اصبح فى شبه المؤكد ان هناك دورا أمنيا مصريا فى قطاع غزة يعقب الانسحاب الصهيونى من القطاع فى اطار الشروط التى وضعها رئيس الوزراء الصهيونى ارييل شارون لتنفيذ الانسحاب من جانب واحد دون التزام باتفاقات سابقة او التفاوض على طبيعة الاوضاع الجديدة فى القطاع عقب الانسحاب . اجواء القرار جاء القرار المصرى الاخير بالمشاركة الامنية فى قطاع غزة بعد الفشل الصهيونى فى الاستمرار فى القطاع او استئصال المقاومة رغم مجازره التى ارتكبها بدءا من اغتيال الشهيد ين ياسين والرنتيسى ثم مجزرتى تل السلطان ورفح وفى ضوء قراتر شارون بالانسحاب من جانب واحد لفرض تصوره لمستقبل الفلسطينييين على جميع الاطراف دون الالتزام باى اتفاقات سابقة منذ اتفاق اوسلو 1994 الذى جاء بسلطة الحكم الذاتى وحتى خريطة الطريق التى اعلنت الاطراف الدولية الرئيسية التزامها بتطبيقها لضمان قيام دولة فلسطينية فى النهاية .كما جاء القرار المصرى كذلك فى ظل دعم امريكى كامل لسياسات وجازر شارون والتنصل من اى وعود امريكية سابقة بضمان قيام دولة فلسطينية سواء كان ذلك طبقا لاتفاق اوسو او خريطة الطريق . ومن هنا فالمطروح الان طبقا لشارون والادارة الامريكية هو الانسحاب من غزة باتباع سياسة الارض المحروقة امر-فى شكل طلب –من النظام المصرى بإيفاد قوات امنية بدعوى حفظ الامن فى القطاع وملء الفراغ الامنى الذى سيتركه الاحتلال بانسحابه-او اندحاره –من القطاع خاصة فى ظل القوة الكبيرة لحماس فى القطاع التى افشلت جميع مخططات الاحتلال الصهيونى وجعلت محمد دحلان رجل الاحتلال الصهيونى والادارة الامريكية الاول فى غزة يؤكد ان الحل هو مشاركة حماس فى ادارة القطاع للخروج من المأزق للسلطة فى القطاع التى لم يكن لها دور فى دحر الاحتلال ودفعه للانسحاب من القطاع والتى من الممكن ان تصطدم بالمواطنين الفلسطينيين فى القطاع الذين لهم خبرة سيئة مع سلطة اوسلو ويرى الفضل لفصائل المقاومة التى قامت على شئون المواطن الفلسطينى فى مواجهة الاحتلال . شروط القرار ورغم ان مصر وضعت شروطا ثلاثة لتنفيذ قرارها بالقيام بدور امنى فى غزة الا ان هذه الشروط تجميلية اكثر منها شروطا موضوعية بمعنى انها شروط دبلوماسية لا تنفى المأزق الذى سيضع فيه المصريون انفسهم فى حال القيام بدور امنى ظاهره حتى الان ضد المقاومة الفلسطينية ومصلحة الشعب الفلسطينى . فمصر اكدت انها ستقوم بدور امنى فى ظل شروط ثلاثة وهى : - انسحاب صهيوني كامل من قطاع غزة و منطقة الشريط الحدودي الفاصل (محور فيلادلفيا) ووقف سياسة الاغتيالات الصهيونية . - المشاركة بالخبرة الامنية بإيفاد 60 خبيرا امنيا لى غزة لتدريب الامن الفلسطينى –الرقم وصل الى 200 خبير وفقا لمصادر رسمية مصرية -. - إجراء تعديلات على الملحق العسكري في معاهدة السلام المصرية- الصهيونية، يتيح لمصر نشر المزيد من قوات حرس الحدود المصريين لمنع عمليات تهريب السلاح من سيناء الى غزة . اما ما لم تذكره المصادر رسميا فإن مصر طلبت من الرئيس الفلسطينى عرفات ضرورة توحيد الأجهزة الأمنية العشرة في 3 أجهزة (أمن وطني، وأمن سياسي، وشرطة فلسطينية)، وإسناد المسئولية الكاملة عن الأجهزة الثلاثة إلى وزير داخلية جديد خلفا لحكم بلعاوي "الموالي" للرئيس الفلسطيني. وهو ما أكده مصدر رسمى تعقيبا على ما قيل من ضغوط مصرية على عرفات للتخلى عن صلاحياته قائلا «لقد قلنا له-اى عرفات-أن يترك السيطرة على الجانب الأمني، وأن يصبح مثل الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا مناضلاً تاريخياً وطنياً شريفاً له وزنه ومكانته، وحاولنا إقناعه بذلك». مراحل التنفيذ كما ان مصر سترعى في الأيام المقبلة تحركات للتهيئة لدورها المرتقب فى غزة ومن هذه التحركات, لقاء بين الرئيس ياسر عرفات والقوى الفلسطينية للاتفاق على وقف المقاومة , يتبعه لقاء تستضيفه القاهرة لهذه القوى لاستكمال صوغ هذا الاتفاق, يتوج بلقاء بين شارون وقريع ويتبع ذلك توجه مجموعة من الكوادر الأمنية والفنية المصرية إلى غزة يتراوح عددها ما بين 150 إلى 200 ضابط وفني ومدرب تتولى الإعداد والتدريب والتجهيز للأفراد الفلسطينيين والكوادر الوسيطة ولمدة 6 أشهر كاملة. وبعد انتهاء عملية التدريب والإعداد ستتولى قوات الأمن الفلسطينية المدربة, حوالى 30 ألف فرد, المسؤولية الأمنية كاملة, على أن تظل قوة التدريب والتأهيل المصرية يساندها عدد من الكوادر والفنيين والمراقبين الدوليين على الأرض في غزة لتقويم الأداء والمراقبة والمتابعة. تداعيات ومحاذير هذا القرار المصرى رغم حملة النظام وجولات مسئوليه لضمان تطبيقه الا انه لا يخلو من تداعيات ومحاذير ستؤثر على الوضع فى غزة سلبا وعلى مكانة مصر وصورتها فى المنطقة ولدى الفلسطينيين خاصة وان هناك توجس وحذر فلسطينى فى غزة من ان يذهب احتلال صهيونى ويأت احتلال مصرى او تكون غزة شرك يراد ان ينصب لاطراف فلسطينية وعربية وهو ما لم ينكره الرئيس المصرى مبارك فى بداية الدعوات الصهيونية لدور امنى مصرى فى غزة بأن حذر من هدف تلك الدعوات لتكون غزة شركا لمصر يمكن ان تصطدم فثيه مصر بالفلسطينيين فإن لم تصطدم بهم اصطدمت بالاحتلال الصهيونى . محاذير الدور الامنى المصرى فى غزة تتلخص فى ثلاثة محاذير : الاول ان يتحول الدور الامنى المصرى فى غزة الى حماية لامن الكيان الصهيونى ومنع الفلسطينيين من المقاومة او حتى الثأر لشهدائهم الذين سقطوا حيث قدر عدد الشهداء الفلسطينيين فى غزة وحدها ب 110 شهيدا خلال شهر مايو 2004 ومن ثم فإن هذا الشهر يعتبر من أكثر الأشهر سقوطا للشهداء في القطاع منذ حرب عام 1967، حيث لم يسجل أي شهر من الأشهر في القطاع سقوطا للشهداء بهذا العدد الذي سقط هذا الشهر على مدار 37 عاما.وبذلك ارتفع شهداء القطاع منذ بداية العام الحالى حتى نهاية مايو الماضى الى 368 شهيدا يأتى على رأسهم الشيخ الشهيد احمد ياسين مؤسس وزعيم حركة المقاومة الاسلامية حماس والدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي قائد حماس فى غزة والشهيد وائل نصار قائد كتائب القسام فى غزة . الثانى الاصطدام المصرى بفصائل المقاومة الفلسطينية وذلك فى حال اصرار الفصائل على المقاومة او الثأر او استهداف المغتصبات-المستوطنات-الصهيونية التى ستظل باقية حتى نهاية عام 2005 على اقل تقدير طبقا لخطة الانسحاب الصهيونية . فخبراء الامن المصريين سيكونون بين التزامهم للصهاينة والامريكيين بوقف هجمات المقاومة وبين عمليات المقاومة الفلسطينية التى من الممكن ان تستمر خاصة اذا لم يحدث تقدم على الارض او تعود السلطة الى ممارساتها القمعية ضد فصائل المقاومة كما حدث فى احداث 1996 المأساوية التى استهدفت حركة حماس الا ان هذه الاحداث هذه المرة ستكون بإشراف ودعم مصرى وحينها قد لا يتقبل او يصبر الفلسطينيون على تلك الممارسات مثلما صبروا عليها عام 96 لاختلاف الظروف ولوجود طرف ثالث شريك للسلطة فيما يمكن ان تفعله . الثالث تحول الوجود الامنى المصرى الى احتلال جديد للقطاع بديل للاحتلال الصهيونى المندحر فالهدف الصهيونى من الوجود الامنى المصرى هو إحداث وقيعة بين الفلسطينيين ومصر لمعرفتهم الكاملة لاحتمال فشل السلطة الفلسطينية فى منع عمليات المقاومة ومن ثم فإن الوضع فى غزة يتطلب قدرات دولة لوأد المقاومة وليس لقدرات سلطة محلية لا تملك الا اسلحة الشرطة لا اسلحة جيش كما ان الامن المصرى ربما يتحول الى سلطة مباشرة لادارة الاوضاع فى قطاع غزة وتوجيه القرار الفلسطينى ومن ثم تتحول الى سلطة احتلال فعلية فى الوقت الذى يمكن ان تهاب او ترفض الفصائل الفلسطينية الانجرار الى صدام مباشر مع قوة بحجم مصر لاسباب كثيرة ومن هنا فإن الدور الامنى المصرى يتحول من كونه مساندة امنية