مر أسبوع على مصادقة المجلس الحكومي على ما يمكن تسميته ب"القوانين الثلاثة لمدونة الإرهاب"، وماتزال ردود الفعل محتشمة، بالرغم مما تحمله هذه القوانين من مخاطر واضحة في دفع المغرب للانخراط التدريجي في حالة طوارئ مملاة من الخارج، بدعوى الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب، والتي تقع فيها الاستجابة للحاجيات الأمنية للغرب. لقد برز بوضوح في القوانين الثلاثة والتي أعلن عنها الخميس الماضي، والمتعلقة بكل من مكافحة الإرهاب وهجرة الأجانب وأمن المعطيات، أن بلادنا تلج، وبقوة، عهد عولمة الإرهاب، وذلك على الطريقة الأمريكية، حيث لم تعد العولمة مسألة مقتصرة على عولمة القيم الثقافية الغربية وإشاعة النموذج المادي في الحياة، وتسويق ذلك تحت عباءة مفاهيم حقوق الإنسان والحريات المدنية، بل نجد أن العولمة الآن تزحف بوجه كالح، وجه الإجهاز على التقدم الإنساني في مجال الحريات والحقوق المدنية، مستغلة مطالب الأمن والسلامة، لاستهداف الحياة الخاصة للإنسان وإدخاله في سلسلة من المتابعات الأمنية لمجرد الشبهة. النموذج الأمريكي والخطر الإسلامي ذهب بعض وزراء الحكومة عند الحديث عن القوانين الثلاثة، إلى حد تشبيهها بالقانون الأمريكي المتعلق بمكافحة الإرهاب والمسمى ب Patriot Act والذي صدر في 26 أكتوبر 2000، أي بعد شهر ونصف من أحداث الحادي عشر من شتنبر، وهو القانون الذي صدرت ضده انتقادات شديدة، ليس فقط من طرف الجاليات العربية والإسلامية بأمريكا، بل حتى من أوساط الليبراليين الأمريكان، ويمكن هنا الإحالة على التقرير المفصل للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية والمعنون ب"الحريات المدنية بعد9/11 " أنظر نص التقرير موقع www.aclu.org حيث كشف إجهاز الإجراءات الواردة في القوانين على الحريات المواطنين والمهاجرين في ظل النتائج الكارثية لها في السنة الأولى بعد الأحداث على حالة الحقوق المدنية، وذلك في بلد ينص دستوره على حمايتها من السلطات، سواء كانت تشريعية كالكونغريس أو تنفيذية أو قضائية، من مثل ما ينص عليه التعديل الرابع من "منع السلطة من التفتيش أو الاحتجاز الذي لا مبرر له لأي شخص، وإلزامها باحترام الناس في أشخاصهم وبيوتهم ووثائقهم"، وأيضا "منع السلطة القضائية من الترخيص في التفتيش أو الاعتقال إلا بناء على قضية واضحة مدعمة بيمين أو ببينة، تصف بالتفصيل المكان المطلوب تفتيشه، والأشخاص والممتلكات المطلوب احتجازها"، أو ما ورد في التعديل السادس من "ضمان المحاكمة السريعة والعادلة لكل متهم مع تفسير طبيعة وسبب التهمة الموجهة إليه، ومواجهته بالشهود ضده، وحقه في استدعاء شهود يشهدون لصالحه ومحام يدافع عنه"، وكما حصل تجاوز هذه المبادئ أننا بعد الحرب العالمية الثانية سواء في مواجهة اليابانيين أو في مواجهة الشيوعيين داخل الولاياتالمتحدة، فيما عرف آنذاك بالماكارثية، والتي أطلقت حملة تطهير شاملة للمجتمع الأمريكي ولمؤسساته ونخبه من حملة الفكر الشيوعي، ليس