في هذا الحوار نسترجع مع المناضل والمعتقل السياسي السابق علال الأزهر بعضا من ذكريابه مع جريدة «أنوال»، بمناسبة ذكرى صدورها الثلاثين. وهي ذكريات تعود إلى فترة اعتقاله، حيث كان هو ورفاقه يساهمون في نقاش سياسي عبر جريدة «أنوال»، التي كانت صوتا لهم ولمعاناتهم داخل المعتقلات.. علال الأزهر لم يكتف بالحديث عن تجربته مع «أنوال» بل تحدث عن الوضع السياسي وواقع الصحافة الحزبية اليوم.. نرغب أن نسترجع معكم تجربة إصدار جريدة أنوال التي لعبت دورا مهما على المستوى السياسي و الإعلامي و الثقافي في مرحلة مهمة من تاريخ المغرب . ماهي ظروف تبلور هذه الفكرة ؟ أولا ينبغي أن أوضح شيئا مهما. وقت صدور جريدة «أنوال» كنت ما أزال رهن الاعتقال. لذلك فأنا لم أكن ملتصقا بها بشكل مباشر لكنني كنت أساهم فيها وأنشر مقالاتي بها . . . ومن ثمة يمكنني أن أتحدث عن الخط السياسي بشكل عام الذي كانت تبلوره الجريدة و هو طبعا خط منظمة العمل الديمقراطي الشعبي . جريدة أنوال لعبت دورا متميزا في تلك المرحلة، أي نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات في ظل الظروف السياسية العامة التي كان يجتازها المغرب و خاصة ظروف اليسار الماركسي . و هي ظروف خلقت نوعا من التراجع لدى النخبة التي تنتمي لهذا التيار . لكن بعد أن قررت قيادة المنظمة الدخول للعمل الشرعي، مكنت جريدة أنوال من فتح مجال لهذه النخبة القديمة لكي تستعيد فاعليتها بالعمل الديمقراطي من خلال الفكر الماركسي ؛ و كان هذا عملا مهما . ينضاف إلى ذلك الخط العقلاني الذي التزمت به جريدة أنوال . فمنحها ذلك إمكانية الانتشار نسبيا مقارنة مع الجرائد العتيدة ك«العلم» و «الاتحاد الاشتراكي» . و في هذا السياق دائما تنبغي الإشارة إلى أن الخط السياسي الذي صنع تميز أنوال كان هو الدفاع عن الوحدة من الجهة ، و ثانيا عدم الدخول في انحيازات ضيقة . مثلا كانت المنظمة تدافع عن الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، و في نفس الوقت تسمح لبعض أطرها بالاشتغال في الاتحاد المغربي للشغل . كانت أيضا قد ساهمت في المنظمة المغربية لحقوق الإنسان لكنها تسمح بالعمل لمناضليها بالاشتغال في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان . هذا إضافة إلى الدعوة لوحدة القوى الديمقراطية . هذا الخط السياسي هو الذي سمح لجريدة أنوال بأن تحظى بصدى مهم في أوساط النخبة المثقفة على الأقل نظرا لأن الواقع المغربي آنذاك لم يسمح بتجدر الحركة الماركسية . هل كان هناك تنسيق بين الرفاق خارج السجن و رفاقهم المعتقلين بخصوص بلورة فكرة إصدار الجريدة و تأسيسها و الدفع بخط تحريرها في اتجاه معين ؟ و هل كان لكم كمعتقلين صوت في أعدادها الأولى ؟ في الحقيقة لم يكن هناك تنسيق . فالرفاق الذين كان لمهم دور أكبر في إصدارها هم رفاق الخارج . هذا مرتبط بالصراع الذي كانت تعرفه منظمة 23 مارس . فأغلب الرفاق الذين اعتقلوا انضموا إلى موقف إلى الأمام داخل السجن . و اعتبروا أن الرفاق في الخارج قد سيطروا على المنظمة بشكل غير ديمقراطي . و هكذا فالرفاق في الخارج هم الذين فكروا و خططوا لإصدار جريدة أنوال ،هذا للتاريخ و الحقيقة . أما فيما يتعلق بمساهمات الرفاق المعتقلين المحسوبين على 23 مارس و فيما بعد المنظمة بعد الدخول للعمل الشرعي ، فكان لها صدى لدى باقي الرفاق وكذا النخبة الشبابية ، سواء بالنسبة لمساهماتي المتواضعة أو مساهمات المرحوم عبد السلام المودن ، و هي المساهمات التي كانت تنشر بأنوال من داخل السجن . طبعا أنا لا أستطيع أن أقيم هذه المساهمات لأن ذلك من حق القراء فقط . ولكن الجريدة كانت تشجع الرفاق من داخل السجن للمساهمة سواء من باب المناقشة السياسية أو إبراز مشكل المعتقلين السياسيين و أوضاعهم بالسجن . أنوال لم تتميز فقط ببعدها السياسي ، و لكن أيضا باللمسة الثقافية التي كانت تسمها الشيء الذي انسجم مع طابعها كجريدة أسبوعية ، و جعل منها إحدى منابر النخبة المثقفة . ألا تعتقد أن حضور هذا البعد الثقافي في العمق السياسي هو ماصنع قوة هذه الجريدة ؟ ٭ ماهو أساسي في هذه التجربة هو خطها السياسي العقلاني لأن الجرائد المؤثرة آنذاك ( العلم و الاتحاد الاشتراكي) كانت تصدر ملاحق ثقافية. لكن الفكر الذي بدأت تعبر عنه الجريدة وهو فكر منظمة العمل كان أكثر انفتاحا إذا صح التعبير . طبعا كان «فكر و حوار» هو المحور الرئيسي في الجريدة . و كان منفتحا على كل الطاقات الفكرية بما فيهم الرفاق المعتقلين. إضافة إلى مناقشة قضايا لا تتماشى بالضرورة مع توجه المنظمة لكنها تثير نقاشا فكريا داخل النخبة. ومع ذلك ففي رأيي الخط السياسي كان هو الجوهري . مثلا في سنة 1981 بعد الاعتقالات التي شملت الإخوة الاتحاديين سواء في الحزب أو النقابة، لم تتردد أنوال في اتخاذ المبادرة للدفاع عنهم بشكل مباشر كما لو كانت منبرا اتحاديا . هذا الفكر الذي اعتمل داخل جريدة أنوال هو ما جعل منها إلى اليوم ذكرى جميلة لمعظم الرفاق داخل المنظمة سواء الذين منهم اندمجوا في اليسار الاشتراكي الموحد أو الذين اندمجوا في الاتحاد الاشتراكي . ربما أن أنوال كانت كذلك منفذا إضافيا لاختراق أصوات جديدة الحقل الثقافي المغربي ؟ كانت مجلة «الثقافة الجديدة» هي التي تعبر آنذاك عن النخبة المثقفة المساندة للطرح الماركسي اللينيني . لكن بعد موجة الاعتقالات تراجع إشعاع عدد من المثقفين بحكم ظروف القمع التي تفوق طاقة البعض . و عند طهور جريدة أنوال بخطها السياسي الفكري الجديد منح هؤلاء المثقفين فرصة جديدة للتعبير عن آرائهم من جهة ، و للدخول في مرحلة ديمقراطية غير محفوفة بمخاطر الاعتقال . و من هذا الباب يمكن القول أن جريدة أنوال لعبت بالفعل هذا الدور و هيأت لعودة المثقفين القدامى و منحت مجالا للمثقفين الجدد الذين اخذوا يدركون أن إمكانية النضال الديمقراطي لا تؤدي إلى الاعتقال .. يقول البعض أن أنوال التزمت بخط بعثي أثناء الاجتياح العراقي للكويت في غشت 1990 وحرب التحالف الدولي الذي قادته الولاياتالمتحدةالامريكية على العراق في تلك الفترة .. هذه تهمة