معنى المذهب المالكي ومراحل تطوره خلص الدكتور محمد رياض أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض بمراكش، في كتابه: أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي في طبعته الأولى لسنة 1996م. إلى أن المذهب المالكي هو امتداد لفقه الصحابة، وفقه التابعين، الذين احتضنتهم المدينةالمنورة، وعرف المذهب المالكي بأنه هو جميع أقوال وترجيحات مالك، وتلامذته، وفقهاء مذهبه. أورد ذلك في المطلب الأول من مبحث أساس المذهب المالكي. الفصل الثاني الباب الأول. وفي نفس المطلب الذي ننشر مع شيء من التصرف، تحدث الدكتور محمد رياض عن مراحل تطور المذهب وحددها في خمسة أدوار: مرحلة التأصيل، ثم مرحلة التفريع، فمرحلة التطبيق، ثم مرحلة التنقيح، وفي الأخير مرحلة الجمع والاختصار. معنى المذهب المالكي ينسب المذهب المالكي إلى مالك رضي الله عنه أصالة، وقد نشأ المذهب كما سبق في أحضان المدينةالمنورة مهد الصحابة الكرام والتابعين. وبطريقة وعلوم من سبقه من الأئمة، وممن تلقى عنهم، تكون الإمام مالك ملاحظا الاتجاه الاجتهادي الذي درج عليه الجميع، ومستنبطا مذهبه الذي سار عليه، وفي ذلك يذكر الشيخ الفاضل بن عاشور: فكان ظهور مالك بن أنس رضي الله عنه، لم يحدث أمرا جديدا في هذا الفقه الذي استمر متسلسلا من عصر فقهاء الصحابة إلى فقهاء التابعين، حتى تلقاه مالك بن أنس، لم يحدث فيه شيئا جديدا، إلا أنه درج على الطريقة أو المنهج الفقهي الذي وجد الناس متعاقدين من قبله، ثم زاد على ذلك أن استقرأ من الأمر الواقعي العملي بتتبع فروع الفتوى، وجزئيات الأحكام الشرعية التفصيلية التي اجتهد فيها هو واجتهد فيها من قبله من فقهاء الصحابة، وفقهاء التابعين، فاستخرج من استقرائها أصولا تتعلق بالطرائق الاستدلالية الاستنتاجية التي ينبغي فيما يرى هو، وفيما يدرك من سيرة الفقهاء الذين اقتدى بهم وتكون بتخرجه بهم من قبل، أن يكون السير عليها في استنباط الأحكام الفرعية التفصيلية من أصولها الإجمالية. فكان ظهور الأصول لتلك البيئة الفقهية المدنية على يد مالك بن أنس. ولذلك اشتهر هذا المذهب بالإضافة إلى اسمه فقيل: المذهب المالكي. فالمذهب المالكي عبارة عما ذهب إليه الإمام مالك من الأحكام الاجتهادية، مراعيا في ذلك أصولا معلومة، وأخرى مخصوصة. فمذهب الإمام مالك هو جميع أقوال وترجيحات مالك، وتلامذته، وفقهاء مذهبه. مراحل تنمية المذهب المالكي وبناء على ما سبق فقد مر المذهب المالكي بالمراحل الآتية من تطوره: أ مرحلة التأصيل: وهي المرحلة التي تكلف بها الإمام مالك ناظرا الأصول التي يمكن أن يعتمد عليها في اجتهاده، ومرتبا عليها الفروع التي تناسب منحاها. وأصول المذهب استقرائية، تبعا لملاحظة تلامذة الإمام مالك طريقة اجتهاده، وما سار عليه في نظر جزئيات، وفروع متعددة من فقهه، ولا سيما ما ورد في الموطأ من فتاوى وأحكام، وما كان ينقل عنه من أجوبة، فاستخلصوا من كل ذلك ما ينبني المذهب عليه. وحينئذ فإن الإمام مالك رضي الله عنه لم يحدد هذه الأصول بنفسه بالصورة التي يذكرها الأصوليون. ب مرحلة التفريع: ويقصد به بناء الفرع على أصله، واستنباط حكمه منه. وذلك داخل المذهب. وهذه المرحلة هي التي ظهر فيها أتباع الإمام مالك وتلامذته، آخذين بمنهجه، ومؤسسين الإفتاء في الحوادث والوقائع بربطها بأصوله وقواعده. وكانت المدونة الكبرى برواية سحنون عن عبد الرحمن بن القاسم، التلميذ الأكبر للإمام مالك الميدان الخصب، والنواة الأولى لمرحلة التفريع. فانطلقت الأحكام الفرعية من رحاب الفتوى، ودائرة السؤال والجواب التي تمثلها خير تمثيل تلك المدونة. وجاءت بعدها الواضحة لعبد الله بن