بالرغم من الجهود المبذولة في مجال النهوض بحرية الصحافة بالمغرب واحترام استقلاليتها وتعزيز التعددية وإرساء ضمانات الحماية، إلا أن من بين أكبر التحديات التي ما زالت تقف أمام هذا المسلسل الإصلاحي، وكما أكد ذلك مؤخرا الوزير الوصي على القطاع، تتمثل في تسجيل حالات تم فيها ربط منح الإشهار بالخط التحريري للجريدة. فهل عندنا حرية حقيقية للصحافة في المغرب؟ وهل بإمكان الصحافيين قول كل شيء في وسائل الإعلام المختلفة دون تدخل أو رقابة من السلطات؟ أسئلة كثيرة تطرح علينا نحن معشر الصحافيين والناشرين في أكثر من مناسبة ، والحقيقة المضحكة المبكية أن حرية الصحافة في المغرب لا علاقة لها بالقوانين المنظمة لها ، بقدر ما أصبحت تخضع لرقابة بعض كبار المعلنين. في جلسة لي مع أحد أقدم ناشري الصحف بالمغرب، أخبرني بأنه لا يستطيع الكتابة في مواضيع حساسة، ليس خوفا من الدولة، ولكن خوفا من بعض المعلنين لكي لا يغلقوا صنبور الإشهار على مقاولته الصحافية. حادثة أخرى، وفي نفس السياق، حين نشر زميل لنا في افتتاحية جريدته أرقاما حول نسب الإشهار المتدنية لشركات الاتصالات بالمغرب بالجرائد الورقية مقابل المبالغ الضخمة التي يضخونها في الوسائط الإعلامية الأخرى ، فكانت النتيجة أن تم إيقاف عقوده الاشهارية من طرف شركة للاتصالات الهاتفية بسبب تجرئه الكتابة على مجال الاتصالات الذي أريد له أن يرقى إلى مرتبة "المقدسات". إن الورش الكبير المفتوح في مشروع مدونة الصحافة والنشر الذي تميز بإلغاء 26 عقوبة حبسية الموجودة في القانون الحالي لا يمكننا إلا تشجيعه والتصفيق له، إلا أن السجن إن كان يوقف حرية الناشر والصحافي في الكتابة ، فإيقاف الإشهار يحكم على المقاولة الصحافية بالاندثار، وعلى العاملين فيها بالتشرد. النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحفية غير محتاج إلى مزيد من الهشاشة ، حيث أن"الشونطاج" الذي يمارسه بعض المعلنين سيبقي فقط على الصحافة التي تعالج القضايا الباردة، أما الصحافة التي "تُحْرِج" فمحلها خارج هذا المشهد الإعلامي.