بغض النظر عن أهمية هذا البرنامج الإستعجالي ، ومدى آفاق نجاحه أو فشله ، وبعيدا عن المواقف الجاهزة المشككة في كل مبادرة للإصلاح لمعضلة اجتماعية وحضارية لمغرب الألفية الثالثة ، فإن مما لا شك فيه أن قضية التعليم لا يمكن مقاربتها من منظور تقني محض ، يتركز أساسا حول الميزانيات المرصودة ، والبنيات التحتية والمناهج والبرامج ،والحكامة ...، مع تأكيدنا على أهمية هذه المحاور وغيرها في إنجاح الإصلاح التربوي ببلادنا .لكن بحكم التجارب العالمية والرائدة في هذا المجال ، لا بد لكل إصلاح أن يستحضر أولا وأخيرا الرؤية الحضارية للمجتمع والأهداف التي تنوي تحقيقها ، في انسجام ذلك مع البنية السوسيوثقافية لطبيعة المجتمع المغربي ، الشيء الذي لا ينسحب على هذه البرامج المطروحة في الآونة الأخيرة .ولإعطاء دلالة عن ذلك ، يمكن الإشارة إلى أن البرنامج الحالي مرتهن بشكل كبير إلى القرار الأجنبي ، وخصوصا الأوروبي ،إذ تم تعبئة 10 ملايير درهم كمساهمة مغربية في البرنامج ن بينما الكلفة الإجمالية تقدر بحوالي 43 مليار درهم ، الأمر الذي دفع إلى مباشرة عملية مفاوضات مع المانحين الأوروبيين ،وكما نعلم ليس هناك منح بدون شروط .وهذه الشروط تظهر في سكوت البرنامج عن لغة التدريس، وأقصد اللغة العربية (التي لم يتم بعد تعريب العلوم بالتعليم العالي إلى يومنا هذا ) التي يفترض أن يكمل بها التلاميذ المغاربة دراساتهم الجامعية والعليا ، حيث أحال البرنامج الإستعجالي هذه المسألة الحيوية على المجلس الأعلى للتعليم للنظر فيها . من جهة أخرى ، تبنى البرنامج الإستعجالي ، مقاربة النوع الإجتماعي كآلية لتحقيق المساواة بين الذكور والإناث في جميع المستويات ، لتنزيل بنود هذا البرنامج ،ونحن نتساءل ألا يعلم المسؤولون التربويون أن هناك تحولا في بنية التعليم بدأ يقع في السنوات الأخيرة لصالح الفتيات ، لا من حيث النتائج ولا من حيث أعداد المسجلين ،اللهم وجود بغض المناطق التي لا تتوفر بها بنيات مستقبلة ، لكن على الرغم من ذلك نسجل أن البرنامج أراد أن يتماهى مع مقاربة النوع حتى يقنع المانحون بجدوى هذه المطالب .بالموازاة مع هذه الملاحظات ، نسجل بكل أسف وآسى ، مستوى القطيعة المنهجية التي حملها البرنامج ، في مقابل الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، فإذا كان هذا الميثاق قد تحدث عن المدرسة الوطنية الجديدة كمدرسة منفتحة على محيطها الاجتماعي العام ، و مستحضرة للمجتمع في مناهجها وبرامجها وحياتها المدرسية ،فإن البرنامج تحدث عن مدرسة الإحترام ، في استيحاء حرفي لمدرسة الإحترام الفرنسية ، وهو ما يشير إلى وجود حالة عمى منهجي أصاب معدي هذا البرنامج . إننا نعتقد أن المدرسة المغربية تمر بمرحلة غير مسبوقة في تاريخ المغرب الحديث ، ذلك أن هذه المدرسة أصبحت فاقدة لرؤيتها ورسالتها وأهدافها ، مما انعكس على مخرجاتها . فالمجتمع تزعزعت ثقته في المدرسة العمومية ، ولم يعد بينهما تلك الروابط التي تجمع المؤسسات الإجتماعية ، مما ولد حالة فراغ على مستوى النماذج والقيم والتمثلات والسلوكات ومختلف أنماط التفكير والفعل والإبداع . ولعلنا لا نبالغ إذا تحدثنا عن واقع المتعلمين في المدارس المغربية ، حيث التردي القيمي بأجلى صوره ،وإذا كنا نركز على ضعف المكتسبات التعليمية المرتبطة ببعض المواد ( انظر آخر تقرير للمجلس الأعلى للتعليم حول تعلمات التلاميذ فبراير 2009 ) فإن التردي الكبير هو فقر واضمحلال القيم التي يتلقاها التلميذ في المؤسسة التعليمية ، مما يجعلنا نردد إن المدرسة المغربية لا تربية ولا تعليم فيها