فوجئ العديد من المتتبعين بما بثته القناة الثانة ضمن نشرتها الزوالية ليوم أمس الإثنين من تصريحات لمدير يومية الاحداث المغربية، وذلك للآراء الغريبة التي قدمها حول اسباب الأحداث الإرهابية ل16 ماي والمواقف المعادية للديموقراطية التي حرص على نشرها من خلال القناة الثانية، وهي مواقف ليست جديدة إلا أن صدورها من على منبر القناة الثانية وبعد مرور سنتين يدل على مشكل خطير في السياسة الإعلامية والرسمية إزاء مخلفات الأحداث الإرهابية، وعدم انتباه للأخطاء التي تراكمت طيلة السنتين الماضيتين ووضعتا المغرب على حافة الشرخ والانقسام والانقلاب على المكتسبات الديموقراطية. لقد كانت الذكرى الثانية للتفجيرات الأليمة محطة مناسبة لمبادرة شجاعة تبدأ من تنقية الحقل الإعلامي شبه الرسمي والرسمي من عوامل نشر الفتنة والتشهير وتغدية الأحقاد، وتستثمر الموقف الوطني الموحد ضد الإرهاب وتعمل على تعزيزه وليس إضعافه وتفتيته، وللأسف نجد أنفسنا اليوم أمام مسار يخالف ذلك بشكل كلي، وأمام نذر استيقاظ غريب لتحالف برز مباشرة بعد التفجيرات، وتعارف الناس عيله بكونه تحالفا استئصاليا معاديا للديموقراطية وللقيم مكونا من جهات معلومة وأخرى مجهولة، حيث جرى استغلال الحدث وتمت المبادرة لإلصاق التهمة بالحركة الاسلامية وبل وتحميل التربية الإسلامية ومؤسسات التدين في المجتمع المسؤولية المعنوية عن الأحداث، كما عملت على صب الزيت في النار لمزيد من إشعال الفتنة، رغم أن مرور سنتين وما شهدته من محاكمات وتحقيقات كشفت زيف هذه الدعوى، فإن هذا التحالف ما يزال قائما ويحرص على نشر أفكاره كلما وجد لذلك سبيلا. أين نحن الآن من مسيرة السنتين بعد التفجيرات؟ يمكن أن نتوقف فقط عند نشرة الزوال التي قدمت أمس الإثنين، ونضعها في محك المقاربة الشمولية بمختلف جوانبها الأمنية والاقتصادية والثقافية والدينية وغيرها، ففي قضية التربية الإسلامية مثلا وجدنا مدير الأحداث المغربية لم يتردد في الدفاع عن المحاولات التي استهدفت هذه المادة ليربط بين مقاومة هذا الاستهداف وأسباب الإرهاب، في حين أن ما عرفه المغرب ليس مراجعة لهذه المادة وإنما محاولة لتقليص حصصها إلى النصف في الشعب الأدبية ومحاولة لاقتراح حذفها من الشعب العلمية والتقنية فيما يخص التعليم التأهيلي، فهل بنشر الفقر في التربية الإسلامية نعمل على تحصين المجتمع من التطرف؟ وهل لذلك علاقة بالمراجعة الحقيقية للمناهج والبرامج أم هي مؤامرة على التربية الإسلامية تستغل التفجيرات الإرهابية من أجل تصفية هذه المادة؟ وهذه القضية ليست سوى نموذج من نماذج عدة من تصريحات ضيف القناة الثانية في نشرتها الزوالية، وتكفي لتقديم دليل على نوع المسار الذي يبتغى حملة المشروع الاستئصالي دفع المغرب إليه. النمودج الثاني من التصريحات ارتبط بموقفه الغريب من البيان الذي أصدرته حركة التوحيد والإصلاح والتي سماها بجمعية دعوية تصف نفسها بالوسطية وأنها تتبنى مطالب الشيوخ، وذلك في حملة تضليل تجعل من البيان دليلا على التطرف، في حين أن كل مطلع على البيان سيجد خلاف ذلك، حيث أن البيان جاء تعبيرا عن مسؤولية تجاه حدث الإضراب الذي يخوضه معتفلوا ما يسمى بالسلفية الجهادية ونجم عنه وفاة أحد المضربين، والذي دفع الهيئات الحقوقية إلى تنظيم جلسة عمل مع وزير العدل، وصدرت على إثره بيانات العديد من الهيئات تدعو لفتح الحوار مع المضربين، وعبر موقف الحركة عن سعي لطرح مباردة تخرج البلد من المأزق الذي دخلته بسبب من ذلك، لكن الطرف الاستئصالي لم يتردد في الرد على هذه المبادرة بموقف يعمق الشرخ ويهدد المغرب بمزيد من الارتهان لمنطق التوتر واللاستقرار والمزايدة. إن المغرب محتاج لموقف مسؤول تجاه هذه المزايدات الاستئصالية والتي تتعامى عن شهادات مختلف المنظمات الحقوقية الداخلية والخارجية في تراجع الوضع الحقوقي والمكتسبات الديموقراطية بسبب الحملة العشوالئية ضد الإرهاب، ولم توجد هيئة حقوقية واحدة ذات مصداقية عبرت عن خلاف ذلك، والجهات الاستئصالية لم تيأس، وما تزال تستغل الحدث لتجعل من ذكراه مطية لمقاصدها وأهدافها المعروفة، ولا تتواني في توظيف الضحايا والحفر على جراحهم وآلامهم بالشكل الذي تجعل من هذه الذكرى مناسبة لتجديد الفاجعة، لا للتخفيف من آثارها.