رغم صور الوحشية والتعذيب التي تناقلتها الصحافة الأمريكية والبريطانية في اليومين الأخيرين، كرر الرئيس الأمريكي جورج بوش أول أمس التأكيد أن «الولاياتالمتحدة ستنجز عملها في العراق، وأن ديمقراطيته ستنتصر، وأن نجاح الديمقراطية العراقية سيبعث برسالة إلى المنطقة من دمشق إلى طهران، مفادها أن الحرية يمكن أن تكون مستقبل أي بلد». واعتبر بوش، بأسلوب يقلب الحقائق والمسميات، أن «حياة العراقيين بعيدة مسافة سنوات ضوئية عن وحشية وفساد نظام صدام». وزاد: «لم تعد هناك غرف تعذيب أو غرف اغتصاب أو مقابر جماعية في العراق»! وجاءت تصريحات بوش في كلمة إذاعية بثت بعد تفجر فضيحة صور التعذيب في سجن أبو غريب في العراق، نهاية الأسبوع الماضي. وكشفت مجلة نيويوركر أن المعتقلين العراقيين واجهوا العديد من الانتهاكات الجنائية السادية والسافرة والخليعة على يد سجانيهم الأمريكيين، منها اللواط والضرب، وقالت: «إن هذه الممارسات قد تكون صدرت بناء على أوامر من الاستخبارات العسكرية الأمريكية». الإدارة الأمريكية كانت على علم بالانتهاكات وذكرت مجلة نيويوركر في موقعها الإلكتروني السبت الماضي، أنها حصلت على تقرير داخلي خاص بالجيش الأمريكي، مؤلف من 53 صفحة حول الانتهاكات التي تمت بسجن أبو غريب، الواقع على مشارف العاصمة العراقية بغداد. وأكدت المجلة أن هذا التقرير أجازه الجنرال ريكاردو سانشيز، قائد القوات البرية الأمريكية في العراق، واستكمل في فبراير .2004 وكشف تقرير الجيش الأمريكي قائمة انتهاكات مثل «كسر مصابيح الإضاءة بالزنازين وصب السوائل الفسفورية على المعتقلين، وضربهم بعصا المكنسة والكراسي، وتهديد الرجال منهم بالاغتصاب، والسماح لحارس من الشرطة العسكرية بخياطة جرح أحد المعتقلين، الذي أصيب بعد أن جرى دفعه على الجدار في زنزانته، ووضع مصباح كيماوي، وربما عصا مكنسة في مؤخرة معتقل آخر، كما قام بعض الجنود باغتصاب أحد المعتقلين». وأعد التقرير الجنرال أنطونيو تاجوبا، وأورد أدلة تضمنت «تصريحات مفصلة من الشهود وصورًا فوتوغرافية تصور الوضع إلى حد كبير». وأوصى تاجوبا بعقوبات إدارية في حق ضابطي استخبارات على الأقل يعملان في السجن. وقال الصحفي سيمور هيرش، الذي كتب تقرير مجلة نيويوركر وتمكن من الاطلاع على رسالة كتبها السيرجنت إيفان فريدريك في يناير 2004: «إن أجهزة الاستخبارات العسكرية هي التي أصدرت أمرًا بهذه الممارسات». واستند هيرش إلى ما جاء في الرسالة من أن فريدريك «طرح أسئلة حول أمور شاهدها في السجن»، مشيرًا إلى أن الجواب الذي حصل عليه هو أن «الاستخبارات العسكرية تريد أن تجري الأمور على هذا النحو». وأفاد فريدريك أن ضباطًا في الاستخبارات العسكرية هنأه مع جنود آخرين على العمل الجيد الذي تم إنجازه مع المعتقلين. وكتب «الآن باتوا يحصلون على نتائج إيجابية ومعلومات». تأكيدات الجنرال جانيس كاربينسكي في أبوغريب" وتأكيدًا لتلك الأنباء، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أمس أن الجنرال جانيس كاربينسكي، التي كانت تشرف على الجنود الذين نشرت صورهم وهم يسيئون معاملة معتقلين عراقيين، أكدت أن ذلك القسم من السجن، الذي جرت فيه إساءة معاملة المعتقلين، كان يخضع للإشراف المباشر لضباط الاستخبارات العسكرية، وليس لإشراف الجنود الذين كانوا