نعيد في ما يلي نشر رسالة نشرتها الزميلة "الصحيفة" في عددها الأخير، وهي رسالة توصلت بها من السيد محمد يعقوبي، كاتب فرع حزب الاتحاد الاشتراكي بالقنيطرة، يعلن فيها تقديم استقالته النهائية من الحزب المذكور، ويعتبر أن استقالته كانت مؤجلة منذ مدة إلى أن عجلت بها المواقف التي عبر عنها بعض قياديي الحزب بعد 16 ماي. "انطلاقا من مسؤولياتي كمواطن مغربي ديمقراطي، وكمناضل في صفوف القوات الشعبية منذ سنة ,1978 مؤمن بمبادئ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مناضل في صفوفه، متحمل كافة المسؤوليات، ومستعد لتأدية كل الضرائب التي يفرضها هذا الانتماء، وانطلاقا من تاريخ هذا الحزب ومن حجم الضحايا الذين قدموا أنفسهم وذويهم ومالهم في سبيل هذا الوطن، ومن خلال هذا الحزب، وانطلاقا مما راكمه حزب الاتحاد الاشتراكي من رصيد وقف من خلاله إلى جانب الحق والقانون، سعيا إلى تأسيس دولة المؤسسات. انطلاقا من كل هذا ومن غيره، أجدني بعد معاناة فكرية طويلة وصراع مع الذات مضطرا إلى إثارة ما أراه ضروريا، انسجاما مع نفسي ومع قناعاتي المبدئية التي لا أقبل أن تكون موضع تجارة ولا موضوع تنازل، وإحقاقا للحق وإزهاقا للباطل.. فقد لاحظت، منذ سنوات خلت.. منذ قبول الحزب الدخول في حكومة سميت تناوبا توافقيا دون ضمانات، وخارج صناديق الاقتراع، وخارج الإرادة الشعبية، أن هناك استراتيجية جديدة ينهجها الحزب خارج مقرراته وقرارات أجهزته التقريرية، ترتب عنها في الأمد القريب المؤتمر السادس للحزب انشطار جزء منه في تمزق آخر استفادت منه في المقابل فلول الانتهازية الحزبية وسماسرة العمل السياسي من وسطاء وتجار الانتخابات في صفوف الحزب، كما ترتب عنه بروز فاعل نقابي جديد لم تكن وراءه إلا الرغبة في الترقية الذاتية لبعض المكونات الحزبية/ النقابية في الوقت الذي ضاع فيه الحق النقابي.. كما لاحظت بعد انتخابات 27 شتنبر انخراط الحزب في حكومة لا أجد لها اسما برئاسة السيد ادريس جطو بجل ألوان الطيف السياسي، بدون برنامج واضح ولا مستقبل مبرر ومبشر، مما ترتب عنه تزكية تراجعات على مستوى الحقوق والحريات الأساسية للمواطن في مختلف تجلياتها، فأصبح الحزب كالهشيم تذروه الرياح بعد تغلغل اللوبي الانتهازي والبكتيريا المصلحية في جسده، فأوهنته ونخرت كل ذاته. وبتأمل بسيط في تاريخ الحزب، نجد أنه قبل الآن ما رفضه سابقا، فهل نحن ننشد المستقبل الأحسن أم نرجع للوراء، فها هو ذا بيان الحزب في المؤتمر الثالث يقول في إحدى فقراته: هكذا إذن تتميز الحياة السياسية الراهنة بمفارقة عجيبة: فبدلا من أغلبية برلمانية تصنع الحكومة وتوجهها وتراقبها، نجد حكومة تصنع أغلبية برلمانية مزيفة وتعمل جاهدة للحفاظ عليها، بالترضيات تارة وبالتهديد والوعيد تارة أخرى. إنها الديمقراطية المزيفة في أبشع صورها وأقبح مظاهرها، وواضح أن حكومة من هذا النوع... لا يمكن أن تكون إلا حكومة ضعيفة خائرة عاجزة، تعيش أزمة وزارية دائمة... أليس هذا حال حكوماتنا الآن ؟!! أليست هذه الوضعية هي التي قبل فيها حزبنا تحمل المسؤولية ثم المشاركة في الحكومة الحالية؟! ماذا تغير؟! الواقع أن الحزب هو الذي تغير، فلو اعتبرنا أن هذا البيان للمؤتمر السادس للحزب، لكان كافيا شافيا معبرا عن حال حكومة اليوسفي وحكومة ادريس جطو، ومع ذلك، انتظرت عسى أن يكون هناك تغير للأحسن، وهو ما لم يتم، بل حدث ما هو أخطر وأعظم وأكثر مهانة. فقد بلغ السيل الزبى بعد الأحداث