رغم أن الشعب الفلسطيني لا يعير كثيرا اهتمام للانتخابات الأميركية التي أفرزت مجدا جورج بوش الابن، إلا أنه يرى في عودة بداية فصل جديد من التفرد في العالم واستحداث المزيد من حمامات الدماء، وتجدد معاناتهم بيدي شارون المدعوم أمريكيا. وإذا كانت خسارة بوش مقابل كيري هي أمنية البعض، فإن الغالبية لا تفرق بين كلي المرشحين، بل وتعتبرهما وجهان لسياسة واحدة تدور في فلك الدعم غير المتناهي للكيان الإسرائيلي الغاصب. مشاكل قادمة فقد رأت حركة حماس أنه مع إعلان فوز الرئيس الأمريكي جورج بوش بولاية رئاسية ثانية فإن مشاكل عديدة تنتظر العالم والشرق الأوسط على وجه الخصوص، مضيفة أن "أربع سنوات من عمر الإدارة الأمريكية السابقة كانت بمثابة مجموعة من السياسات الخاطئة التي قامت على الهيمنة والقوة الاستعمارية ودعم أنظمة الظلم والاستبداد واستباحة دول وأراضٍ تحت مسمى "مكافحة الإرهاب". وشددت في بيان لها على أن السنوات الأربع الماضية خلقت "عالماً مليئاً بالكراهية والحروب وسفك الدماء ونشرت الخراب وأشلاء الأطفال وركام المنازل في فلسطين والعراق وأفغانستان" مؤكدة أن "إدارة الرئيس بوش ظلت على غيها وتصميمها على النهج المعادي للعرب والمسلمين وزادت من دعمها للكيان الصهيوني والذي وجد في هذا الدعم ضوءاً أخضر كي يصعد من حملاته العسكرية الدموية ضد أبناء شعبنا الفلسطيني". وأضافت: إنها السياسة الدموية نفسها تلك التي اتبعتها إدارة بوش والتي أغرقت بلاد الخلافة بالدم والأشلاء, وهاهم الجنود الأمريكان يمارسون أبشع عمليات القتل والتعذيب ضد إخواننا العراقيين دون أن تشعر هذه الإدارة بقليل من الخجل والندم على ما تقترفه. و الحرب في أفغانستان ليست ببعيدة, فالأرض هناك تشهد كل يوم عمليات قصف وقتل وهدم للبيوت وترويع للآمنين. ورأت أن إدارة بوش بدعمها المطلق والأعمى للكيان الصهيوني وغزوها الاستعماري للعراق وأفغانستان حوّلت العالم إلى ساحة حروب تجرب فيها كل أنواع الأسلحة المحرمة, بدل أن تسعى لفرض السلام والاستقرار, وهي التي كانت تدعي بأنها "وسيط نزيه" وأنها تعمل على ترسيخ الإصلاح والديمقراطية في البلاد العربية. وشددت حماس على أنه في ظل التمزق والتشتت العربي وغياب أفق التعاون والوحدة فإن كلاً من الادارة الامريكية والكيان الصهيوني سيمارسان عربدتهما وسياساتهما الطائشة في المنطقة، معربة عن اعتقادها بأنه آن الأوان للحكومات العربية كي تنتهج نهجا جديدا أمام هذه الإدارة المتغطرسة وتوحد صفوفها وتستجمع شتاتها وتنظم أولوياتها بحسب مصلحة الأمة العربية والإسلامية. ودعت الحكومات العربية إلى إعادة النظر في العلاقة مع هذه الإدارة خصوصا أن شعبنا الفلسطيني يكتوي بنار سياستها وغطرستها كل يوم . مؤكدة أن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى من يقف معه و يساند جهاده ومقاومته ضد هذا الاحتلال الغاشم ويرفع عنه الظلم والبغي والقتل". قهر العالم من جهته رأى الكاتب الفلسطيني رجب ابو سرية أن فوز بوش هو تفويض عريض للاستمرار في قهر العالم، وفرض مصالح الولاياتالمتحدة على الآخرين بالقوة، بل أكد أنه سيدفع التيار المحافظ حتى لدى الجمهوريين لاستمرار ضخ الوقود في ماكينة الحرب على الإرهاب حتى لو اقتضى الأمر الإبقاء على سلامة بن لادن، أو اختراع عشرات الفزّاعات الدولية من طراز أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي وغيرهما للاستمرار في هذه الحرب، التي تبقي لهم مجال التفوق السياسي داخل الولاياتالمتحدة ذاتها. أما المحلل السياسي