إن الزواج في مفهومه الصحيح، يعني السكينة والرحمة والمودة، وتفاني اثنين في المساهمة في إنشاء عش دافئ يحضن قلبيهما قبل أن يحضن من يشاركهما فيه من الأطفال، عش هدفه المساهمة في بناء مجتمع سليم، شعاره التساوي في الحقوق والواجبات وفي الأدوار التي يؤدونها في الحياة. لكن قد يظهر على هذا العش ما يعكر صفوه، ويخل بمبدأ التساوي في الحقوق والواجبات، فيثقل كاهل ويحط كاهل آخر كل الأحمال، متنصلا من التزاماته الأسرية، مفضلا الهروب بعيدا عن العش، فيقضي الساعات في المقهى أو رفقة الأصدقاء، أو أي مكان آخر، بعيدا عن زوجته وأطفاله، فهل يؤثر هذا الهروب إذا استحال إلى إدمان على الأسرة؟ وما موقف بعض الزوجات من الأمر؟ وكيف يفسر بعض الأزواج هذا الاختيار، ذلك ما سنطلع عليه من خلال هذا الروبرطاج. زوجي لا يحبسه معنا إلا المرض بنبرة ملؤها الحزن، وندم على ارتباط، بدأت الساعات التي يقضيها الزوج بعيدا تعكر صفوه، قالت (ف ع) موظفة وأم لثلاثة أطفال زوجي لا يغادر المقهى، إلا في أوقات العمل، أو السفر، بل حتى عندما نسافر لزيارة الأهل يترك البيت ويلتحق بالمقهى، ولا يعود إلا في أوقات الأكل، والنوم ليلا وتتابع لا أشعر أنه يتحمل مسؤولية أطفاله الثلاثة، لدرجة أن أكبرهم غلبني، وظهرت عليه بعض السلوكات التي يستغل غياب والده المعتاد من أجل ممارستها، كالصراخ في وجهي، وقضاء الوقت الطويل في الشارع، لدرجة أصبحت معها لا أستطيع السيطرة عليه، علما أنني موظفة وساعات عملي أكثر من ساعات عمل زوجي بحكم أنه رجل تعليم، وعندما أشكو أمره لوالده، يكتفي بضربه ضربا مبرحا، دون أن يكون لذلك تأثير على سلوكه وتضيف بل من المضحكات المبكيات، أن زوجي أصبح معروفا بهذه العادة بين أصدقائه ومعارفه، وكل من يريد مقابلته، يقصد المقهى حيث يقيم، حتى سمي مكانه هناك بالمكتب، وأنا أيضا عندما أريده في أمر مهم، أرسل الخادمة أو ابني إلى المقهى، وتضيف كذلك، أن زيارة الأهل لا تثنيه عن عادته، مهما كان الزائر، فلا يراهم إلا على مائدة الطعام، وبين ذلك وبعده، أنا من يتحمل مسؤولية البقاء معهم ولو كانوا رجالا، خاصة إذا لم يرغبوا في صحبته إلى المقهى، وللأسف عندما يعود ليلا إلى البيت كثيرا ما يجد الكل قد نام، وخاصة أبناءه، وقد لا يرنوه حتى موعد الغذاء في اليوم التالي حماي يعوضني عن زوجي (خديجة) سيدة في مقتبل العمر، اقترنت بزوجها بعد تعارف بينهما دام مدة طويلة، رزقت معه بأربع بنات، تقول عن معاناتها من غياب زوجها الذي قد يمتد لأيام:زوجي رجل غير مسؤول، ولا يهتم بتربية بناته، ولا يعير بالا لما تمليه الأعراف والالتزامات الاجتماعية، وبحكم أنه ميسور الحال، فإنه يرى أن مسؤوليته لا تتعدى توفير احتياجات الأسرة المادية من ملبس ومأكل، أما التربية ومتابعة البنات، والعلاقات الاجتماعية فهي من اختصاص الزوجة، وتضيف أنا أسكن في منزل أهل زوجي، ولقد وجدت في حماي عوضا عن زوجي، لدرجة أنني لم أعد أطلب شيئا منه، فحماي أطال الله عمره، هو من يرافقني في المناسبات العائلية، ويرافقني