أنهت البارحة إليزابيث تشيني، النائبة الأولى لمساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى ومنسقة مبادرات الشرق الأوسط الكبير، زيارة دامت ثلاثة أيام للمغرب، وذلك وسط جدل إعلامي دولي متصاعد حول مأزق السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم العربي والإسلامي، في الوقت الذي أقدم الاتحاد الأوروبي على إعادة صياغة خطته في مجال الديموقراطية بالعالم العربي، مؤكدا تميزه عن المشروع الأمريكي، في أي سياق جاءت هذه الزيارة؟ وماذا قدمت من عناصر جديدة في فهم تطورات السياسية الخارجية الأمريكية تجاه المغرب والمنطقة؟ ففي الوقت، الذي تتجه الإدارة الأمريكية إلى تسويق مشروعها في ما تسميه بالشراكة من أجل المستقبل، تأتي مواقفها إزاء كل من قضيتي فلسطين والعراق لتنسف تلك الجهود وتفضح صدقيتها، والمثال الأخير على ذلك المواقف المعلنة لكل من واشنطن من قبل الرئيس الأمريكي حول قضية المستوطنات وتبني المشروع الصهيوني الخاص بها، معتبرا أنه من غير الواقعي توقع أن تكون نتيجة مفاوضات الوضع النهائي عودة كاملة وتامة إلى خطوط الهدنة عام .1949 مما خلف ردود فعل قوية في المنطقة انضافت لأحداث يوم الأحد الماضي عندما أقدمت مجموعة صهيونية متطرفة على استهداف الأقصى لتعزز مناخ الرفض للمشاريع الأمريكية، وهو تطور لا يختلف عما كشفته صحيفة كريستيات ساينس مونيتور في الأسبوع الماضي عن حجم الفساد المتنامي في ظل الاحتلال الأمريكي بالعراق، وهو ما يعني أن قراءة زيارة المسؤولة الأمريكية المشرفة على مبادرات الشرق الأوسط الكبير بمعزل عن هذا السياق هو بمثابة قراءة مختزلة ومتفائلة، وقاصرة عن استيعاب الوجه الآخر لهذه السياسة. الملاحظ أن زيارة المسؤولة الأمريكية عرفت تنظيم مباحثات متعددة ومكثفة تدل على اهتمام بالغ بالمغرب في المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الكبير، كما أن نوعية اللقاءات التي تمت على الصعيد الحكومي، تكشف هي الأخرى عن رهان أمريكي متقدم على النموذج المغربي في تسويق هذا المشروع والدعاية له، فضلا عن مواكبة الزيارة بدعاية إعلامية مثيرة بعد أن عرفت الأيام الماضية تناولا إعلاميا متزايدا لموضوع النشاط العسكري الأمريكي بالمغرب والمناورات الأخيرة بطانطان، وما تردد داخل وخارج المغرب حول مشروع قاعدة عسكرية أمريكية بالساحل الأطلسي له. طيلة يومي الاثنين والثلاثاء نظمت سلسلة مباحثات بين المسؤولة الأمريكية والمسؤولين المغاربة، بدءا من الوزير الأول إدريس جطو وانتهاءا بوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق مرورا بكل من وزير الخارجية أحمد بنعيسى وكاتبة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين ياسمينة بادو، مما دل على تعدد أجندة الإدارة الأمريكية في تنزيل هذا المشروع، سواء قضايا المقاولات ومحاربة الفقر ودور الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حسب ما طرح في مباحثاتها مع الوزير الأول، أو ما يرتبط بقضية المرأة ومشروع قانون الأحزاب والعلاقة مع المجتمع المدني وفق ما نقلت قصاصة لوكالة الأنباء المغربية عن ياسمينة بادو أو بموضوع كيفية تدبير الشأن الديني بالمغرب في مباحثاتها مع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، والذي ذكر أن المسؤولة الأمريكية أعجبت بنموذج المغرب، وتساءلت إن كان بالإمكان إعادة إنتاجه في بلدان أخرى، ولا يختلف ذلك عن موقفها بعد لقائها بالوزير الأول من أن المغرب يعد بلدا رائدا في إفريقيا والشرق الأوسط، في ما يتعلق بالإصلاحات. يصعب على المتتبع لمسار العلاقات المغربية الأمريكية أن يتجاهل هذه الزيارة، رغم أنها لم تعرف إعلان أي برنامج مستقبلي أو توقيع أي اتفاقية في مجال من مجالات المبادرة، باستثناء ما أعلن من قيام الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بضمان قرض لمؤسسة زاكورة بقيمة 42 مليون درهم يهم مشاريع القروض الصغرى مقدم من الشركة المغربية العامة للأبناك بالمغرب، حيث ترأست المسؤولة الأمريكية حفل التوقيع على منح القرض، وهو نفسه نشاط يكشف عن تطور حجم النشاط الأمريكي بالمغرب، والذي يظهر أنه انتقل للقيام بأعمال الضمان في السوق المالية لتوفير التمويل لما يدعو له بعد أن كان في السابق مضطرا لجلب تلك التمويلات من الخارج!، إلا أنه في المقابل نجد أن هذه الزيارة لم تكن عادية، بل دلت على أن الانشغالات والتوجهات الأمريكية في توسع مستمر لتطال بشكل تدريجي مختلف المجالات الحيوية بالمغرب، وأنه أصبح أرضية لاختبار تلك التوجهات وتعميق ربطه بها قبل تسويقها وتعميمها على بقية الدول، وهو شيء لم تتردد المسؤولة الأمريكية في التصريح به بوضوح كامل، وهو ما يزيد من حجم التحديات المطروحة على السياسة الخارجية المغربية في التعامل مع هذه التطورات خاصة وهي تسير في اتجاه رهن جزء مقدر من السياسة الوطنية بالمشروع الأمريكي. مصطفى الخلفي