لم نكن بحاجة إلى ما نقلته صحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية عن مصادر استخبارية أمريكية بشأن تضخيم حكاية الزرقاوي حتى نوقن بأن في الأمر ما فيه من ألعاب استخبارية تتراوح بين الإعلام والسياسة والحرب. لم نكن بحاجة إلى التقرير المذكور لسبب بسيط هو أننا نشاهد الزرقاوي يومياً عقب كل عملية قصف تشنها الطائرات الحربية الأمريكية على مواقعه في الفلوجة وسامراء وبعقوبة وشارع حيفا في بغداد، إذ ما أن تنهي الطائرات مهمتها حتى تبدأ عمليات انتشال جثث المجاهدين التابعين للزرقاوي، والتي تتشكل من أعداد من الأطفال والنساء والشيوخ الذي شاء القدر أن يكونوا في تلك البيوت ساعة القصف. في ذات الوقت الذي ندرك فيه أننا إزاء سياسة عقوبات جماعية تستهدف ضرب الحاضنة الشعبية والاجتماعية للمقاومة، فيما تجد ذريعتها في حكاية الزرقاوي. كل التقنيات الأمريكية من رادارات وكاميرات ومصورين وجواسيس لم توفر لنا عقب أية عملية قصف صوراً لرجال الزرقاوي وهم يستخرجون من تحت الأنقاض، مع أن وجود مقاتلين في بعض البيوت المستهدفة لا يعني بالضرورة أنهم من أتباع الزرقاوي، ففي الفلوجة على سبيل المثال مجلس يضم فصائل المقاومة ويسمى مجلس شورى المجاهدين، يتشكل من حوالي عشرة فصائل، وهؤلاء جميعاً لا يخضعون للزرقاوي، حتى لو وجد من بينهم من يؤمن بخطه السياسي أو له صلة مباشرة معه. لن نتورط كما فعل آخرون في نفي وجود الرجل، فنحن ندرك أنه موجود وله أتباعه وله فصيله وله دوره، لكن الأمر يتعلق بلعبة التضخيم، وحيث يراد وضع الرجل في مرتبة العقل المدبر للمقاومة أو القائد العام لها في بعض الأحيان، الأمر الذي يعني أنه الوحيد القادر على تحديد بوصلتها السياسة، حتى أن إحدى الصحف قد أتحفتنا قبل أسابيع بتفاصيل استراتيجيته القائمة على "أممية" إسلامية تبدأ بالعراق ثم تمتد لتطال الدول العربية والإسلامية قاطبة!! نعود إلى شهادة "الديلي تلغراف" في مسألة الزرقاوي نقلاً عن المصادر الاستخبارية الأمريكية. ونذكّر هنا بأن الصحيفة ليست متهمة في توجهاتها السياسية، فهي ابتداءً صحيفة يمينية ذات ميول صهيونية واضحة، كما أنها من المؤيدين المتحمسين للحرب على العراق. مصادر الاستخبارات العسكرية الأمريكية التي نقلت عنها الصحيفة قالت إن هدف حكاية الزرقاوي هو إيجاد "شخصية شريرة" للاستهلاك المحلي في الولاياتالمتحدة. وتحدثت تلك المصادر عن "محاولات للترقيع والتزويق لكي يسمع الأمريكيين ما يحبون سماعه". ثم نقلت عن أحد العملاء الأمريكيين قوله: "كنا ندفع تقريباً 10 آلاف دولار في كل مرة لقناصي الفرص والمجرمين الذين يمررون القصص الخيالية والافتراضات حول الزرقاوي لتحويله إلى حقيقة واقعة وجعله على علاقة بكل هجوم يحدث في العراق". الصحيفة أكدت أن معظم المقاومة تتم بأيدي العراقيين، حتى لو وجد بعض المقاتلين العرب بين صفوفها. وفي كل الأحوال فإننا أحداً لا يمكنه الاحتجاج على حق العراقيين في الحصول على دعم إخوانهم، من دون أن يخل ذلك باستراتيجيتهم في التعامل مع الاحتلال، الأمر الذي ينطبق على الزرقاوي وعلى سواه من المجاهدين العرب والمسلمين. ربما قيل إن على الزرقاوي أن يخرج على الملأ وينفي ما ينسب إليه حتى لا يختلط الحابل بالنابل، وهو قول صحيح، لكن المشكلة ذات شقين، أولها أن الخط السياسي والفكري للرجل يمكن أن يحتمل ما نراه ويراه الكثيرون أخطاءً في منهجية المقاومة، وثانيها أن الرجل لا يجلس مستريحاً يدير جهاز إعلام كامل كي يرد على كل حكاية تنسب إليه. وفي كل الأحوال فإن ما يعنينا هنا هو أن الزرقاوي يمكن أن يكون قائداً لإحدى مجموعات المقاومة، لكنه قطعاً ليس موجهاً لها، وهي التي تتشكل من مجموعات مختلفة أغلبها من اللون الإسلامي، كما أن ما ينسب إليه ليس كله صحيحاً. أما الأهم من ذلك كله فهو أن العمليات المرفوضة، والتي لا يمكن لأحد الجزم بحقيقة الجهة التي تقف وراءها لا تشكل واحداً في المائة من مجموع العمليات المشروعة التي تستهدف قوات الاحتلال، حتى لو حظيت بتركيز إعلامي يستحق الشك في براءته، سيما عندما يتزامن مع تعتيم مقصود على النوع الآخر المشروع. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني