في قراءة الوثيقة "الكنز" التي عثرت عليها قوات الاحتلال الأمريكي في العراق ونسبتها إلى "أبومصعب الزرقاوي" ثمة أكثر من مسألة لا بد أن تستوقف المراقب المعني بالشأن العراقي، والعارف، بالضرورة، بشؤون "القاعدة" والجماعات الإسلامية المشابهة عموماً. "أبومصعب الزرقاوي" واسمه الحقيقي هو فضل نزال الخلايلة، شاب أردني من خريجي مدرسة أفغانستان المنتسبين إلى ما بات يعرف بتيار السلفية الجهادية في طبعته "القاعدية" بزعامة أسامة بن لادن أولاً وأيمن الظواهري ثانياً أو العكس. قاتل (الزرقاوي) في أفغانستان وأعتقل في الأردن بعد عودته، ثم أفرج عنه في العام 1999، ولتختفي آثاره بعد ذلك، حيث لم تتوفر أية معلومة مؤكدة عنه، وكل ما يقال هو محض شكوك ترددها أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي تضعه كل بضعة شهور في جبهة، من أفغانستان إلى باكستان إلى إيران، وأخيراً العراق. لم يعرف عن "الزرقاوي" أنه منظر كبير من منظري (القاعدة)، لكن الفكر الذي ينتمي إليه لا يبدو صعباً، فهو تبسيطي إلى حد كبير في نظرته للمعادلة السياسية والفكرية، حيث تهيمن عليه قصة "الفسطاطين" أو الكفر والإيمان بعيداً عن تعقيدات السياسة ومعادلاتها الشائكة. بالمقابل تبدو الرسالة على قدر لا بأس به من السبك، وإن توسلت ذات المصطلحات المتداولة في قاموس "السلفية الجهادية". والحال أن من الصعب نفي نسبتها إلى (القاعدة) أو "أبومصعب" إلا من زاوية النظر إليها من منظار المستفيد منها أولاً وأخيراً، أو الساعي إلى استثمارها على نحو يخدم مصالحه. قد تكون الوثيقة من انتاج "الزرقاوي" بالفعل، لكن احتمال أن تكون من انتاج الأمريكان أنفسهم يبقى وارداً، وذلك من خلال أحد العارفين ببضاعة (القاعدة) الفكرية، كما يمكن أن تكون من انتاج تاجر حرب أو سياسة محترف "عثر" عليها بطريقته وقدمها للأمريكان بوصفها من انتاج "أبومصعب". والتاجر المذكور، إما أن يكون باحثاً عن المكافأة في زمن تكثر فيه مكافآت الملايين من لدن الأمريكان، في ذات الوقت الذي يمكن أن يكون جزء من أطراف يهمها نسبة محتويات الوثيقة إلى (القاعدة)، وبالتالي إلى "أبومصعب الزرقاوي" كرمز من رموزها المفترضين. في هذا السياق لا بد من القول أن مجيء الوثيقة في وقت تكاثرت فيه تفجيرات مراكز الشرطة، وبعد مرحلة اعتقل فيها صدام حسين، كما عجز الأمريكان فيها عن الإتيان بدليل على مساهمة (القاعدة) في المقاومة، كل ذلك قد يعني أن المطلوب هو إعادة المقاومة إلى المربع القديم، حيث الانتساب إلى جهة خارجية أو داخلية مكروهة، أي صدام حسين والبعث و(القاعدة) ، وقد اتضح ذلك من خلال تصريحات متكررة لمسؤولين أمريكان وآخرين من مجلس الحكم والوزراء التابعين له. من الواضح أن نسبة المقاومة في العراق إلى عراقيين إسلاميين وطنيين لا تناسب الأمريكان، كما تجد صدى سيئاً عند حلفائهم في الداخل العراقي، ولذلك تبدو العودة إلى قضية (القاعدة) مناسبة جداً، نظراً لما تتمتع به من كراهية في أوساط الشيعة، فضلاً عن الأكراد بسبب علاقتها بجماعة أصار الإسلام الكردية، الأمر الذي يمكن أن يحفز الطرفين على المزيد من التعاون ضد المقاومة. واقع الحال هو أن وجود القاعدة ونشاطها داخل العراق كان ولايزال نوعاً من التدليس أو الكذب الذي تمارسه الأجهزة الأمريكية، وإلا فلماذا تعجز واشنطن بعملائها وحلفائها عن العثور على دليل واحد يثبت ما تقول. أما مسألة "الفتنة" في الرسالة، أي مطالبة "الزرقاوي" بضرب الشيعة بالسنة، لايقاظ الطرف الثاني وضرب الطرف الأول وإفشال مخططات الاحتلال، فذلك ما لا يبدو مقنعاً، أكان ذلك حلماً لدى (الزرقاوي) بوصفه كاتب الرسالة، أم عبثاً بالوحدة الداخلية من طرف الأمريكان الذين يستفيدون من (الفتنة) كما أكد "مارتن أنديك" الذي طالب بأعمال سياسة "فرق تسد" منذ أيام الاحتلال الأول للنجاح في حكم العراقيين. رسالة (الزرقاوي) المفترضة لأسامة بن لادن والظواهري تذكر برسائل أمراء الجيوش للخلفاء لطلب المدد في قرون الفتوحات الأولى. والحال أن الرجلان الذين يعيشان في الكهوف لا يملكان جيوشاً يمدان بها "أبومصعب"، وليس لديهم أتباع يوجهونهم ب"الريموت كونترول" ليلتحقوا بجيش "الزرقاوي" بفرض معرفتهم بمكانه. في ضوء ذلك كله لا نعثر في الحكاي كلها إلا على معالم أخرى لورطة الأمريكان، إضافة إلى معالم تحرك جديد لهم عنوانه إثارة الفتنة بين الشيعة والسنة والأكراد كي يلجأ كل طرف إليهم بحثاً عن الأمان، تطبيقاً لنظرية "فرق تسد" التي أشرنا إليها. الرد على ذلك عراقياً لا يكون إلا بجعل إخراج الاحتلال هو عنوان التحرك السياسي لجميع الفئات، وبعد ذلك ليأخذ كل طرف حصته بالعدل والمساواة. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني