لم يعد هناك إلا عدد ضئيل جدا من المحللين العسكريين أو السياسيين يختلف الآن مع مقولة أن امريكا خسرت الحرب في العراق وأنها ستتكبد نتيجة لذلك مزيدا من النكسات خاصة على الصعيدين السياسي والإقتصادي والإستراتيجي. المحافظون الجدد في واشنطن يحاولون بكل الطرق عكس مسار الأحداث إن لم يكن لكسب الحرب فعلى الأقل لتخفيف آثار وإنعكاسات النكسة. ما يسمى بالإنتخابات التي تجري في ظل الإحتلال ومهزلة محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين تدخل في نطاق هذه المحاولات. قبل بدء مهزلة المحاكمة التي تجري في المنطقة الخضراء في بغداد منذ 19 أكتوبر حذر خبراء أمريكيون ودوليون من الآثار السلبية التي ستتمخض عن هذه المسرحية مؤكدين غياب كل شرعية عنها ومع ذلك أصرت إدارة الرئيس بوش على المضي قدما. بعد اسابيع من بدء المهزلة ثبتت توقعات الخبراء وزاد تخبط واشنطن. الآن تحاول إدارة بوش توزيع مسؤولية فشلها والتدخل بشكل فظ في شؤون دول العالم ووسائل إعلامه حتى تساير أكاذيبها. يوم 13 ديسمبر 2005 اتهمت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس الاسرة الدولية بعدم الاهتمام بمحاكمة الرئيس العراقي وبعدم قيامها بما يكفي لملاحقته أمام القضاء. ولم تحدد رايس الدول التي شملها اتهامها ولم توضح ما تقصده بعدم الدعم الكافي. وأضافت في خطاب القته أمام معهد للأبحاث في واشنطن انا آسفة لأن اقول إن الأسرة الدولية لم تقم عمليا بأي شيء للمساعدة على ملاحقة صدام حسين، وقالت رايس كون الأسرة الدولية تقاطع محاكمة صدام فهذا سيكون له نتائج سلبية على الشعب العراقي . تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية تعكس عقلية المحافظين الجدد الذين يصدقون الأكاذيب التي يطلقونها ويروجون لها، وفي مقدمتها أكذوبة الإعلام الحر التى أطلقتها الغوبلزية الغربيةالجديدة وصدقتها، لا بل جعلت الملايين يصدقونها فى العالم أجمع. كيف لا وقد قام الإعلام الغوبلزي أصلاً على مقولة:اكذبوا ثم اكذبوا حتى تصدقوا أنفسكم؟ تصريحات رايس جاءت بعد ساعات من إتهام الرئيس الأمريكي جورج بوش محطات تلفزة عربية -لم يسمها- بمحاولة تشويه صورة الولاياتالمتحدة من خلال تقديمها كعدو للإسلام، متجاهلا مرة أخرى ما كشفت عنه صحيفة الديلي ميرور البريطانية في شهر نوفمبر 2005 بشأن خطة أمريكية لقصف مقر الجزيرة في قطر وبعض مكاتبها في الخارج. امريكا المحافظين الجدد بعد أن إنفردت بصفة القوة الأولى في العالم تحاول التحكم في كل شيء في العالم ليلائم سياسة هيمنتها وتوسعها، وقد ذهب ضحية ذلك العديد من صحفييها وصحفها فقد كشف تقرير أصدرته لجنة حماية الصحفيين يوم الثلاثاء 13 ديسمبر أن الولاياتالمتحدة تحتل المرتبة السادسة على مستوى العالم في احتجاز الصحفيين حيث تتساوى بذلك مع بورما واوزبكستان. وأشار تقرير اللجنة التي يوجد مقرها في نيويورك، إلى ارتفاع عدد الصحفيين الذين تحتجزهم واشنطن في السجون الأمريكية في العراق وغوانتانامو وكوبا لأسباب تتراوح بين إفشاء أسرار رسمية والعمل ضد مصالح الدولة. وقالت المديرة التنفيذية للجنة حماية الصحفيين يزعجنا ارتفاع أعداد الصحفيين المسجونين خصوصا حينما تكون الولاياتالمتحدة من أكثر الدول انتهاكا لحرية الصحفيين في الوقت الذي تتساوى فيه مع اثيوبيا . واقع ما يسمى بالتوجه الديمقراطي الذي تريده أمريكا كشف عنه منذ مدة وزير العدل الأمريكي السابق رامزي كلارك عندما أراد فضح الجرائم