أشرف العجرمي فأعرب عن اعتقاده بأن بوش "أدخل الولاياتالمتحدة خلال ولايته الأولى في الكثير من المشاكل الجدية، ولم تنجح الولاياتالمتحدة في عهده في إحداث أي اختراق ذي مغزى في العملية السياسية في الشرق الأوسط وأبدت انحيازاً كاملاً لصالح إسرائيل وفقدت الدور الريادي الذي كانت تلعبه في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون الديمقراطي". وأضاف أن "إخفاقات بوش الخارجية التي سوّدت سمعة الولاياتالمتحدة في مختلف أرجاء العالم، لم تواكبها أية نجاحات على مستوى السياسات الداخلية. فالولاياتالمتحدة تعيش ظروفاً اقتصادية سيئة بالمقارنة مع الفترة التي سبقت بوش، حيث أصبح هناك عجز كبير في الموازنة الأميركية بدلاً من الفائض". ورأى أن "التفويض المجدد لبوش يمنحه قوة هائلة لمواصلة الحروب وتوسيعها والإمعان في استخدام العنف لفرض الرؤية الأميركية على العالم بقوة السلاح وضمان هيمنة القوة العظمى على مقدرات الكون دون مراعاة حتى للشركاء التقليديين". وأوضح العجرمي أن "انتخاب بوش لا يدعو إلى التفاؤل فيما يتعلق بكل القضايا الدولية الساخنة. فالعراق يبدو أنه مرشح لاستقبال موجة من التصعيد العدواني الأميركي الذي قد يبدأ باجتياح الفلّوجة والرمادي. وكذلك يمكن أن توسع الولاياتالمتحدة دائرة الاستهداف لتطال إيران وسورية إما بحرب شاملة ضدهم أو بإخضاعهما عبر التهديد. وهناك أيضاً مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ينبغي على الدول العربية أن تكيّف نفسها مع اشتراطاته". وفيما يخص ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يتوقع العجرمي أن تواصل الولاياتالمتحدة نفس سياستها السابقة التي تتبنى المواقف والاستراتيجيات الإسرائيلية دور رأس المال وفي ندوة فكرية في رام الله تحدث عدد من المفكرين والمحللين عن الانتخابات الأمريكية، مؤكدين أنها ستفتح المجال لمزيد من المشاكل في العالم. وأوضح د. مصطفى البرغوثي، سكرتير المبادرة الوطنية أن الحزبين المتنافسين في الانتخابات الأمريكية (الديمقراطي والجمهوري) دعما من الرأسمال الأميركي، وكلا المرشحين (كيري وبوش متماثل للرأسمال والهيمنة الأميركية، ولنظام السوق الحر. ورأى البرغوثي أن المعطيات العالمية لا تتلاءم مع طبيعة السياسة الحالية للولايات المتحدة وهو ما يعين أن سياسة إدارة بوش ستؤدي إلى مشاكل لا حصر لها، أي أن المحافظين الجدد في البيت الأبيض، يمثلون صيغة متطرفة لإدارة الصراعات القائمة، لذا "اعتقد أن التصحيح قادم لا محالة، ولكن هل سيحدث في هذه الانتخابات أم في تلك المقبلة، وهذا لا أستطيع أن اجزم به". وأضاف أن الولاياتالمتحدة، نظام قائم على مجموعات الضغط التي تعمل بدون خجل وهذا النظام ليس له مثيل في العالم، وهذا ما اكتشفته إسرائيل، في وقت مبكر. مشددا على أن لواشنطن سياسة واحدة في الشرق الأوسط. ورأى أن هناك خمس تحديات تواجه النظام الأميركي في الفترة القادمة أولها يكمن في كيفية تعاطي واشنطن مع تجمعات اقتصادية من الوزن الثقيل سيما أن الاقتصاد هو الذي يحرك السياسة. مشيرا إلى أن الدخل القومي للعالم بلغ 31 ألف مليار دولار، والولاياتالمتحدة تنتج منه الثلث، فيما بلغ الدخل القومي للاتحاد الأوروبي ال 25 حوالي ثمانية الفا وأربعمائة مليار دولار، أي بمعنى أن الفجوة بين هذه المجموعة والولاياتالمتحدة، أصبحت قليلة جدا، وهذه الدول سيكون لها اقتصاد مشترك، وأمن مشترك، وسياسة مشتركة. وهذه تطورات هامة في سياق العلاقة مع واشنطن ومع العالم. وتابع أن