تابعين لإمرتها. وكانت الجنرال جانيس كاربينسكي أوقفت في يناير 2004 عن العمل كقائد للواء الشرطة العسكرية ال800 أثناء التحقيق معها، وأكدت جانيس كاربينسكي أنها تعتقد أن القادة العسكريين يحاولون تحويل اللوم عن ضباط الاستخبارات، الذين ما زالوا يعملون في العراق، وإلقاءه بالكامل عليها وعلى غيرها من الجنود. وقالت كاربينسكي: إن هذا القسم المعروف باسم 1 إيه من السجن مؤلف من حوالي 20 قسمًا من الزنزانات في مجمع السجن الضخم، وكان يحظر دخوله على الجنود الذين لم يكونوا مشاركين في التحقيقات، بما في ذلك أفراد الشرطة العسكرية، الذين كانوا تحت إمرتها. وأكدت أنها لا تدافع عن الجنود الذين كانوا خاضعين لإمرتها ممن شاركوا في هذه الأعمال الوحشية، إلا أن ما أزعجها هو أنه لم يتم تسليط الضوء على دور وحدة الاستخبارات العسكرية في الجيش، التي كانت تشرف على القسم 1 إيه من السجن، حيث كان جنودها يحرسون المعتقلين العراقيين في الفترات الفاصلة بين التحقيق معهم. وأشارت كاربينسكي إلى أن موظفي وكالة الاستخبارات المركزية سي آي إيه شاركوا في الكثير من التحقيقات التي جرت بالسجن. وقالت صحيفة الجارديان البريطانية إنه تم توجيه التهم رسميًّا إلى 6 عسكريين أمريكيين بإذلال المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب قرب بغداد. وأشارت الصحيفة إلى أنه بحسب اليوميات، التي بدأ فريدريك كتابتها في يناير 2004 عند فتح تحقيق في الجيش بهذا الشأن، فإنه كان يطلب من الجنود إخضاع المعتقلين لأقصى حد ممكن من الضغوط للحصول على معلومات منهم، وقام الجنود خلال شهر نونبر 2003 «بممارسة قدر كبير من الضغط على أحد المعتقلين إلى حد أنه توفي». وفي بريطانيا، فتحت فضيحة تعذيب الأسرى العراقيين في سجن أبو غريب من قبل قوات الاحتلال الأمريكي الباب أمام فضيحة مماثلة في بريطانيا، إذ نشرت صحفية ديلي ميرور البريطانية في اليوم نفسه (السبت الماضي) صورًا تظهر جنديًّا بريطانيًّا وهو يتبول على أسير عراقي مكبل بالقيود. وأمرت وزارة الدفاع البريطانية أول أمس بالبدء في تحقيق فوري في قيام جنود بريطانيين بإساءة معاملة معتقل عراقي بعد نشر صحيفة ديلي ميرور صور التعديب. هيئة علماء المسلمين: ما خفي أعظم وقال الشيخ حارث الضاري، رئيس السنة بالعراق، من جانبه أمس لقناة الجزيرة الفضائية إن الإدارة الأمريكية كانت تعلم بما كان يجري في سجن أبو غريب، وأن ما تم الكشف عنه هو النزر القليل مما يعيشه السجناء العراقيون في أبو غريب، الذين يتهمون بالمقاومة، وهو الأمر الذي أكده ناشط حقوقي عراقي قال إن تلك التجاوزات كانت تقع منذ دخول الاحتلال الأمريكي البريطاني أرض العراق، وأكد أن هيئته كانت تبلغ ما يسمى الحاكم المدني بالعراق بول بريمر. ويحتجز الجيش الأمريكي عشرات الآلاف من المعتقلين في سجن أبو غريب معظمهم اعتقلوا للاشتباه في قيامهم بهجمات ضد القوات التي يقودها الاحتلال الأمريكي بالعراق. وكان الجيش الأمريكي أعلن يوم 20 مارس 2004 أنه وجه اتهامات جنائية إلى 6 من جنود في لواء الشرطة العسكرية 800 يمكن أن تقود إلى محاكمات عسكرية. وترتبط الاتهامات، التي أسفر عنها تحقيق بدأ في يناير 2004 بانتهاكات جرت في نونبر ودجنبر عام 2003 ضد نحو 20 معتقلاً عراقيًّا بسجن أبو غريب. عبدالرحمان الهرتازي