الارهابية ليوم 16 ماي، تلك الأحداث التي راح ضحيتها مجموعة من المواطنين الأبرياء، إذ تحول الحزب بقدرة قادر الله أعلم به من هو إلى بوق استئصالي، انتهازي فاقد للذاكرة، داخل جوقة سياسوية مقيتة مستهدفا بالدرجة الأولى قيمه التاريخية التي ناضل من أجلها، ومن أجلها أدى مناضلون شرفاء ضرائب تاريخية جسيمة، ومستهدفا أيضا مبدأ الديمقراطية والحرية، ومستهدفا في النهاية خصوما له في الساحة السياسية والحقوقية، مستفيدا بطريقة هجينة من استعماله واستغلاله لأجهزة الدولة ووسائل الإعلام التي طالما طالب يجعلها ملكا للجميع، لأنها ملك للشعب المغربي، وذهب في تأويل الأحداث تأويلات فيها الكثير من الغموض بإقصائه للعوامل الاقتصادية والاجتماعية وللتهميش الذي طال الأحياء التي أنجبت تلك القنابل البشرية المسكينة، ضحية الجهل بالدين والمجتمع والثقافة، فكانت وبالا على نفسها وعلى أسرها وعلى مواطنين أبرياء، وتعمق في تفسيرات مبطنة أساسها حملة انتخابية سابقة لأوانها تحمل نبرة استئصالية بعيدة كل البعد عن قيم الحزب وأخلاقياته. إن الاتحاد الاشتراكي الذي عانى أكثر من غيره من ويلات المخزن، كما تؤكد ذلك كل أدبيات الحزب وصحافته، كان حريا به أن لا ينزلق كل هذه المنزلقات وأن يقف موقف المبدئي لا موقف المرحلي، لأن موقف المرحلي هو موقف الانتهازي، وهذا أمر يدخل في باب الواضحات التي يعتبر تفسيرها من المفضحات. أين هي ثوابت الحزب؟!! فلنستمع إلى المرحوم عبد الرحيم بوعبيد يقول أمام اللجنة المركزية للحزب سنة 1971: >إننا لسنا محترفي سياسة، فنحن أصحاب عقيدة، نقرن السياسة بالأخلاق، وأنه ما لم تكن هناك أخلاق فالسياسة مجرد عبث وكذب وتدليس<. أين مواقفنا الحالية من هذا الموقف الرائع والمجيد؟!! قد يقول قائل إن هذه السلفية لم يعد لها مكان في الواقع الحالي، إلا أنها ثابت من ثوابت الحزب الذي لازلنا نجتره دون أن نعمل على تطبيقه.. نجتره مناسباتيا وفق مصالح آنية لننساه بعد ذلك.. فهل أصبحنا محترفي سياسة، فانقلبنا على الديمقراطية بادعائها!!؟ ألم يكن الأولى بنا الدفاع عن حق الاختلاف أكثر من غيرنا!!؟ ألم يفسر ادريس البصري أحداث 20 يونيو بما نفعله نحن الآن نيابة عنه أو عن غيره، ألم يقل بأن أحداث 20 يونيو، التي راح ضحيتها المئات من الأبرياء أيضا، ترجع أسبابها إلى الخطاب التحريضي لصحافة الاتحاد الاشتراكي آنذاك ولمواقف الحزب عامة؟!! فهل كان محقا أم أنه كان يركب مركب التضليل وقتذاك مستهدفا الاتحاد والكونفدرالية الديمقراطية للشغل؟!! ألم يكن موقف خصومنا حينئذ كموقفنا من خصومنا اليوم؟!! ألم نحرم وسائل الإعلام كما يحرم منها غيرنا الآن؟! ألم نعان ممن هم معنا في الأغلبية الحالية كلهم بدون استثناء؟! كيف نسينا؟! كيف تحولنا إلى سياط لاذعة في انقلاب تكاد تشيب لهوله الولدان، وقد شابت فعلا؟!! أليس ما نفعله اليوم بعد الأحداث الإرهابية في صحافتنا وتصريحاتنا في برامج التلفزة، ضد هيئات سياسية محترمة ومنظمات حقوقية محترمة وصحافيين محترمين، هو الردة بعينها؟!! وماذا بعد هذا؟!! كيف نقبل أن يتحول مناضل اتحادي قيادي برتبة رئيس فريق أو وزير إلى داعية إلى الاستئصال والإقصاء؟!! أهي الانتخابات التي تفعل فعلها، فأباحت المحظور أخلاقيا ونضاليا؟ أهي المقاعد التي أصبحت تهمنا أكثر من الذات؟!! أمن أجل المقاعد يفقد حزبنا الذاكرة بكل هذه القوة؟!! أية حادثة سير مروعة أصابت هذا الكيان، فحولته إلى هذه الوجهة بهذا الانعراج الضخم للزاوية؟!! لماذا اختلف موقف الحزب المبدئي أثناء محاكمة الأموي عن موقفه المرحلي غير المبرر في محاكمة علي المرابط؟!! هل الأمر متعلق بالقناعات المبدئية أم بالمواقف المرحلية ولكل موقع موقف؟!! لنستمع إلى محامي الأموي الأستاذ محمد بوزوبع يقول بصدد تطبيق الفصل 400 في حق المتهم محمد الأموي: >هل من حق الحكومة إذا كانت طرفا أن تعبث بالقانون؟< ص 247 من كتاب: الأموي رجل قضية، ولنقرأ في نفس الكتاب ونفس الصفحة ما يلي: >وأكد الأستاذ بوزوبع أنه وقع خرق سافر لمقتضيات الفصل ,.400 وقال إن الدفاع يقول إن الفصل 400 لا يطبق على قضايا الصحافة انطلاقا من المبدأ المنصوص عليه في الفصل 76 ، وأن الفصل 400 لا يمكن أن يطبق في حالة الاستئناف انطلاقا من المبدأ الذي أقرته مقتضيات الفصل 9 من أن للاستئناف أثرا واقفا في جميع الأحوال< انتهى وهو نفس ما أورده السيد يونس مجاهد في جريدة الأيام العدد 89 ص 6 معلقا على حربائية وزئبقية التعامل مع هذا الفصل يقول: >لا يفهم لماذا لم تتحرك هذه القوى السياسية والمدنية بنفس الشكل والحدة التي اعترضت بها في حالة الأموي<. إن الذي اعترض بالأمس كان مجرد محام، واليوم هو في مركز القرار، فماذا يعني كل هذا!!؟ متى كان حزبنا القوي برجالاته مرتعا للقوى الحاقدة؟ متى سمحت التربية الحزبية التي تلقيناها بتحويل جرائد محسوبة على اتحاديين، إلى منابر إعلامية تدعو إلى الدعاية المنحرفة والتصلب الفكري باسم الحداثة والقذف الخاص والعام ونشر الدعارة الفكرية والتطرف الإباحي والتطرف اللاديني!! دون الحديث عن أساليب التطبيع، تارة باسم الأممية الاشتراكية وأخرى باسم الواقعية السياسية وثالثة باسم خدمة القضية الفلسطينية؟!... إنه تحول بنيوي عميق وخطير. إن الدخول لتسيير الشأن العام للتغيير من الداخل لم يكن إلا كذبة كبرى.. لأن الذي تغير هم أولئك الذين حصدوا المناصب الوزارية والمقاعد البرلمانية والمصالح، وهم المتحكمون طبعا في مسار الحزب.. هم أعلى هيئة مقررة قبل وبعد المؤتمر، هم أعلى هيئة منفذة دون حاجة إلى قرار، هم الجار ونحن المجرور... فتغيروا هم ولم يغيروا، فكان هذا حقا أريد به باطل. والنتائج جلية واضحة للعيان. وأخيرا، فلنتأمل فقرات في النقد الذاتي لفقيد الاتحاد الاشتراكي في تقديره للخطإ الثالث: >عدم الوضوح في مواقفنا الإيديولوجية، وعدم تحديدنا لهوية حركتنا، وذلك بسبب التسويات وأنصاف الحلول غير المشروحة وبسبب المعارك الدائرة في الخفاء، وأيضا بسبب عدم تبيننا بوضوح لمعالم المجتمع الجديد الذي نسعى لبنائه... إن كل تعاقد مع القوى المحافظة لا قيمة له ما لم يكن على أساس برنامج واضح ومحدد حتى لا يصبح ممثلو الحركة التقدمية في الحكم بمثابة رهائن تستغلها الرجعية لتزكية سياستها وتضليل الرأي العام<. ألا يبدو أن هذا هو حالنا الآن؟ أليست شهادة حية على حقيقة هذه الفترة من تاريخ حزبنا؟ لكل هذه الأسباب والعوامل، ونظرا لموقف الحزب من ملف السيد علي المرابط، وموقفه المتخاذل من الاختلاف السياسي والحقوقي، ونظرا لهذا التغير الجذري في مسار الحزب مستغلا وجوده في الحكومة، أعلن: 1 إدانتي لروح الاستئصال الانتهازية التي عبر عنها حزبنا من خلال صحافته وبعض قيادييه والصحافة التابعة له بشكل غير مباشر. 2 تضامني مع السيد علي المرابط كما تضامنت مع الأموي بالفعل والتواجد. 3 استقالتي التامة والنهائية من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية