أمام الفقر والعوز الذي كانت تعيشه أسرة مصطفى لم يستطع هذا الأخير الاستمرارعلى مقاعد التعليم إسوة بأقرانه من صبية الدوار،وفي الوقت الذي اشتد عوده ولج سوق الشغل حيث زاول العديد من المهن الهامشية أملا منه في إنعاش جيوبه ببضعة دراهم يساعد بها أسرته المعوزة إلا أنه لا يجني حتى ما يكفي لتسديد مصاريف أبسط ضروريات العيش و مع تقدمه في السن أضحت متطلباته تتزايد يوما بعد يوم حتى صار عاجزا عن تلبية أهمها فركب سفينة الانحراف و غاص في بحر السرقة لسهولة تحصيل المال بهذه الطريقة إلا أنه سرعان ما سقط في قبضة رجال الأمن ليجد نفسه مدانا بعقد كامل من السجن قضاه بين زنازن السجن الباردة وهي الفرصة التي كان يجب عليه خلالها مراجعة الذات إلا أنه نهل من عين الإجرام على يد العتاة، فغادر السجن وهو أكثر احترافية ليواصل سيره على الدرب إذ أقدم على ولوج مغامرة ترويج المخدرات التي بدأت تدرعليه أرباحا كبيرة مقابل جهد بسيط. بعد الحرية كان الطلاق بعدما عانق مصطفى نعمة الحرية من جديد، حاول أن يعيش حياة خاصة قلما ينعم بها مروجو المخدرات الذين يدركون على الدوام أنهم أقرب من السجن، لقد قرر أن يعيش حياة حميمية بعد أن تعرف على عزيزة و اتخذها خليلة له تؤنسه في وحدته و تخفف عنه شبح المطاردات و التوجس كلما احس بدنو ساعة إيقافه والزج به مرة أخرى خلف القضبان. استمرت العلاقة بينهما لمدة تناهز عقدا من الزمن، تذوقا خلالها أعذب لحظات الحب وهما يعيشان جنبا إلى جنب بعدما ألف الحب بين قلبيهما دون أن يتمكنا من القيام بالإجراءات اللازمة طبقا للقانون وبالتالي درء المطاردات التي تقوم بها دوريات الشرطة بين الفينة والأخرى على العشاق الذين يدفعهم الحب إلى الاختلاء ببعضهما البعض في الأماكن والفضاءات الفارغة . ظل مصطفى يعاشر خليلته لسنوات و سنوات قبل أن يعقد قرانه عليها حيث عاشا حياة زوجية بكل ما تحمل الكلمة من دلالات قانونية وشرعية، إلا أن هذا الزواج لم يستطع أن يحد من خرجاته عن مواصلة اتجاره في المخدرات لئلا تكون سببا في تصدع بيته وبالفعل فقد حصل ما لم يكن في الحسبان إذ ما إن تجاوز السنة الأولى من عقد قرانه على عزيزة حتى وقع ثانية في قبضة الشرطة من أجل ترويج المخدارت ليجد نفسه مرة أخرى يعيش بين القضبان بعيدا عن حبيبة القلب وزوجته بين أسوار السجن لم تنتظر الزوجة إطلاق سراح زوجها وهو الذي لم تشكل له سنوات الأسر الماضية رادعا للإقلاع عن هذه العادة السيئة فتقدمت بدعوى من أجل التطليق منه وهو ما استجابت له المحكمة بوضع حد لهذه العلاقة الزوجية نظرا للضرر. الطلاق الذي قاد الى الانتقام غادرمصطفى المؤسسة السجنية فوجد نفسه وحيدا لامن يحضنه ولا من يستمع الى آهاته ، فقرر الانتقام من مطلقته التي تنكرت له حسب ظنه ،و للأيام السعيدة التي قضياها سويا، ظل يتحين الفرصة للإنتقام منها بدرس لن تنساه، صادفها في إحدى المرات بالشارع العام فأمسكها من شعرها وشرع في ضربها، احتجت عزيزة على هذا السلوك الطائش الذي أصرت على أن تضع له حدا حتى لا يتكرر، حيث تقدمت بشكاية ضده إلا أنها سرعان ما تنازلت عن حقها في متابعته قبل أن يقف أمام هيئة المحكمة،وهو الجميل الذي تنكر له