للسلطة الفلسطينية الى احتلال جديد يحرك تلك السلطة او يحجمها يؤيد ذلك انجرار مصر خلف التصور الشارونى والامريكى –الذى اكدت انه ضغط على مصر لقبول وجود امنى - للأزمة فى غزة على انها مشكلة امنية لا سياسية ومشكلة شعب فلسطينى لا مشكلة احتلال تسبب فيما يحدث حاليا او كما حذرت حركة المقاومة الاسلامية حماس من " أن اعتبار المدخل الأمني الطريق لحل القضية الفلسطينية ضار ولا يخدم المصلحة الفلسطينية ويجب أن لا يستدرج أي طرف فلسطيني أو عربي لتحمل العبء الأمني مقابل الانسحاب، كما أن التعامل مع الشعب الفلسطيني على أنه المشكلة يشكل تجنيا ينبغي اجتنابه، فالمشكلة هي الاحتلال والعدوان المتواصل على أبناء شعبنا، وأن الاستقرار في المنطقة يبدأ بزوال الاحتلال ووقف العدوان". ضمانات القرار قرار الدور الامنى المصرى فى غزة يمكن ان يكون اخف وطأة ويتحقق له النجاح الذى تريده مصر بأقل قدر من الخسائر فى علاقتها بجميع الاطراف – خاصة الفلسطينيين -ويقوم هذا النجاح على التزام مصر بتغليب مصلحة الشعب الفلسطينى على الضغوط المفروضة عليها من الخارج فاستجابة مصر للضغوط الامريكية بناء على مطالب صهيوينة للقيام بذلك الدور يمكن ان يتحول الى مكسب للفلسطيين او كما يقول خضر حبيب الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي: "لا نريد أن يكون الدور المصري حاميا لأمن العدو، وإذا كان كذلك فإن شعبنا لن يقبل هذا الدور، وسينظر إليه بالريبة والشك. أما إذا كان هذا الدور مساندا لقضيتنا ولموقف شعبنا فإننا نعتبر المصريين أشقاءنا وإخواننا، ونود أن يكون الموقف المصري نابعا من المسئولية تجاه شعبنا وقضيته العادلة". وتقوم هذه الضمانات على مايلي: اولا الاتصال المصرى المباشر بفصائل المقاومة الفلسطينية لاطلاعها على طبيعة دورها المنتظر فى القطاع وضمانات عدم الصدام بعدم التعامل معهم بنفس منهج التعامل مع الاسلاميين فى مصر لاختلاف طبيعة الوضع فى غزة عن مصر وكذا طبيعة دور الاسلاميين فى كل منهما . فاسلاميو غزة يقودون المقاومة وعلاقتهم بباقى الفصائل وصلت لدرجة التعاون الكامل والتنسيق فى كل المجالات خاصة المقاومة وادارة الوضع فى القطاع وينتظر الفلسطينيون دورا لحماس بعد تحرير القطاع التى كان لها الدور الاكبر فى تحقيقه ومن ثم فإن احتمالات الصدام المصرى او عدم التنسيق مع فصائل المقاومة وعلى رأسها –حماس والجهاد-سيكون سببا رئيسيا لفشل دورها فى غزة والعكس صحيح. ثانيا :اشراك فصائل المقاومة فى ادارة القطاع بوصف ذلك حق لها وليس منحة من النظام المصرى او السلطة الفلسطينية . وهو ما اكده الرئيس المصرى مبارك الذى اكد ان "حماس فصيل وطنى مثل باقى الفصائل ولها حق المشاركة فى القرار الفلسطينى" ثالثا :عدم حصر القضية فى اطار امنى فقط بل هى قضية سياسية لها ابعاد اقتصادية واجتماعية . فهناك احتلال صهيونى يجب ان يرحل بالكامل عن القطاع وهناك مشاكل اجتماعية واقتصادية خلفها ورائه منها قضية اللاجئين والبيوت التى هدمها ونسبة البطالة العالية بين الفلسطينيين ومعدلات الفقر العالية والاعاقة بين صفوف الفلسطينيين واليتم والتشرد بسبب جرائم ومجازر الاحتلال الصهيونى . كل هذا الارث الذى سيخلفه الاحتلال الصهيونى سيكون عبئا ثقيلا على من سيتولى ادارة الاحتلال ودائما اعلى معدلات المشاكل فى الاقاليم المحتلة تكون بعد رحيل الاحتلال مباشرة. أن قضية الانسحاب الصهيونى من قطاع غزة والدور الامنى المنتظر يجب ان يتم وضعها فى اطارها الصحيح من انه اندحار صهيونى جاء نتيجة للمقاومة وليس لاسباب اخرى وان الكيان الصهيونى يحاول ان يخرج من هذا الانسحاب خروج المنتصر وليس المندحر ويتبع سياسة الارض المحروقة التى ان فشل فى تحقيقها منفردا استعان بأطراف اخرى لاستكمال ما قام به ان لم تعى طبيعة هذا الكيان واهدافه . رجب الباسل - القاهرة