وبناتي في السفر، والتخييم، لدرجة أنه يوجد في عائلتي من رأى حماي أكثر من مرة، ولم ير زوجي إلا في الصور، أو عند زيارتي في المنزل وعندما سألناها عن سبب نفور زوجها من البيت، وإهمالها لشؤونها وشؤون أسرتها، أجابت وفي صوتها مرارة: لقد تعرف زوجي على ثلة من المنحرفين، ممن لا يستغنون عن الخمر، والسهر، وباتوا هم أهله وإخوانه وأحباؤه، أما نحن فلا يمكث معنا إلا نادرا ولولا بناتي وطيبة أهله لما تحملت، لأن فراغه لا تملأه تضحيات والده الكبيرة يجب تغيير نمط التربية لماذا يفضل الزوج المكوث خارج البيت لساعات طويلة؟ سؤال أجابتنا عنه سمية (ربة بيت) قائلة أجد أنه للأسف، هناك من الأزواج من لا يفرقون بين سلوكياتهم قبل الزواج، وبعد الزواج، لذلك تجد الكثيرين منهم، لا يتحملون مسؤولياتهم بعد الارتباط، بل يحتفظون في ذاكرتهم بالنمط والصورة التي تربوا عليها في بيوتهم، ولا يقبلون تغييرها لأنها تخدم مصالحهم بل أنانيتهم، وأؤكد على هذه العبارة، ويتركون كل شيء بيد الزوجة، ويلقون على كاهلها كل الأحمال، فتتولى تربية الأبناء، والقيام بشؤون البيت، أحيانا الداخلية منها والخارجية، وعندما تسأل عن الزوج، تجده في المقهى أو رفقة الأصدقاء، إلى وقت متأخر من الليل، وعندما تظهر بعض السلوكيات غير المرغوبة على الأطفال تحمل المرأة المسؤولية بدعوى أن الزوج مشغول، وللأسف فقد تربينا على ذلك، وما زلنا نربي أبناءنا على الأمر نفسه أنا سبب انشغال زوجي عني ومن جهة أخرى، ترى حنان (متزوجة حديثا وبدون أبناء) أن هناك من الأزواج من يفضلون الفضاء الخارجي عن البيت، لأسباب تعود إلى الزوجة كسوء التنظيم داخل البيت، وعدم توفير جو من الهدوء، وسوء تصرفاتها وطريقة كلامها مع زوجها، وعدم إشعار الزوج بأهميته داخل البيت، أو استغلال الزوجة للحظة وجود زوجها في البيت فتثقل عليه بالطلبات بشكل مستمر، وتحدثنا عن تجربتها في هذا الموضوع قائلة صراحة أنا لا ألوم زوجي على ذهابه إلى المقهى، لأنني أنا من دفعه إلى ذلك بتصرفاتي وكلامي، ففي بداية زواجنا لم يكن زوجي يخرج كثيرا، مفضلا البقاء معي في البيت، وعوض أن أستغل ذلك في أن أجعل من ذلك الوقت متعة لي وله، سرعان ما تسرب الملل إلى نفسي، وبدأت أطلب منه الابتعاد عن البيت، ولأنه لم يكن معتادا على ذلك رفض الأمر، وآثر القراءة والعمل على جهاز الحاسوب عوض الخروج، لكنني بدأت أكرر هذا المطلب على مسامعه كل ساعة وكل يوم، وأبدي ضيقي من جلوسه في البيت حتى أصبح لا يعود إليه إلا في وقت متأخر من الليل، بل أحيانا أنام وهو ما يزال في الخارج، وإن كان بشكل غير دائم، والآن أصبحت أتضايق من بقائه خارج البيت، لأنني كثيرا ما أحتاج إلى أمر ما، لكنني لا أجده، وأخشى أن يستمر على هذا السلوك بعد أن أرزق بأطفال هروب الزوج من البيت، كيف يفسره الأزواج؟ تباينت آراء بعض الأزواج في الأسباب التي تجعلهم يفضلون جو المقهى وقضاء الوقت الطويل رفقة الأصدقاء على جو البيت، فمنهم من رآى في ذلك تكسيرا لروتين الحياة، ومنهم من ربط السبب بالحياة الزوجية النكدة، فيما لم تخل آراء أخرى من ربط القضية بالعادة التي يصعب الفطام عنها. المقهى تسليك عن المشاكل اليومية وماذا أفعل عندما سأبقى في البيت سؤال طرحه د ن موظف، مضيفا أنا لا أتصور حياتي محصورة بين البيت والعمل، فعلى الأقل أجد أن المقهى والبقاء رفقة الأصدقاء يكسر روتين الحياة، وروتين البيت، ويسليك عن مشاكل البيت وهموم العمل، ومن عادتي التي لا أستطيع التخلي عنها إلا لظروف قاهرة كالسفر والمرض أو العمل، أن أمر على المقهى مباشرة بعد الخروج من العمل مساء عندما كنا نعمل بالتوقيت العادي، وأبقى هناك من ساعتين إلى ثلاث ساعات أرتشف القهوة، وأشارك أصدقائي الجلسة، أما اليوم ولظروف العمل بالتوقيت المستمر، فإنني أضطر إلى الذهاب إلى البيت لأرتاح، ثم ألتحق بالمقهى، وعندما سألناه كيف يوفق بين هاته العادة ومتطلبات الأسرة، أجاب وهو يبتسم، كمن هو متأكد من نجاح خطته بالنسبة لدراسة أبنائي فالحمد لله، أن الدروس الخصوصية تستجيب لمتطلباتهم الدراسية، وفي البيت يقضون الوقت أمام التلفزة أو جهاز الحاسوب، أما تربيتهم والسهر على حل مشاكلهم فأنا لا أتجاهلها بل أعمل رفقة والدتهم على تتبعهم في المدرسة ومعرفة مع من يترافقون. لكن أي قت يستطيع (د ن)، القيام فيه بهاته الواجبات، والمقهى تحتل جزءا ليس باليسير في برنامجه اليومي، هل عندما يكون مريضا أم مسافرا أم في العمل كما صرح في بداية كلامه، أم أنه يعتمد على التقرير الشفوي الذي تعده زوجته يوميا عن الأبناء ترقبا لسؤال قد يفاجئها به الزوج، فيجيب تربية الأبناء لا تستدعي المكوث في المنزل، ونحن لم نرب تربية صالحة بمكوث آبائنا في المنزل، ولكن التربية تكون بالاهتمام والتتبع، ومعرفة كيف تصبح صديقا لأطفالك، ولا أظن أن بقائي في المقهى لوقت طويل يؤثر على تربية أبنائي المقهى ملاذ للمتعة وهروب من الزوجة النكدة ومن جهة أخرى، يرى (أ ن) موظف، أن البقاء في البيت ممل، خاصة إذا كانت الزوجة من النوع الذي يكثر من التذمر والشكوى والطلبات، وليس لديها اهتمامات مشتركة مع الزوج، تجعل حديثهم موحدا وممتعا، لذلك فهو يفضل الجلوس مع أصدقائه في المقهى، أو أي مكان آخر، من أجل المتعة، ونسيان هموم العمل والبيت، والتحدث في مختلف المواضيع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمسلية أيضا، وهذا لا يعتبره هروبا من البيت ومشاكله، وإنما هو تجديد للطاقة، وترويح عن النفس، ولا يظن من جهة أخرى، أن هناك زوجة ترغب في أن يبقى معها زوجها طيلة اليوم في البيت لأنها باختصار تكون مشغولة بالبيت والأطفال. المقهى عادة، والمرأة أقرب للأطفال من الرجل أما (ع د) رجل تعليم فقال أنا لا آتي إلى المقهى لأنني أفضله على البيت، ولا أقول بأن زوجتي أو جو البيت عموما يضطرني لذلك، ولكن هي عادة، ومنذ كنت شابا وأنا أجلس في المقهى، أشعر أنني أفرط أحيانا في حق البيت، وحق أولادي وزوجتي التي تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه الأولاد، ولكن طبيعة المرأة التي خلقها الله