على صعيد المجال السياسي فقط، حيث طالت مختلف مناشط الحياة الأمريكية، والملاحظ الآن كما يقول محمد بن المختار الشنقيطي من تكساس (في مقالة له بموقع الجزيرة حول الحقوق المدنية في أميركا بعد هجمات 11 شتنبر بتاريخ 7/12/2001)، أن "الماكارثية الجديدة مسكونة بهوس الخطر الإسلامي". لقد فضحت حصيلة الشهور الأولى من تطبيق القانون الأمريكي، كيف تم استهداف حقوق المهاجرين وإطلاق يد السلطات الأمنية والقضائية في انتهاك الحقوق الأساسية لهم، لمجرد الشبهة، وحسب تقرير اتحاد الحريات المدنية والمشار إليها آنفا، فإن الاشتباه الأمني أصبح يرتكز على الأصل الديني والقومي للشخص مما كانت له آثار سلبية وقاسية على آلاف المهاجرين ذوي الأصل العربي والمسلم، وهي آثار طالت أوضاعهم القانونية والمهنية والاجتماعية والمالية، بل إن التقرير يكشف التشابه الكبير الذي حصل بين مرحلة ما بعد الحرب العاليمة الثانية والمرحلة الحالية، كما أن التعامل مع الأجانب المشتبه بهم، وصل إلى حد السماح باعتقالهم لمدة من الزمن دون توجيه تهمة محددة لهم، وفحص الحسابات المالية لهم دون إذن أو مبرر واضح مع إلزام المؤسسات البنكية بالتعاون مع السلطات الأمنية في ذلك، فضلا عن توسيع صلاحيات إدارات الهجرة في اتخاذ قرارات الترحيل والطرد مثلما حصل مؤخرا عندما أقدمت الإدارة الأمريكية علي توجيه أمر لعدد من ذوي الأصول العربية والإسلامية بالتسجيل لدى إدارة الهجرة وأدى إلى صدور قرارات بالترحيل، بل وصل الأمر إلى حد إحداث محاكم عسكرية لمحاكمة المتهمين بالإرهاب من الأجانب، في الوقت الذي عمدت فيها السلطات الأمريكية إلى جعل محاكمة الأمريكي الطالباني جون ووكر ثم في إطار محكمة مدنية فضح مما كشف الطابع التمييزي والانتفائي للإجراءات وإلى جانب الإجراءات المتعلقة بالمهاجرين والأجانب تضمن القانون إجراءات عدة، ترتبط بالسماح للسلطات الأمنية بالتجسس على المراسلات الإلكترونية دون ترخيص قضائي في حالة الطوارئ، ووضع إجراءات لتسهيل الحصول على الترخيص القضائي للتنصت على المكالمات وعدم إلزامية إثبات أدلة تبرر ذلك، بل إن القانون أصبح يعتبر عدم الإبلاغ عن أية شبهة معقولة ذات صلة بالإرهاب جريمة يعاقب عليها مما يفتح الباب لتجريم كل من له صلة بالمجرمين أيا كانت طبيعة تلك الصلة وهو ما سماه ميكائيل راشد (نائب رئيس مجلس الدفاع عن الحقوق الدستورية) "تشجيعا على النميمة "(أنظر مقال محمد الشنقيطي المشار إليه آنفا). ورغم ضعف حركة المعارضة لهذه القوانين في البداية، فقد أدت الأثار الحادة لها في الحياة العامة الأمريكية إلى تشكل ائتلاف واسع من المدافعين عن الحريات المدنية، واللجوء إلى الاحتجاج الجماهيري، مثل المسيرة الوطنية ل 11 شتنبر 2001 والجهود المكثفة لعموم قيادات ومنظمات الأقليات. المغرب ومكافحة الإرهاب: التشريع لحالة طوارئ دائمة تبعا لما سبق، يلاحظ أن ما شهدناه في الأسبوع الماضي من الإعلان عن سلسلة مشاريع قوانين تهم مكافحة الإرهاب