مصطفى و حال دون أن تسجل هذه السابقة في سجله القضائي، إلا أن نار الإنتقام لم تخب،وتأججت بدواخله نار الإنتقام ، فظل ينتظر الوقت المناسب لكي ينفذ مخططه على زوجته السابقة. مرت الأيام تلو الأيام لتجد عزيزة نفسها ذات ليلة وجها لوجه مع مصطفى في مكان مظلم وقد صمم العزم على الإنتقام منها بكل الوسائل المتاحة ، أدركت أن الجرة لم تسلم هذه المرة، حاولت أن تنفلت من قبضته فأسرعت للوصول إلى الشارع الكبير غير أن يده كانت أسرع وهي تنقض عليها قبل أن تحقق مبتغاها. توسلت إليه كي يتركها لحالها وأن يكف عن مثل هذه التصرفات التي ستؤجج العلاقة بينهما أكثر، إلا أن إصراره على النيل منها دفعه إلى إشهار سكينه في وجهها وإرغامها على مرافقته في اتجاه مجهول. الترصد الذي انتهى بالاغتصاب سار زوجا الأمس مسافة طويلة كان قلب عزيزة يخفق خفقانا من شدة الهلع دون أن تجرؤ على إبداء أية مقاومة خوفا من التهديدات التي ظل يتوعد بها مصطفى على طول الطريق المؤدية إلى قنطرة الوادي حيث الظلام الدامس. توارى الإثنان وسط الأعشاب الطفيلية المنتشرة هناك، فاستل الرجل قنينتا خمر من تحت ملابسه وشرع يعاقر الكؤوس الحمراء الواحدة تلو الأخرى كي ينفذ المهمة في جو خال من الخوف ، فيما ظلت مطلقته تجلس القرفصاء إلى جانبه وهي تترقب ما ستسفر عنه السويعات المقبلة وبعد أن نفد محتوى القنينة الأولى ولعبت الخمرة برأس الرجل الذي أرغم مطلقته على مشاركته احتساء شراب القنينة الثانية وهو ما رفضته منذ أول وهلة، استشاط مصطفى غضبا جراء هذا القرار الذي قد يعكر صفو جلسته التي خطط لها أن تكون حميمية مما جعله يهوي عليها بالقنينة الفارغة بكل ما أوتي من قوة حتى تناثرت شظاياها لتملأ الفضاء الموحش محدثا لها بذلك بعض الأضرار على مستوى ذراعها. حاولت عزيزة أن تقاوم عدوانية مصطفى ظنا منها أن قوته قد خارت بفعل مفعول الخمر إلا أنه سرعان ما انهال عليها ضربا وطعنا على مستوى ساقها الأيسر، لتتهاوى إلى الأرض من شدة العياء فاسحة له المجال من أجل جسد لم يعد يتلذذ به منذ زمن بعيد. قضى مصطفى وطره من مطلقته كما لو أنها لازالت زوجة له .واصل مصطفى احتساء الخمرة على إيقاع حتى بزغ الفجر إذ رافقها إلى منزلها وجالسها هناك وبدأ يستعيد ذكريات الزمن الغابر، ليعتدي عليها مرة أخرى قبل أن يغادر نحو الخارج. الشرطة تستوقف المعتدي والمحكمة تدينه لم تنعم عزيزة بطعم النوم و تعب ليلة سوداء، حيث استرجعت اعتداءات مصطفى التي حول حياتها إلى كوابيس فقررت اللجوء إلى مصالح الأمن لتقديم شكاية في الموضوع غير عابئة بتهديداته إن هي أ قدمت على هذه الخطوة. شقت طريقها نحو مفوضية الأمن حيث حررت شكاية ضد مطلقها الذي أضحى من المبحوث عنهم من طرف رجال الشرطة. لم يمض كثير من الأيام حتى توصلت الشرطة ذات صباح بمعلومات تفيد أن مصطفى يوجد بالشارع العام لتنتقل على الفور دورية من عناصر الضابطة القضائية التي تمكنت من إيقافه دون أن يبدي أية مقاومة. جلس أمام المحققين ليسرد تفاصيل الواقعة دون مواربة ليجد نفسه في مواجهة جناية أخرى تتعلق بالاغتصاب وهتك العرض باستعمال العنف وهي التهمة التي أدانته المحكمة من أجلها بسنتين حبسا نافذا.