بمناسبة حفل تكريم الأستاذ حسن بن حليمة، عالم الجغرافيا وعميد كلية أكادير السابق قبل إحالته على التقاعد، ألقى رئيس جامعة محمد الخامس أكدال بالرباط، عبد الحفيظ بوطالب، كلمة تكريم للمحتفى به، الذي خدم الجامعة في تخصصه أستاذا وباحثا لأكثر من أربعين عاماً قضى نصفها الأخير في أكادير عميداً لكلية الآداب منذ تأسيسها، مثلما خدم قبل ذلك جامعة محمد الخامس أيضاً منذ تأسيسها عقب الاستقلال كأول جامعة مغربية. وفي خلال حديثه، تعرض الدكتور بوطالب لموضوع الإصلاح الجامعي، فندد بالذين يصفون الجامعة هذه الأيام بأنها مؤسسة لتخريج العاطلين، واعتبرهم يفصحون بذلك عن جهلهم وافتقادهم إلى الإحساس بالمسؤولية. وأقر الدكتور بوطالب أن مهمة الجامعة كانت بالفعل من قبل تنحصر في تكوين الأطر التي يحتاجها الجهاز الحكومي، إلا أنها تطورت فيما بعد على مرحلتين، آخرهما مرحلة الإصلاح الجامعي الحالية، التي بدأت منذ عامين، وحرصت فيها الجامعة على إدخال دراسة المعلوميات في كلياتها والاهتمام إلى جانبها بدراسة اللغة الإنجليزية التي غدت الآن لغة العلم، واستمرار الاهتمام إلى جانبها باللغتين الفرنسية والإسبانية، باعتبارهما لغتين فرضتهما عوامل القرب الجغرافي والمصالح الاقتصادية، وقال إن الجامعة وهي تؤدي واجبها في حدود ما هو متاح لها من إمكانيات محدودة، لا يمكن تحميلها مسؤولية التشغيل التي تعتبر جهات أخرى متعددة هي المسؤولة عنها. وبعد أن عرض بإيجاز شديد المصاعب التي تواجهها الجامعة حالياً، انتهى إلى التصريح بأنه «إذا استمرت الأمور على ما هي عليه خلال العامين المقبلين فلن يكون هناك إصلاح»، أي لن يكون هناك مفر أمام الجامعة من إعلان فشل مشروع إصلاحها بعد أن يصل إلى طريق مسدود، وقال بوطالب إن «الوضعية الحالية أقل ما يقال عنها أنها غير مريحة». وتعرض رئيس الجامعة إلى ظاهرة بلوغ الرعيل الأول من أساتذة الجامعة سن التقاعد تباعاً، وأنه اتضح بتتبع هذه الظاهرة من واقع السجلات أن الجامعة ستفقد كل عام 55 أستاذاً جامعياً حتى نهاية السنوات العشر الحالية، في حين لم تحصل الجامعة هذا العام إلا على 7 مناصب شغل جديدة، وأنه إذا ما استمر هذا الأمر ستجد الجامعة نفسها في نهاية السنوات العشر قد فقدت نصف عدد أساتذتها، في وقت سيكون عدد طلبتها قد زاد بنسبة 100 %. وتحدث الدكتور بوطالب أيضاً عن الميزانية المخصصة للبحث العلمي خلال السنوات الأربع التي تبدأ من عام ,2004 فأظهر أنه أمكن للجامعة بعد التباحث مع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي أن تحصل على 10 ملايين درهم، وتمكنت من الحصول أيضاً على 10 ملايين أخرى كمعونة أجنبية من الاتحاد الأوروبي، وغطت بذلك ثلثي احتياجات البحث العلمي فيها، وتعمل على تغطية الثلث الباقي من الإدارة المحلية وبعض المؤسسات. ومما لم يقله الأستاذ بوطالب صراحة وإنما يمكن استنتاجه أن تدهور أوضاع الجامعة، والمتوقع له أن يزداد خلال السنوات القليلة المقبلة يرجع إلى هؤلاء الذين وصفهم بالجهل وانعدام المسؤولية، ممن تقتصر رؤيتهم للجامعة على أنها ماكينة لتفريغ العاطلين وليست رافعة أساسية للتنمية الشاملة، والتي لا يمكن أن تتأسس إلا على التنمية البشرية التي يعد من معايير نجاحها نسبة خريجي الجامعة إلى عدد سكان الدولة، ومقدار اندماجهم في نسيجها الاقتصادي. كما أن زيادة الاهتمام بتعليم الإنجليزية وإدخال المعلوميات تواجهه مشكلة عدم توفر الأساتذة، وقد كشف بوطالب قبل عامين وهو يعلن عن بدء الإصلاح الجامعي أنه عندما لم يجد أساتذة للمعلوميات اضطر إلى استعارة 50 أستاذا من التعليم الثانوي. ويستنتج أيضا من كلام رئيس جامعة محمد الخامس أن التعليم الجامعي في خطر وأن كل جهود إصلاحه التي حاولت التغلب على نقص الإمكانيات معرضة للانهيار، وبذلك يكون أي حديث عن التنمية البشرية أو تحريك الاقتصاد الراكد، أو حل مشكلة البطالة، غير ذي جدوى في ظل إهمال دعم التعليم الجامعي بقوة، وتغيير المنظومة التعليمية بأكملها، والتعليم الجامعي يعتمد على ما تفرزه المراحل التعليمية السابقة عليه، وبالتالي إمكانية الحد من مؤسسات تعليم العلوم الإنسانية لحساب الرياضيات والتقنيات الحديثة. لقد كان تكريم الدكتور حسن بن حليمة مناسبة للتعريف بما قدمه فرد واحد لعلم الجغرافيا في المغرب، وما قدمه من خدمات لجهة سوس ماسة درعة، ومناسبة أيضاً للإحساس بعمق أزمة التعليم الجامعي.