أكثر منها نقد . لأن جميع الجرائد التقدمية آنذاك كانت تساند نظام صدام حسين في مواجهة الهجمة الأمريكية ، و أنوال كانت مندرجة في نفس السياق و كانت تفضح الهجمة الأمريكية و تدافع عن الشعب العراقي . ليس هناك أية مقارنة بين ما كان ينشر في أنوال و فكرة الانحياز للبعث . فالبعث لم يكن حزبا ماركسيا ، و كان ينتمي للمرحلة السابقة للديمقراطية مرحلة الدولة الوطنية شبه القوية . و هذا لا علاقة له بالفكر السياسي لأنوال . كل ما وقع أن هناك ظرفا سياسيا اخرط فيه الجميع حينها ما عدا حزب التقدم و الاشتراكية الذي كان له موقف معروف . أما عن المصادر التي استمدت منها أفكارها القومية فهي فكر إلياس مرقص و ياسين الحافظ نظرا لقاسم مشترك طبعا هو الماركسية و القومية . كيف يمكنك أن تستعيد لحظات تألق جريدة أنوال ولحظات أفولها ؟ الثمانينات كانت هي سنوات التألق نظرا لتواجد تنظيمات موازية كاتحاد العمل النسائي الذي كان آنذاك أول منظمة نسائية ، فكانت أنوال هي المعبر الأساسي عنه . أما لأفول فيمكن أن أقول أنه جاء نتيجة الصراعات السياسية و المشاكل الداخلية للمنظمة بين اتجاهين أحدهما كان يعتبر نفسه أكثر يسارية و اتجاه يميل للعقلانية . و طبعا تأثرت جريدة بذلك فاتجهت ليس نحو الأفول و إنما نحو النهاية . يمكننا أن نقول أن أنوال كان حلما جميلا أجهزت عليه السياسة .. لم تكن حلما و إنما واقعا جميلا انتهى إلى ما انتهى إليه . ماذا عن التمويل ، هل كان بواسطة اكتتابات المناضلين و مساهماتهم ، أم من الخارج ؟ أنا لم أكن أشتغل بأنوال . لذلك لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال . في الوقت الراهن حيث تغيرت الكثير من المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأصبح اليأس يعم المجتمع هل يمكن إعادة تجربة أنوال كجريدة للرأي ببعدها العقلاني خصوصا أن هناك من يزعم أن الجرائد الحزبية لم يعد لها موقع ؟ ٭ طبعا أنا أميل للرأي الأخير فجريدة الرأي اليوم، لا يمكن أن تكون إلا مجلة للدراسات التي تعنى بالفكر، مجلة اشتراكية مجلة ديمقراطية، وربما الوضع السياسي والحزبي اليوم يحتاج إلى هذا النوع من الإعلام، يحتاج إلى نقاش التجربة، إلى نقاش الوضع، ولكن بطريقة ليست لاتخاذ موقف سياسي، بل تقتضي الضرورة أولا قراءة التجربة التاريخية لأن ذلك مهم جدا لليسار ككل وطبعا في قلبه الاتحاد الاشتراكي لأنه مكون أساسي في هذا اليسار وهذا واقع لا يمكن لأحد أن ينكره.. الآن هناك حرية أعطت إمكانية للجرائد المستقلة عكس الجرائد الحزبية، لأن السيرورة التاريخية للصراع السياسي في البلاد لها خاصية رسخت في وعي ولا وعي المجتمع أن حزب المعارضة سيبقى للمعارضة حتى وإن دخل الحكم، وهذه إشكالية كبيرة في اللاوعي، ولكن في الواقع تسير نحو التدهور ونحتاج إلى مراجعة جدية.. الآن يمكن للحزب أن يصدر جريدة ولكن يجب أن تكون مستقلة عن الحزب بمعنى ما، أي بعيدا عن المواقف السياسية للحزب، وأعتقد أن هذه هي الإمكانية التي يفرضها التطور الإعلامي بشكل عام.