تعتبر المكتبة المدرسية من أهم مظاهر التقدم التي تتميز بها المدرسة في عالمنا المعاصر، ولم يعد هناك من يشك في أهمية المكتبة المدرسية أو يقلل من قيمتها التربوية، بعد أن أصبحت محوراً من المحاور الأساسية للمنهج المدرسي، ومركزاً للمواد التعليمية التي يعتمد عليها في تحقيق أهدافه. ونتيجة للكم الهائل من المعلومات، الذي شكّل انفجاراً في المعرفة، رأى رجال التربية ضرورة الانتقال بالمناهج الدراسية من حدود الكتاب المدرسي المقرر إلى الآفاق الواسعة لمصادر المعلومات المختلفة الموجودة على كثير من الصور، وذلك بالتأكيد على ضرورة وجود الركن الداعم لهذه الفكرة، ألا وهو المكتبة. ساهمت المكتبة المدرسية في مواجهة التدفق الكبير في المعلومات، أو ما يسمى بثورة المعلومات إسهاما كبيراً، ومن ذلك إعداد وتوفير مصادر هذه المعلومات والأجهزة لذلك. وعليه كان من الضروري تهيئة المجتمع المدرسي من تلاميذ ومدرسين للتعامل مع هذا التطور بفعالية، وذلك ليتحقق الاستخدام الأمثل لمصادر المعلومات المتوافرة في المكتبة، التي أصبحت محوراً من المحاور الرئيسية للمجتمع المدرسي. ولقد اهتم الباحثون في حقل المكتبات، وخاصة المدرسية منها، بوضع الكثير من التعاريف للمكتبة المدرسية، وسوف نقتصر في هذا البحث على بعض هذه التعاريف، والتي نذكر منها: 1 المكتبة المدرسية: هي نظام لجعل مصادر المعلومات في متناول الفرد (إداري / مدرس / تلميذ) وهذا النظام يعكس فلسفة المدرسة ويثري كل برنامجها التربوي. 2 المكتبة المدرسية: هي المركز الفكري للمدرسة، الذي يجب أن يتردد عليه كل شخص في المدرسة من أجل استشارة مواد التعلم. 3 المكتبة المدرسية: مكان يحتوي على حوامل معلومات وهيئة موظفين وتجهيزات يذهب إليه المتعلم للحصول على المعلومات، التي يحتاجها لتعليم نفسه تبعا للبرنامج التعليمي لمدرسته واستجابة لاحتياجاته الخاصة. وقد توصل الباحثون في مجالات التربية وعلوم المكتبات إلى تعريف المكتبة المدرسية بمفهومها الحديث بأنها >المجموعات المنظمة من مواد مطبوعة وغير مطبوعة، والموجودة في مكان واحد داخل المدرسة تحت إشراف فني متخصص<. من خلال ما مضى من تعاريف، نستنتج أن المكتبة لم يعد لها معنى مرتبط بالكتاب فقط، بل اتسع ليشمل المجموعات كافة، والمختارة من المواد التعليمية والدراسية والتثقيفية، إضافة إلى المواد التوضيحية، ويتمثل بعض من ذلك في المكتبات السمعية والبصرية، كالأفلام التعليمية والشرائط الفيلمية والشرائح والصفائح الشفافة وغير ذلك، مما ساهم في تنويع مصادر التعلم وزيادة حجمها، وبالتالي أثر ذلك إيجابيا في الاتفاق مع الاتجاهات التعليمية الحديثة، التي تستهدف تنمية مهارات المتعلم الشخصية على البحث والحصول على المعلومات بنفسه. لقد اجتهد المهتمون بشؤون المكتبات المدرسية في تحديد أهداف المكتبة المدرسية. ولعل من أحسن الأهداف هي التي طرحتها جمعية المكتبات الأمريكية ومن ذلك: أ أن توفر الكتب والمواد الأخرى بما يتماشى مع مطالب المنهج الدراسي واحتياجات التلاميذ على اختلاف ميولهم وقدراتهم، وأن تنظم هذه المواد بحيث تستعمل استعمالا فعالا. ب إرشاد التلاميذ إلى اختيار الكتب والمواد التعليمية الأخرى لتحقيق الغايات الفردية وأهداف المقرر. ج تنمية المهارات اللازمة لاستخدام الكتب والمكتبات ومصادر المعلومات لدى التلاميذ والطلاب وتشجيع عادة البحث الفردي. د مساعدة التلاميذ على تكوين مجال رحب من الاهتمام عن طريق منحهم فرص مناقشة الكتب والإسهام الجدي في تكوين خبراتهم القرائية. ه تشجيع التعلم مدى الحياة عن طريق الاستفادة الدائمة من مصادر المعلومات داخل المكتبة. و تلقين العادات الاجتماعية الصالحة كضبط النفس والاعتماد عليها والتعاون واحترام حقوق وملكية الغير. ولا شك أن المكتبات المدرسية قادرة على تحقيق هذه الأهداف وترجمتها إلى واقع عملي، إذا كان المكلفون بالمكتبات على قدر كاف من تحمل المسؤولية وعلى وعي تام بهذه الأهداف، وإيمان كامل بوظيفة المكتبة داخل المجتمع العصري، ولن يتسنى لهم ذلك إلا من خلال تزويد المكتبات المدرسية بالإمكانات اللازمة التي تحقق لها القيام بخدماتها على الوجه الأكمل ومن هذه الإمكانات: أ احتواؤها على مختلف مصادر المعلومات من كتب ومراجع ودوريات ومواد سمعية وبصرية. ب أن تسمح باستيعاب أكبر فصل دراسي في المدرسة وتزويده باحتياجاته القرائية. ج تهيئة البرنامج النموذجي لتدريب التلاميذ على المهارات المكتبية. د تخصيص واجبات في صلب المقرر يعطيها المدرسون الطلاب لإثراء المناهج وتوسيع الأفق الثقافي فيها. ه الاعتناء بالمظهر الجمالي للمكتبة لجذب التلاميذ إليها مع التركيز على تنظيم مصادر المعلومات. و أن يكون أمين المكتبة واعيا ومدركا لأهمية دور المكتبة في حياة التلميذ والمدرس على السواء. الوظائف الأساسية للمكتبة المدرسية ويمكننا تحديد الوظائف الأساسية للمكتبة المدرسية في ضوء الأهداف التي تم استعراضها سابقا على النحو التالي: 1 توفير المصادر التعليمية: وذلك ليمكنها من النهوض ببقية الوظائف الأخرى، ولأنها الركيزة الأساسية لكافة وظائف وأنشطة المكتبة الأخرى. 2 دعم المقررات الدراسية: بحيث لا يكون المقرر يقتصر على المواد الدراسية فقط، وإنما يشتمل على الأنشطة المختلفة، التي تسهم في تنمية شخصية المتعلم من جوانبها المتعددة، ولا يأتي ذلك إلا عن عدة طرق منها التخطيط السليم للمواد الدارسية، وربطها ببعضها البعض وإزالة الحواجز المصطنعة بينها من أجل تحسين مستوى التعليم ورفع كفاءته. 3 تدعيم الأنشطة التربوية: وذلك باعتبارها مجالا خصبا لتنمية ميول الطلاب الفردية والجماعية وصقل مواهبهم الشخصية خارج المقررات الدارسية التي تعتمد على التوجيه الجماعي داخل الفصول الدارسية. 4 تنمية عادة القراءة والاطلاع: وذلك باعتبارها أساس التحصيل الدراسي ووسيلة من أهم وسائل كسب المعرفة الثقافية، على الرغم من تطور وسائل الاتصال الحديثة وقدرتها العالية على توصيل المعلومات للمستفيد من أوعية غير تقليدية لا تعتمد على الكلمة المكتوبة إلا أن القراءة ستظل عماد العلم والثقافة. 5 الإرشاد القرائي: وهو ما يتطلب التعرف على تلاميذ المدرسة معرفة كاملة واعية ودراسة ميولهم وقدراتهم القرائية ومستواهم التحصيلي ليتسنى لأمين المكتبة تنمية هذه المهارة التي تتطلب الأخذ برغبات التلاميذ والطلاب على حد سواء. 6 تنمية مهارات وقدرات المدرسين: وذلك بتوفير المصادر التربوية لهم على اختلاف أشكالها. والتي تعين المدرسين في تحضير دروسهم وفي تحسين أساليبهم الفنية من ناحية وفي التعرف على كل جديد في مجال مهنة التعليم من جهة أخرى، ويمكن تجميع تلك المواد في مكان معين جرى تسميته بمكتبة المعلم. بناء على أهمية المكتبة في حياة التلميذ الدراسية والمستقبلية، فإننا نتأسف على ما يحدث من قبل وزارة التربية الوطنية والشباب من تعيين أمناء مكتبات غير مؤهلين وغير قادرين على تحمل مثل هذه المسؤولية، وذلك بتحويل الكثير من المدرسين إلى أمناء مكتبات، حتى إن الكثير منهم من خلال اللقاءات بهم تجد الضجر يعلو محياهم من هذه المهنة التي لا ينتمون لها أصلا، إلى جانب منع الوزارة الكثير من المدرسين من التسجيل في المدرسة الوطنية لعلوم الإعلام لأسباب واهية. كما نتأسف لواقع المكتبات المدرسية حيث لا تعطى لها أهمية من حيث المراقبة والتشريع، إذ إن الكثير من المسؤولين من إدارة المؤسسة والإدارة الجهوية تعتبر وجود المكتبة بالمدرسة له دور ثانوي، حيث إن جل اهتمامهم ينصب في المنهج المدرسي وتقييم مكتسبات الطلاب مع عدم الاكتراث بمسؤولية هذا الطالب الذي سيتخرج إلى المجتمع وإلى سوق العمل، وهو لا يعرف أسلوب البحث العلمي عن وفي مصادر المعلومات، وكيف سيواجه هذا الانفجار المعرفي في عهد تكنولوجيا المعلومات.