أيام غير عادية.. أغلفة الدفاتر والمحافظ تغسل، والملابس ترقع، وقد تدخل عليها الأم بعض التعديلات، فما صغر على الطفل الأكبر، يؤول إلى الطفل الأوسط، وما صغر عن هذا الأخير يؤول إلى الأصغر، وهكذا دواليك.. قميص الأب المتهالك العنق، يصبح وزرة، وسراويل الجينز المتهالكة التي يتبرع بها الأقارب، تصبح مقلمات ومحافظ.. فلا شيء يضيع وقد أشاعت الأم المدبرة حسن التدبير في الأسرة.. أما الكتب المقررة، فلا بد من المحافظة عليها كالعينين، حيث تنتقل بين الإخوة كلهم ثم بين الأقارب والجيران. تلك أيام زمان الدخول المدرسي، أما اليوم فقد طالته العولمة المبنية على حمى الاستهلاك والموضة.. فأي طفل يريد أن يلبس على شاكلة بطل الإشهار، ويريد حمل محفظة حسب موضة السنة، والكتب يغير جلها سنويا، وقد تجدها عند آخر السنة إما على أرصفة الشارع، أو عند بائع دوار الشمس (الزريعة).. بعد أن كان لها قدسية، كما كان للعلم قدسية أيضا.. كنا نعتقد، ونحن أطفال، أننا إذا دسنا أوراق مكتوبة باللغة العربية سنمسخ، لأن العربية لغة القرآن الكريم! كان الله في عون تلميذنا، يقف حائرا بين صور الإشهار، أي نوع من الملابس والأدوات سيقتني!؟ لا هم له إلا أن يكون مظهره كأقرانه.. بعد أن كان التنافس حول التحصيل العلمي هو هاجس الأجيال السابقة. لن نقارن بين الأجيال، فلكل جيل خصوصيته، ولكن ما يسترعي الانتباه هو هذه الحرب الإشهارية التي تستهدف فلذات أكبادنا، وتطحن براءتهم بين رحاها، لتحيلها إلى قوة استهلاكية، لا هم لها إلا الاستهلاك وتقليد الآخر إلى حد الذوبان فيه... لن نعيد أبناءنا إلى الوراء، ولن نخفيهم في توابيت لنقيهم إعصار هذه العولمة...ولكن كيف نكسبهم مناعة ضدها، ونجنبهم آفة الاستيلاب الحضاري!؟بل كيف نعيد للمدرسة قدسيتها؟ وكيف نعيد ذلك التنافس الشريف في التحصيل العلمي!؟ أسئلة كثيرة نطرحها على أنفسنا، وعلى المربين والمختصين...فكلنا مسؤولون..وكل دخول مدرسي وأبناؤنا، ومدارسنا بخير!