بمصادقة المجلس الحكومي أول أمس (الخميس) على ثلاثة مشاريع قوانين تهم مكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة، اكتسب الانخراط المغربي في الحملة الأمريكية ضد ما يسمى بالإرهاب بعدا قانونيا قويا يضاف لباقي الأبعاد الأمنية والاستخبارية والمالية والسياسية بل وحتى الثقافية. لقد كان المغرب يكتفي في السابق بإعلان تأييده للقرارات الدولية، من مثل قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقين بالتدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي"، أو تصديقه على الاتفاقيات المبرمة في الموضوع، وآخرها الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب" والصادرة في 25 فبراير 2000 والتي صادق عليها المغرب في 12 أكتوبر 2001، رغم أنها لم تخضع بعد للتصديق البرلماني، إلا أن الجديد الذي حمله المجلس الحكومي الأخير، هو إخراج ترسانة قانونية وطنية تجعل النظام القانوني المغربي في هذا المجال بمثابة نسخة تابعة للتطورات التي عرفها النظام القانوني الأمريكي بعد أحداث 11 شتنبر والتي جعلت من المسلمين وذوي الأصول العربية بمثابة متهمين حتى تثبت براءتهم، هذا مع الاختلاتف البين بين تجربتي البلدين والتحديات التي يعرفها كل منهما في مجال مكافحة الإرهاب. لا يمكن لأحد أن يجادل في مبدإ مناهضة الإرهاب وإدانة مقترفيه وحماية المجتمع من الوقوع ضحية شبكاته مما يجعل من الجهود القانونية والأمنية لمحاصرته ودرئه مسألة مطلوبة وواجبة، إلا أن ذلك لا يعني التضحية بمبادئ حقوق الإنسان وضمانات المحاكمة العادلة بما قد يجعل من النص القانوني مجرد أداة لإضفاء الشرعية على مختلف عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والتعذيب ومبررا لمختلف الانتهاكات التي تحدث أثناء إجراء التحقيقات والاستنطاقات، وهو ما ظهرت به بعض بوادر في مشاريع القوانين الثلاثة التي صادق عليها المجلس الحكومي في اجتماعه الأخير، والمتعلقة تحديدا بكل من مشروع قانون حول دخول وإقامة الأجانب بالمملكة وبالهجرة غير المشروعة، ومشروع قانون يتمم مجموعة القانون الجنائي في ما يتعلق بالإخلال يسير نظم المعالجة الآلية للمصطلحات، ثم مشروع قانون حول مكافحة الإرهاب. وإذ يسجل حرص الجهاز الحكومي على تقديم هذه القوانين في سياق يميز فيه المغرب بين الإرهاب وبين العمل المشروع لمقاومة الاحتلال والعدوان كما ورد في تصريح وزير العدل للقناة الثانية، كما يسجل ثانيا حاجة البلاد إلي نصوص قانونية واضحة في هذا المجال لملء الفراغ القانوني الحاصل، فإن الملاحظ أن تقديم هذه القوانين تزامن مع أربعة تطورات: الأول تمثل في زيادة ريتشارد هاس مدير دائرة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية يومي 9 و 10 يناير الجاري، والتي جاءت بعد أقل من شهر على زيارة وليام برتز مساعد وزير الخارجية الأمريكي المكلف بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبينهما الإعلان الأمريكي عن مبادرة الشراكة الجديدة بين أمريكا والعالم العربي والإسلامي وفي مختلف هذه المحطات، ثم الحديث وبصوت عال على التعاون المغربي الاستثنائي مع الولاياتالمتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، وهو تعاون سبق أن أشادت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي حول أنماط الإرهاب العالمي، كما تم الحديث عن النموذج الرائد الذي يمثله المغرب في التحول نحو الديمقراطية والانفتاح في زيارة هاس الأخيرة ، بل إن المغرب ذكر كنموذج للتطور الدمقراطي ثلاث مرات في مبادرة باول للشراكة، مع الإشارة إلي الإعلان عن بدء المفاوضات المغربية الأمريكية حول اتفاقية التبادل الحر مطلع الأسبوع المقبل. التطور الثاني ارتبط بالكشف المتزايد عن عمليات تهريب وسرقة أسلحة انطلق ذلك مع سرقة رشاشات الكلاشنكوف من ثكنة عسكرية بتازة واكتشافها بمكناس، والحديث عن حملة وطنية في الموضوع بعد ورود أخبار من الناظور وسيدي سليمان، بل ومحاولة بعض وسائل الإعلام الربط بين جرائم سرقة الأسلحة وبين بعض الجماعات. أما التطور الثالث، فتمثل في تحري؛ سلسلة المحاكمات ذات العلاقة بجرائم قتل والبت في بعضها مثل ما حصل مع القضية المزعومة بما سمي بجماعة الصراط المستقيم، ثم حاليا قضية ما سمي بالتكفير والهجرة ليوسف فكري. وعلي صعيد رابع، بروز استحقاقات التفاوض مع إسبانيا بعد لقاء 11 دجنبر وزيري خارجيتي البلدين، والاستعداد لإجراء لقاء ثان نهاية هذا الشهر، حيث تعد قضية الهجرة السرية إحدى القضايا المطروحة في هذه المفاوضات، في ظل المطلب الإسباني بدور أكبر للمغرب في مجال مكافحة الهجرة السرية. التطورات الأربعة الآنفة الذكر، تجعلنا ننظر للمصادقة السريعة على مشاريع القوانين على أنها انعكاس لاستحقاقات خارجية أكثر منها داخلية ووطنية، لاسيما وأن المغرب عرف عدة أحداث وازنة سواء في أواسط الثمانينيات أو بعده في أواسط التسعينيات، كانت أدعى لإخراج مثل هذه القوانين، كما تجعلنا نتحفظ إزاء المتابعات الإعلامية الجارية لقضايا السلاح، والتي قد توظف لصالح خلق القبول الشعبي بهذه القوانين والتصديق على المقتضيات المخالفة لمبادئ حقوق الإنسان. ذلك أن الملاحظ على مشاريع القوانين الثلاثة هو الهاجس الأمني الضخم والمهيمن في المواد، بما يفقدها القدرة على الموازنة بين مطلب مكافحة الإرهاب من جهة ومبادئ دولة الحق والقانون والانفتاح الإنساني من جهة أخرى، وهو ما يبرز بوضوح في المقتضيات المتعلقة بطرد الأجانب حسب المواد 25 و26 و27 من مشروع قانون الأجانب أو في المواد المتعلقة بالاعتقال الاحتياطي والتي جعلته ستة أيام عوض يومين كما هو في القانون الجنائي بل ونصت على إمكانية تمديده مرتين حسب ما ورد في مشروع قانون مكافحة الإرهاب. إن التوقيت الذي تم فيه إخراج هذه القوانين والتي لم تكن موضع برنامج حكومي معلن عنه. كما أن الملابسات التي أحاطت بها داخليا وخارجيا، تطرح على القوى السياسية والحقوقية والمدنية تحمل مسؤوليتها في المحطات المقبلة أثناء إحالتها على البرلمان للمدارسة والمصادقة عليها ، بما يجعل مكافحة الإرهاب تخضع لمبادئ دولة الحق والقانون، وأن لا تتحول إلى تغطية على انتهاكات متواصلة لحقوق الإنسان. مصطفى الخلفي