حبيب في الأندلس، ولا غرو إن الإمام مالك رضي الله عنه، هو الذي لفت الأنظار، وأشار ببديع أسلوبه، وحميد منهاجه، في كتابه الموطأ إلى دور الفتوى، وما تقوم به من تأسيس الأحكام، وتلقيح الأفهام. ج مرحلة التطبيق: وهي مرحلة النظر فيما أنتجه دور التفريع الفقهي الذي سبق، والاجتهاد في تحقيق المناط في الوقائع المستجدة، فيما ينطبق، وفيما لا ينطبق عليها من تلك الصور الفرعية، مع تمييز كل حكم منها على حدة، ومع مراعاة أصول المذهب في ذلك. وفي هذه المرحلة يقول الفاضل بن عاشور رحمه الله: وظهرت في هذا الدور كتب التهاذيب التي هذبت بها الكتب القديمة، والمختصرات التي لخصت فيها، والشروح التي شرحت بها، ودقق النظر في المسائل لأجل بيان ما بينها من الاتفاق والاختلاف، ثم صور النوازل والفتاوى التي تشمل على الواقعات الحادثة، وعلى بيان ما يرى الفقهاء المتأخرون من رجال دور التطبيق من انطباق أو عدم انطباق لقول من الأقوال المأثورة من المصادر القديمة من دور التفريع على تلك الجزئية الخاصة. وكان العمل قد توزع على مراكز أيضا هي القيروان، والأندلس، والعراق ومصر. فكان في القيروان، مثلا محمد بن سحنون الذي وضع كتاب النوازل أو المسائل وجعل كل حادثة من الحوادث التي تجري في عصره، مع تصورها بالملابسات العارضة محلا للنظر في كيفية انطباق حكم المقرر في المدونة على تلك الصورة، بحيث إن حكمها يؤخذ من المصدر الذي هو من أثر دور التفريع. وسار على نفس النهج الإمام محمد بن أبي زيد القيرواني في كتابه النوادر والزيادات مستفيدا مما سلقه، وما دون من كتب في المذهب، كالمدونة لسحنون، والواضحة لابن حبيب، والمستخرجة للعتبي، والموازية لابن المواز. وهذا ما أكده ابن خلدون بقوله: وجمع ابن أبي زيد جميع ما في الأمهات من المسائل والخلاف، والأقوال في كتاب النوادر فاشتمل على جميع أقوال المذهب، وفروع الأمهات كلها في هذا الكتاب، ونقل ابن يونس معظمه في كتابه على المدونة. كما اختصر ابن أبي زيد المدونة في كتابه المختصر ولخصه أيضا أبو سعيد البرادعي من فقهاء القيروان في كتابه المسمى بالتهذيب. وألف ابن يونس كتابه الجامع على غرار كتاب النوادر والزيادات. ثم جاء بعدهم أبو الحسن اللخمي باختياراته المشهورة في المذهب مودعا إياها في شرحه على المدونة المسمى بالتبصرة. وفي الأندلس ألف أبو عبد الله محمد العتبي المستخرجة وهي العتبي، وألف يوسف بن عبد البر كتابه الكافي في فقه أهل المدينة. وفي العراق أخرج القاضي اسماعيل بن حماد كتابه المبسوط وألف القاضي عبد الوهاب كتاب التلقين. د مرحلة التنقيح: وهي مرحلة تنقيح الأقوال المذهب، واعتبار الدليل الأقوى منها رواية ودراية. وكان الذي حمل لواء هذه المرحلة أبو الحسن اللخمي الذي انفرد باختيارات في المذهب حتى عد متميزا بها. وسار على هذا المنهج الإمام المازري في شرحه على التلقين. وابن رشد الجد في كتابه المقدمات الممهدات وكتابه البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل وهو شرح العتبية. والقاضي عياض في شرح المدونة، وتعليقاته عليها المسماة بالتنبيهات. ه مرحلة الجمع والاختصار: وهذه المرحلة جاءت بعد استقرار المناهج، والنظر في الفروع الفقهية تخريجا، وتطبيقا وتنقيحا، وما قام به جهابذة المذهب من اجتهادات. وهكذا ظهر مختصر ابن شاس المسمى ب الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة. ومختصر ابن الحاجب المسمى بجامع الأمهات، وجاء بعده مختصر الشيخ خليل الذي طوى جميع المراحل، ثم توالت الاختصارات من بعده ناسجة على منواله، كأقرب المسالك لمذهب الإمام مالك لأحمد بن محمد الدردير، والمجموع لمحمد بن محمد الأمير.