على بعد أربعة أيام ستنعقد القمة العربية العادية ببيروت، بحضور ملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية، وسيسبقها غدا لقاء تحضيريا لوزراء اقتصاد هذه الأخيرة لبحث عدد من القضايا على رأسها بحث سبل تعزيز وتقوية المبادلات بين الدول العربية، والدفع بمشروع المنطقة العربية للتجارة الحرة. فما هي الظروف التي تنعقد فيها هذه القمة؟ وهل ستكون في مستوى تطلعات الشعوب العربية والإسلامية؟ وهل ستكون القمة اسما على مسمى، فتكون قمة التفكير الاستراتيجي العربي الإسلامي في التعامل مع الوضع المزري للأمة العربية والإسلامية، والقهر الأمريكي للمستضعفين؟ أم أنها ستتيه في حديث السلام المكرور وتحصر نفسها في دائرة المبادرة السعودية؟ ظروف انعقاد القمة تأتي القمة العربية العادية الرابعة عشر (والتي ستستضيف 1800 مندوب عوض 800 مندوب في قمة عمان 2001) في وقت يعاني فيه الشعب الفلسطيني أبشع أنواع التقتيل والتخريب الصهيوني، والتهديم لمؤسساته والحصار لرموزه وقياداته، ومحاولات ظاهره وباطنه لوأد الانتفاضة الشامخة، وكذا إطلاق الأمير عبد الله ولي العهد السعودي لما سمي بخطة السلام. وفي وقت تستعد فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية لتوجيه ضربة عسكرية للعراق، الأمر الذي فرض عليها وبعد سكوت طويل على المجازر الصهيونية في حق الفلسطينيين العزل، التراجع عن قرار الصمت. إرسال مبعوثها أنتوني زيني إلى المنطقة ليعنف بشكل خفيف الجنرال شارون ويضغط عليه بفتح الباب لتحرك عرفات و السماح بتوجهه للخارج وحضور القمة العربية، بعدما تفرجت على احتجازه في رام الله طويلا، وسحب قواته من الأراضي الخاضعة "للسلطة" الفلسطينية. ثم قيامها باستصدار القرار رقم 1397 من مجلس الأمن الدولي يقضي بإقامة الدولة الفلسطينية. خطوات أمريكية مفاجئة لم تأتي لرغبة صادقة في تسوية الصراع العربي الإسلامي الصهيوني ولكنها نتاج ما يلي: أ تصعيد الانتفاضة ودخولها أطوارا متقدمة قد تربك الحسابات الأمريكية والصهيونية، وظهور بوادر تضامن عربي وتذمر واسع من سياساتها قد يضر بمصالحها. ب خوفها من مزاحمة الاتحاد الأوروبي ومبادرته، وهي الحريصة كما يقول "ستيفن روبنسن" الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة سان فرانسيسكو": حريصة على زعامة العالم وخاصة الشرق الأوسط. ج رغبتها في تهدئة الوضع وإيقاف العمليات الاستشهادية، ومنع كل أشكال الدعم لها والتأثير على قمة بيروت في أفق ضمان تأييد عربي لضرب العراق. وهو ما يفسر تزامن جولة زيني للأراضي المحتلة مع جولة شيني على مجموعة من الدول العربية منها أربعة مجاورة للعراق، وكأن ديك تشيني على حد تعبير ذ عبد الباري عطوان يقول لحلفائه في الأنظمة العربية التي زارها، "ساعدونا للإطاحة بالنظام العراقي ونعدكم بقيام دولة مست قلة في فلسطين". المبادرة السعودية بين ترحيب العرب ورفض "إسرائيل" جاءت مبادرة الأمير عبد الله ولي العهد السعود والتي سماها البعض الفرضة الأخيرة في وقت يبحث فيه الجميع عن مخرج من مأزق عدم التزام الصهاينة بكل الاتفاقيات والتنكيل بالشعب الفلسطيني من جهة ومن تصاعد حدة الانتفاضة وتزايد العمليات الاستشهادية بشكل أصبح بقض مضجع المستوطنين من جهة أخرى. وتقوم هذه المبادرة على مبدأ التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل. من الأراضي المحتلة سنة 1967، وصفت بأن فيها مرونة كبيرة حول ترسيم الحدود وحق عودة اللاجئين