عليها جعلتها دائما قريبة من الأولاد أكثر من الرجل، وتهتم بهم أكثر من اهتمام الرجل، وهذا ربما يجعل الرجال مثلنا يضعون هم تربية الأولاد على كاهلها، ولا يتدخل الأب إلا في الحالات المستعصية التي لا تقوى المرأة على حلها ومعالجتها الأطفال في حاجة إلى من يشاركهم اهتماماتهم ابتعاد الزوج عن منزله وانشغاله عن أسرته بجلسة المقهى والأصدقاء إلى حد الإدمان، لا يلقى إجماعا لدى كل الرجال، وخاصة الآباء منهم، لأن الزواج مسؤولية وقيادة، وسفينة تحتاج إلى ربان لا يتوانى في أداء مهامه، إذا أراد لسفينته أن ترسو بنجاح على بر الأمان، ومهما اختلفت الأسباب، وتنوعت الذرائع الداعية إلى إدمان تلك المجالس، فإن على الزوج، النظر بجدية إلى نتائج غيابه عن البيت لأوقات تفوق بكثير أوقات بقائه فيه، وعلى الزوجة مساعدته على ذلك بتوفير الأجواء، وذلك ما عبر عنه بعض الآباء لإنجاح مسيرة الحياة، يقول (س خالد) موظف، أرفض بشدة أن تصبح الظروف القهرية كالمرض، أو الاجتماع على مائدة الطعام، هي التي تجمع الأب بأبنائه، وتتيح لهم فرصة رؤيته والتحدث إليه، فالأولاد الذين لا يلتقون مع آبائهم إلا من خلال هاته الظروف، هم أبناء مهدورو الحق في الساعات الطوال التي يقضيها آباؤهم بعيدا عنهم في المقاهي أو رفقة الأصدقاء، تاركين هم التربية على المرأة وحدها ويتابع بحكم تجربتي كأب أرى أن الآباء الذين يقضون معظم أوقاتهم على كراسي المقاهي، هم أبعد مسافة من أبنائهم، لأن الأطفال في حاجة إلى من يرافقهم في مسيرتهم، ويستمع إلى مشاكلهم، ويهتم بأحلامهم، ويشاركهم في اهتماماتهم، ولا أظن أن أبا يقضي أكثر من ثلث يومه في المقهى يجد الوقت لذلك، والأم مهما لعبت دور الأب فإنها لن تتوفق، لذلك أرى أنه من الأفضل أن يستغل الزوج وقت فراغه للتقرب من أبنائه، وتسطير برامج علمية وترفيهية رفقة أسرته، وأدعو الزوجة إلى أن تشارك زوجها اهتماماته، وتجعل وقت وجوده معها لحظة أنس وتسلية لا لحظة تذمر وشكوى، وتتقرب إليه بالحب والاهتمام والرعاية والاحترام كلكم راع رأي خالد يلقى قبولا لدى (عادل ن) تاجر، الذي قال أنه ضد فكرة بقاء الزوج طيلة يومه خارج البيت سواء في المقهى أو رفقة الأصدقاء، لكن لا يرى بأسا في أوقات قليلة، لتغيير الجو، وتجديد النشاط، لأن الابتعاد عن البيت أحيانا تكون له نتائج مفيدة، أما إذا استحال الأمر إلى عادة وإدمان، فإن النتائج تختلف حسب رأيه وكثيرا ما تكون سلبية على نفسية الأبناء والزوجة التي هي في حاجة إلى أن تشعر بأن لها زوجا يهتم بها، ويحرص على أن يقضي معها أطول وقت ممكن، ويضيف خروج الزوج باستمرار يشعر المرأة بأنها مجرد خادمة في البيت، تطبخ وتكنس، وتساعد الأولاد في حل واجباتهم المدرسية، وتساهم في مصروف البيت إذا كانت امرأة عاملة، وهذا ما يحيل الحياة الأسرية إلى مشاكل وهموم، ويوسع الهوة بين الرجل والمرأة من جهة، وبين الأب والأولاد من جهة أخرى، فالزواج مسؤولية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كلكم راع وكلكم ومسؤول عن رعيته.