بالحديد إلى عقد من اللؤلؤ، وأصاخوا السمع لما سيقوله زميلهم الشيطان العزيز، والذي استطرد قائلا: سنقوم بإنزال السلسلة بطول البحر الأحمر ابتداء من بورسودان المقابلة لمدينة جدة وحتى مصوع جنوبا بالقرب من باب المندب. قد نحتاج مستقبلا يا سادة لأي سبب أو دواعي استراتيجية غائبة عنا الآن إلى تفجيرها إذا ما دخلنا في حرب آتية لا ريب فيها مع المسلمين، أو مع أي قوة بحرية عالمية آنذاك قررت أن تتحالف معهم ضدنا... يكفي أن نرصد سفينة العدو فوق قنبلة الأعماق حتى نرسل إشارة اليكترونية تفجرها فتغرق على التو... فكرة رائعة... ولكن لماذا لا نبدأ من السويس أو العقبة في الشمال، ولدينا قنابل كثيرة نرغب التخلص منها؟ لا، هذا محال... تعلم يا صديقي أنه توجد دولة حليفة وصديقة لنا في الشمال، وكل ما يضرها يضرنا. علينا أن نبتعتد في ألعابنا عن سواحلها! معذرة... لم أنتبه لذلك. قبل اقتراح الشيطان بالاجماع، وقبل أن ينفض الاجتماع، أو يعلم الرئيس بما تقرر فيه، كانت برقية بذلك قد وصلت إلى تل أبيب وأشر عليها سري جدا وتم حفظها في أرشيف خاص بالموضوعات الهامة قيد المتابعة. تم تنفيذ الخطة وتم توزيع القنابل في عمق البحر الأحمر، وبقيت بضعة قنابل زائدة تقرر القاؤها في المحيط الهندي، ومضت أعوام وأعوام على ذلك وتم نسيان الأمر. بعد مرور عقدين من الزمان، وبينما كان شيطان مريد ينبش في ملفات الأرشيف السري، عثر مصادفة على ذلك الملف... تساءل: هل يا ترى مازالت هذه القنابل صالحة للعمل أم أفسدتها مياه البحر؟ تفتق ذهنه على أن يوعز لمن بيدهم الأمر إلى تجربة إحدى قنابل المحيط الهندي أو عدد من قنابله في وقت واحد... وحيث لا يتوقع حدوث أية أضرار إذا كانت المنطقة خالية من السفن تم إجراء التجربة، إلا أن ما ترتب على ذلك لم يتخيله المجربون قط. ارتفعت أمواج البحر وهاجمت السواحل القريبة من موقع التجربة بعد أن اهتزت أرضها بعنف، وراح ضحية ذلك عشرات الآلاف من سكان تلك السواحل... تم التكتم على الأمر، ومثل من يقتل القتيل ويمشي في جنازته سارعت السفن التي انطلقت منها الإشارات الاليكترونية أو الكهرومغناطيسية لأحداث التفجيرات، للمساهمة في إنقاذ المنكوبين! كان هناك اقتراح من شيطان تل أبيب باجراء تجربة مماثلة لإحدى قنابل البحر الأحمر، إلا أنه تم الامتناع عن الاستجابة له بعد حوادث المحيط الهندي، لم يستسلم، سعى إلى حيازة شفرة التفجير عن بعد بأي ثمن عوض شفرة واحدة نجح في الحصول على شفرتين من وراء البحار، إلا أنهما غير مصحوبتين ببيانات توضح: متى تستعمل أي منهما، ولكن... لا مانع... فلنجرب الأولى، وبعدها نجرب الثانية... هكذا قال الخبراء العسكريون له. تم تجربة الشفرة الأولى في جنح الظلام ليلة 12 سبتمبر فانفجرت القنبلة الأولى في أعماق البحر فيما بين بورسودان وجدة، اهتزت الأرض عدة هزات متتالية تشبه ما يحدثه الزلزال الطبيعي، وامتدت الزلزلة من جدة حتى أطراف مدينة مكة حيث تهشم زجاج بعض المنازل فيها، وقال الخبراء هذه ليست هزة جيولوجية ولا نستطيع تحديد مركز الزلزال، فقط يمكن قياس قوتها في حدود 7‚3 درجة على مقياس ريختر، ولم يحدث في السواحل المقابلة ما حدث من قبل في المحيط الهندي من فيضانات، كما لم يتضرر الحرم الشديد من الهزة. قال شيطان تل أبيب طالما تأكدنا من فاعلية الشفرة التي جربناها، فلنحفظ الثانية من قبيل الاحتياط، ولننس أمرنا مؤقتا، ونكتفي بالتي جربناها إن قررنا استعمالها ومرت الأيام... .وحل محل الشيطان شيطان آخر، أكثر رعونة منه، فتش في الملفات السرية أيضا فعثر على نفس الملف قال: لماذا لا نجرب الشفرة الثانية فإن اتضح عدم صلاحيتها لشيء أهملنا أمرها، أو طلبنا من عيوننا الكشف عن أسرارها. صدرت الأوامر بتجربة الشفرة الثانية وكانت المفاجأة الغير متوقعة فقد انفجرت جميع قنابل السلسلة في تتابع سريع ومذهل ومزلزل... لقد زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت أثقالها... انشقت الأرض في جيبوتي وعلى امتداد الأخدود الإفريقي الشرقي حتى بعيرة نياسا ونهر الزمبيزي. امتد البحر الأحمر في الأخدود الجديد، انفصلت الصومال وأجزاء من كينيا وتنزانيا وموزامبيق عن القارة الإفريقية بعد أن عزلها البحر الجديد عنها، واعتبرت جزيرة جديدة من أكبر جزر المحيط الهندي، انهارت العمارات والمباني في جدة وجيزان والحديدة وعدن شرق البحر، وبورسودان وسواكن وعصب ومصوع غرب البحر، اتصل خليج العقبة بالبحر الميت وغرقت العقبة وايلات وشرم الشيخ وصحراء النقب. لقى مئات الآلاف مصرعهم، وبالغت بعض وسائل الإعلام فقالت إن عدد الضحايا عدة ملايين، الحقيقة أنه لم يكن بإمكان أحد حصر الخسائر البشرية أو المادية... العالم كله مصاب بالذهول. الجميع اعتبرها كارثة طبيعية لم تخطر على عقل بشر، وليس للشرير فيها! ظهر في موقع على شبكة الانترنت بيان من أسامة بن لادن المدفون في تورابورا منذ سنوات، يتبنى مسؤولية ما حدث، وفي موقع آخر صدر بيان من أبي مصعب الزرقاوي المقتول هو الآخر مع جماعة أنصار الإسلام شرق كردستان قبل عامين يتبنى هو الآخر مسؤولية ما حدث. الموتى فقط، مثلما يصوتون في الانتخابات المصرية، هم الذين كانت لديهم الشجاعة للاعتراف بما لا علاقة لهم به. معذرة للقراء الأعزاء... وعدت في البداية أن أسبح مع التيار فإذا بي أسبح ضده دون رغبة مني... وهكذا الزمار، يموت وسبابته مازالت تتحرك!