التي ترتكبها حكومة بلاده ضد الشعب العراقي. ولكنه وجد كل أبواب الصحف والمجلات والاذاعات والتلفزيونات موصدة فى وجهه، حتى الاعلانات المأجورة بدفع فوري رفضت. فالسيطرة الصهيونية شاملة. لعل أكثر ما يزعج رايس وهي تلوم العالم كله تقريبا على عدم تبني الكذب الأمريكي، هو أن الرأي العام الدولي يصدق خصوم الإدارة الأمريكية رغم أنهم لا يتوفرون على إمكانيات أمريكا ووسائل دعايتها. في مقدمة المزعجين لواشنطن في مهزلة المحاكمة رمزي كلارك الذي أكد أن المحاكمة من أصلها غير شرعية وتناقض كل أحكام القانون الدولي مضيفا ان افادات الشهود مفبركة، وأكد ان المحاكمة لا يمكن ان تستمر امام هذه المحكمة طالما ان هذه الاخيرة لا تعتبر شرعية . واضاف ان شرعية هذه المحكمة تطرح الكثير من المشاكل. ان المحكمة انشأتها الولاياتالمتحدة وقد انفقت مئات ملايين الدولارات لهذه الغاية . المحاكمة التي تدافع عنها رايس تكلفت بنقل المقاطع المختارة منها الى التلفزة ووسائل الإعلان الأخرى شركة أمريكية تحت الرعاية والإشراف المباشرين لوكالة المخابرات الأمريكية التي كانت آخر فضائحها السجون الطائرة وعمليات التعذيب في أوروبا ودول أخرى. ثورة رايس وقبلها بوش جاءت مباشرة بعد تناول كل وسائل الإعلام بشكل موسع ما كشفه أحد محامي الرئيس العراقي وهو عصام الغزاوي بعد عودته من بغداد حيث قدم صورة اكثر دقة لما لم يظهر على الشاشات محملا بمجموعة من الوثائق والاوراق الخاصة بالرئيس صدام، بما فيها شهادة مكتوبة ونص قصيدة كتبها بلغة غير متماسكة معبرا فيها عن ما يخالج نفسه في الاعتقال تارة وفي حضوره جلسات المحاكمة الاولى تارة أخرى وفي تعليقه على عدم حضور رولاند دوما وزير الخارجية الفرنسي الأسبق وهو أيضا رئيس المجلس الدستوري الاعلى جلسات محاكمة صدام حسين بسبب رفضه لان يتم نقله من المطار إلى الفندق الذي سيقيم فيه ببغداد بسيارة تحمل العلم الأمريكي، قال الرئيس العراقي وفقا للغزاوي علي هذا الرفض ممتاز عفيه عليه . وحول محاكمة الرئيس العراقي، ينقل الغزاوي أيضا ان الرئيس صدام يعتقد انه يستحق المحاكمة لو كان خضع للأمريكيين وليس لانه لم يخضع لهم ، مشيرا إلى أن مشكلة الإدارة الامريكية فيما يتعلق بمحاكمته هي ظنها انه بتحييده ستنتصر أو حتى ستخف المقاومة، وقال الرئيس أنا مجرد شخص.. سيخرج لهم مثلي كل يوم آلاف العراقيين . وفي السياق ذاته يشير الغزاوي إلى أن الرئيس العراقي كشف له عن قبر دفنت فيه إيران اربعمائة عراقي في قبر جماعي واحد بعد عدوان الحلفاء عام 1991م، بالاضافة إلى استهداف الايرانيين للطيارين العراقيين بعد الاحتلال الأمريكي. وقال ان محاولة اغتياله جرت ابان الحرب العراقية الايرانية فهل ينتظرون منا ان ننثر الورد على رأس الخونة. اما فيما يتعلق بقضية حمل الرئيس العراقي للمصحف الشريف، فأشار الغزاوي إلى أن الرئيس صدام حرص على حمله اينما ذهب، رغم الضغوط التي تعرض لها من قبل المحكمة والأمريكان بهدف ثنيه عن حمل المصحف أو استبداله بمصحف آخر الا انه رفض ذلك، ولفت إلى أن الرئيس صدام قد دخل في صراع مع الأمريكيين وقضاة المحكمة حول مصحفه الشخصي. مشيرا إلى ان صدام اخبره بقصته مع هذا المصحف تحديدا والذي حرق طرف من اطرافه الأربعة واخترقته شظية من الغلاف إلى الغلاف دون ان تمس أي كلمة منه. يمكن للإدارة الأمريكية أن تحتج كما تشاء وأن تهاجم من تشاء، ولكن أكاذيبها ستسقط في الوحل كما سقط جيشها في المستنقع العراقي.