التحدي الثاني له علاقة بالسوق والسكان في العالم، فعدد سكان العالم والبالغ ستة آلاف و200 مليون نسمة، وعدد الصين 1285 مليون نسمة، أي سدس سكان العالم، فيما عدد سكان الهند 1025 مليون، والدولتان تشكلان معضلة في وجه النظام الأميركي كما أن هاتين الدولتين الآسيوتين، تمثلان أسرع منطقة نمو اقتصادي في العالم. وأضاف البرغوثي أن التحدي الثالث يكمن في القدرة الشرائية، فالصين لديها ثاني اكبر قدرة شرائية في العالم، وتأتي بعد الولاياتالمتحدة، وبالتالي هذا تحدي يجب أن تواجه واشنطن، وما تقوم به الإدارة الأميركية في العراق، يأتي في سياق "اضرب الضعيف يخاف القوي". أما التحدي الرابع فقال البرغوثي إنه "يكمن فيما ورث عن الحرب الباردة، وهو ما يعرف بالتوازن النووي مع روسيا والصين" فيما التحدي الخامس، يكمن في الحصول على الطاقة ومصادرها فرغم أن واشنطن أحكمت سيطرتها على نفط الخليج باحتلالها العراق، إلى أن وجود أكبر مخزون نفطي في العالم في روسيا الاتحادية يعني أنها لا تسيطر على كل الطاقة. الأصولية المسيحية من جهته اعتبر عبد الله عبد الله، وكيل وزارة الخارجية الفلسطيني أن بوش ينتمي عقائدياً إلى فئة دينية تؤمن بالأصولية المسيحية، وينضوي تحت يافطتها ما بين 40 -70 مليون، وهؤلاء يعملون باتجاه صياغة العالم، بحيث تتصرف فيه الولاياتالمتحدة، دون الحاجة إلى شركاء أو حلفاء أو مؤسسات دولية. وأوضح أن هؤلاء ينطلقون، من نظرية الضربة الاستباقية لضرب أي عدو محتمل لهم. وهذه النظرية، إذا ما سادت، سيكون لها تبعات خطيرة على العالم، وبوادرها بدأت في أفغانستان ومن ثم العراق، وهم الآن يخططون لنقلها إلى إيران وسوريا. وأشار إلى أن التحالف الذي يقوم وراء هذا التوجه السياسي الجديد لصياغة النظام العالمي يرتبط بثلاث مجموعات هي المحافظون الجدد في البيت الأبيض، و المسيحيين الصهيانية أو المتجددون، واللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة، ممثلة بمنظمة "إبياك". مضيفا أن "تحالف هذه المجموعات نجم عنه قوة كبيرة، وبسبب ذلك ضعفت قوة العقلانيين في الجالية اليهودية، وهذا أيضاً اثر سلبياًً على قوى السلام الإسرائيلية في إسرائيل، وأصبح الكل يريد أن ينال رضى هذا التحالف". خسارة بوش المهندس عدنان سمارة نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح رأى من جهته أن الفلسطينيين كانوا يأملون أن تذهب الإدارة الأميركية الحالية، وأن يخسر بوش. الذي كرس في أذهان العالم، أن القضية الفلسطينية مرتبطة بالإرهاب الدولي حتى باتت الدول الأوروبية، وحتى الدول العربية، باتت مقتنعة بهذا الأمر. ورأى صخر حبش، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أن إدارة بوش همشت الأطراف الثلاثة المعنية بخارطة الطريق في عهد بوش، والطرف الفاعل كان مجموعة المحافظين الجدد، وهؤلاء لهم سياسة مختلفة كلياً عن سياسة كيري، وهم متفقون مع رؤية شارون للحل في الشرق الأوسط، لدرجة أن بوش اصبح خاتماً في يد شارون الصغير. وأضاف: بوش لا يمكن أن يتخلص من مجموعة المحافظين الجدد، وستتواصل السياسة الأميركية الحالية في المنطقة، القائمة على الغطرسة والهيمنة، ولن يتحقق أي نوع من السلام، وستزداد معاناة شعوب المنطقة وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني. ورأى في النهاية أن الولاياتالمتحدة لن تنتصر وبالتالي النتيجة ستكون سلبية على أميركيا، وهو ما سيؤدي ربما إلى تحرك أوروبي، في محاولة لوقف هذا التدهور، في العالم. فلسطينالمحتلة - نزار رمضان