وغيرها. المبادرة لقيت ترحيبا واسعا من الدول العربية باستثناء تحفظ سوريا أثناء زيارة الرئيس بشار الأسد للرياض يوم 2002/3/5 الذي طالب بسحب كلمة التطبيع. لم تتكلم عن السلام الكامل ولا العادل فضلا عن رفض دولة الصهاينة الاعتراف بحق العودة وفقا لقرار الأممالمتحدة رقم 194 وعدم قبول تحفظ سوريا حيث اعتبر الناطق باسم حكومة شارون أن سحب كلمة التطبيع لا يترك شيئا في المبادرة السعودية. وهو ما سبق وأن أشار إليه الشيخ حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني في خطاب له في المؤتمر العربي العام الثاني الأسبوع الماضي لما قال: "في مبادرة السلام لن يقرأ الإسرائيلي إلا نصف الصفحة كما لم يقرأ بوش من مبادرة الأمير عبد الله إلا التطبيع أما الانسحاب وغيره فهو للتفاوض"، متمنيا أن تتعامل القمة العربية مع قضية الانتفاضة في فلسطين على أنها مأزق شارون وليست مأزق الحكام والأنظمة العربية مطالبا إياهم ألا يعطوا شارون فرصة البقاء التي يريد أن يمنحه إياها زيني وتشيني. الاتحاد الأوروبي وبعد نقاش طويل بين أعضائه هو الآخر لم يكن مخالفا للرأي الأمريكي وساند مبادرة ولي العهد السعودي، مطالبا بتفعيل القرار 1397 القاضي بإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية قادرة على العيش ومستقلة عبر وضع حد للاحتلال القائم منذ 1967(وضمان حق إسرائيل في العيش داخل حدود آمنة؟!!) القمة العربية وانتظارات الشارع العربي يتسائل المواطن العربي المسلم والقمة العربية على وشك الانعقاد إلى أي حد ستعكس قراراتها نبض الشارع العربي المسلم وتتجاوب مع رغبته في كرامة وعزة وطنه وتنظيف الأقصى من رجس الصهاينة أم أن "اللاءات" التي أطلقت إبان زيارة تشيني سرعان ما ستتحول إلى موافقات. وإلى أن يلتقي زعماء الدول العربية والإسلامية يوم 26 و27 مارس الجاري فإن المواطن العربي المسلم ينتظر منها: 1 السماح للشعوب العربية والإسلامية بممارسة حقها في التعبير عن رفضها لسياسة الاستئساد الأمريكي في العالم الإسلامي بالخصوص وحماية الصهاينة وغض الطرف عن جرائمهم. 2 السماح لها كذلك بكل أشكال الدعم للانتفاضة الشامخة. 3 إعلان موقف واضح وجريء في رفض توجيه ضربة عسكرية أمريكية للعراق. 4 التسريع بتفعيل التكامل الاقتصادي العربي الإسلامي. 5 عدم قبول أي مبادرة لا تتضمن الحقوق العربية الكاملة من حق العودة والانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة. 6 رفض أي تطبيع وإلغاء كل الاتفاقيات التي تمت مع دولة الصهاينة وإيقاف كل الاتصالات والعلاقات وإدانة كل من خرق هذا المطلب. 7 التغلب على الخلافات الداخلية وحلها بالحوار المستمر. وغيرها من القرارات والمواقف التي من شأنها أن تخلط حسابات الإدارة الأمريكية وتفرض عليها إعادة النظر في طبيعة تعاطيها مع العالم العربي الإسلامي، وطريقة إدارة الصراع في ما يسمى بالشرق الأوسط. خلاصة: ارتفاع حرارة الانتفاضة وتصاعد العمليات الاستشهادية الفلسطينية وتزايد تذمر المسلمين من العربدة الأمريكية عناصر اجتمعت لتشكل فرصة تاريخية لا تعوض لتصحيح الوضع في العالم الإسلامي ووضع "مسلسل التسوية" والتفاوض على أرضية جديدة. فهل ستستثمر القمة العربية هذا الظرف أم أنها ستطيل عمر الصلف الصهيوني والعبث الأمريكي بالأمة العربية المسلمة أم ستنجح الجولة الأمريكية والإجراءات المسرحية في محاصرة القمة وإفراغها من محتواها فيصدق علينا المثال القائل: "من الخيمة خرج مائلا". محمد عيادي