وأوضاع الأجانب بالمغرب، ليست إلا صدى "متأخر" لما انخرطت فيه الولاياتالمتحدة منذ أزيد من سنة، وظهرت نتائجه الكارثية في أوضاع العرب والمسلمين داخلها، حيث سجلت مئات الحالات من الاعتداء الجسدي والإضرار بالممتلكات وإرسال رسائل الكراهية والتمييز العرقي في المطاررات وأماكن العمل والمؤسسات التعليمية. وهو صدى لم يراع أدنى خصوصية للمغرب، بل تم استنساخ النموذج الأمريكي وترجمته مع بعض التعديلات، وهو ما تشهد في المقتضيات المتعلقة بتجريم عدم التبليغ عن الجريمة الإرهابية، والتوسع في أخذ المتهم بمنطق الشبهة واستباحة المجال الخاص للإنسان دون ضوابط عادلة وإطالة مدة الحراسة النظرية، وتضخيم مفهوم الجريمة الإرهابية ليشمل أعمالا ينص القانون الجاري به على العقوبات الخاصة بها، مما يعني جعل مسطرة التحقيق والمتابعة فيها تخضع للمسطرة الاستثنائية التي أوردها القانون الخاص بالإرهاب عوض المسطرة العادية الجاري بها العمل. ومنع اتصال المشتبه فيه بالمحامي أو تأخير الاتصال به، وإلزام الأبناك بالتصريح للبنك المغرب بكل العمليات المشتبه في علاقتها بالإرهاب، وتحويل بنك المغرب إلى سلطة أمنية تضطلع بمهام رصد تحركات الأموال وتجميع المعلومات والمعطيات الخاصة بها والقيام بالتحريات اللازمة لذلك، فضلا عن جعل المحاكمات المرتبطة بالإرهاب تتم بمحكمة الاستئناف بالرباط إلا استثناء. إن هذا الاستنساخ المملى من الخارج، يمثل خطوة للإجهاز على عدد من المكتسبات التي عرفتها بلادنا في مجال الحريات، ويعيد بلادنا إلى عهد الظروف الاستثنائية، التي تستبيح فيها السلطات حرمات وحقوق المواطنين تحت ذريعة تطبيق القانون. ونعتقد أن المضي في هذا المسار سيجعل بلادنا تشهد محاكمات لا قدر الله سببها إعلان تأييد لعملية استشهادية هي أرض فلسطين، مادامت العمليات الاستشهاديج هي جرائم إرهابية في عرف أمريكا، ومشروع القانون المطروح يجرم الإشادة بهذه الجرائم بصفة علنية، كما يصبح إجراء حوار مع قائد حركة حماس أو منظمة كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح بمثابة ترويج ودعاية قانون باعتباره جريمة تخضع المتابعة والتحقيق فيها لمسطرة استثنائية. لقد شهدنا طيلة الأسبوع الماضي انزلاق أقلام صحفية نحو الدفاع عن هذه "المدونة" والترويج لها وتسويقها بمقولات الأمن والاستقرار، والحاصل أن هدين الأمرين لا يتعارضان مع مبادئ المحاكمة العادلة، والضمانات القانونية للمتابعات القضائية، وضمان حرمات الأشخاص وحرياتهم من الانتهاك. أي أن الدعاية الإعلامية الجارية، تعمل على التضليل والتغليط في قضية مصيرية، هي حماية المكتسبات الأولية في مجال حقوق الإنسان ببلادنا، والمطلوب هو مبادرة وطنية من الفعاليات الحقوقية والمدنية لمواجهة هذا الاستهداف الممنهج للحقوق والحريات. والعمل على حذف وإسقاط كافة المقتضيات الواردة في هذه المشاريع والمهددة للحقوق والحريات. حتي لا يكون ذلك مدخلا للدولة البوليسية وعهد الأدلة السرية. مصطفى الخلفي