خلال الاجتياح الإسرائيلي لمخيم رفح في قطاع غزة تحدث الحاخام الرئيس لمستوطنة كريات أربع على خلفية التعليقات التي تكاثرت حول إطلاق الطائرات الإسرائيلية صواريخها على مظاهرة سلمية للفلسطينيين في قطاع غزة. ومما قاله صاحبنا واسمه دوف ليئور إنه " في ظل القتال يسمح للجيش الإسرائيلي بأن يمس بالسكان المدنيين الأبرياء، زعماً". والسبب الذي يدعو إلى عدم رحمة أولئك المدنيين، حسب الحاخام، أنهم ليسو يهوداً. ويوضح الرجل فتواه بالقول إن "حكم توراة إسرائيل هو الرحمة بجنودنا ومواطنينا. هذه هي الأخلاق الحقيقية لتوراة إسرائيل. لا مجال للشعور بالذنب بسبب أخلاق الكفار". من المفيد الإشارة إلى أن انتقادات قد وجهت للحاخام من طرف أحد نواب حركة ميريتس اليسارية، وذلك بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت التي أوردت التصريحات وردود الفعل عليها، لكن ذلك لا يغير من حقيقة أن أية انتقادات توجه لمثل هذه الأقوال لا تعكس الخلاف معها دينياً بقدر ما تعكس الخلاف معها سياسياً بسبب ما تؤدي إليه من إحراج بالإمكان تجنبه. والحال أن الحاخام المذكور لم يخالف بحال من الأحوال جوهر ما تنص عليه الكتب الدينية اليهودية المتاحة بين أيدي الناس في الدولة العبرية، بما في ذلك طلاب المدارس الدينية منها وغير الدينية، وعلى رأس تلك الكتب التوراة والتلمود. جاء في سفر التثنية من العهد القديم: "إن رفضت مدينة الصلح وحاربتكم فحاصروها، فإذا أسقطها الرب إلهكم في أيديكم فاقتلوا جميع ذكورها بالسيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة من أسلاب فاغتنموها لأنفسكم وتمتعوا بغنائم أعدائكم التي وهبها الرب إلهكم لكم. هكذا تفعل بكم المدن النائية عنكم التي ليست من مدن الأمم هنا. أما مدن الشعوب التي يهبها الرب إلهكم لكم ميراثاً فلا تستبقوا فيها نسمة واحدة، بل دمروها عن بكرة أبيها". نشير هنا إلى أن أحداً في الغرب أو الشرق لم يجرؤ يوماً على توجيه الانتقاد إلى مثل هذه الكتب أو النصوص وما تحمله من أفكار عنصرية بحق الآخر، أكان مسلماً أم مسيحياً. ونحن هنا لا نتحدث عن البعد الديني المحض، من حيث قناعة اليهود بأنهم الأحق بالجنة والمغفرة مقابل "الآخرين الكفار" من أصحاب الأديان الأخرى، فتلك ليست مشكلة لأنها متوفرة في جميع الأديان، وحيث يؤكد كل دين أنه الحق مقابل بطلان الأديان الأخرى أو نسخها، وإنما نتحدث عن ذلك البعد المتعلق بالتعامل الإنساني اليومي. في هذا السياق يتفرد اليهود بحالة خاصة من حيث النظرة إلى الآخرين أو "الأغيار" حسب المصطلح اليهودي، والذين تختلف منهجية التعامل معهم على نحو هو أقرب عملياً إلى استباحتهم. وهنا تحضر التعاليم الإسلامية السمحة النابعة من جوهر الدين وليس من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو غيره من المواثيق، وهي التعاليم التي تنص على أنه "لا إكراه في الدين"، فيما تؤكد على تساوي الجميع في الحقوق والواجبات في حال اشتراكهم في نفس البلد، "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، وترفض الاعتداء إلا على من اعتدى على المسلمين في حال العلاقة مع البلدان الأخرى. والحال أن هذه التعاليم لم تتوفر في النصوص فقط، وإنما أكدتها التجربة التاريخية للأمة المسلمة خلال قرون طويلة من التعامل مع الآخرين من غير المسلمين، الأمر الذي أكده غير واحد من المستشرقين والكتاب الغربيين المنصفين. في الواقع القائم هذه الأيام، لا نجد أحداً يتحدث عن تلك العنصرية اليهودية المتوفرة في النصوص، فضلاً عن تلك التي تمارس عملياً على الأرض،في مقابل التنقيب الدائم في النصوص الإسلامية عن كل ما يمكن تفسيره على نحو خاطىء بحيث يؤكد عدوانية المسلمين أو عنصريتهم وقابليتهم لمهاجمة الآخرين دون سبب. فضلاً عن التركيز على أي سلوكيات شاذ’ لا تمثل الإسلام ولا المسلمين. ولعل منهجية قوة المقاومة الفلسطينية، سيما الإسلامية منها، في إعلان العداء للاحتلال الإسرائيلي وليس لليهود كيهود هو تأكيد على هذه الروحية المميزة في النص الإسلامي والسلوك الإسلامية أيضاً. خلال الأعوام الأخيرة تابعنا ولا زلنا نتابع فصولاً من ذلك التحيز الأعمى ضد المسلمين، وقد تجلى ذلك في تلك الهجمة المستمرة على مناهج التعليم في الدول العربية والإسلامية، وهي الهجمة التي تتولى كبرها الدوائر الأمريكية المتصهينة التي لا تريد الاعتراف بالسبب الحقيقي لكراهية المسلمين للولايات المتحدة والدولة العبرية ممثلاً سياساتهما حيال المسلمين. من الضروري أن يصار إلى التركيز على العنصرية اليهودية في التعامل مع الآخر المسلم وغير المسلم والتي تتجلى في مناسبات شتى، لا شك أنها هي التي تفسر أكثر من أي شيء آخر تلك الكراهية الواسعة لهم في الأوساط الغربية. ونحن حين نفعل ذلك لا نستند إلا إلى نصوص واضحة لا تقبل اللبس، وليس إلى مجرد أقوال حاخام متطرف مثل دوف ليئور والكثيرون من أمثاله في الدولة العبرية وخارجها، والذين لا تكاد بضعة أسابيع تمضي من دون أن يتحفنا أحدهم بقائمة من الشتائم والأوصاف البذيئة لكل ما هو عربي ومسلم. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني