شهدت الساحة الفلسطينية خلال العام الماضي (2003) جملة من الأحداث الميدانية الدامية والسياسية الهامة، تركت بصماتها على الشعب الفلسطيني وفي بعض الأحيان السياسات العامة للفصائل والحكومة الفلسطينية. ومن أهم أحداث العام الفائت استمرار سياسية الاغتيالات وخاصة في صفوف القيادات السياسية لحركة حماس، وإعلان الهدنة من قبل الفصائل وتشكيل حكومتين فلسطينيتين، واعتقال الشيخ رائد صلاح رئس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر وأحداث أخرى. الاغتيالات فقد واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلية خلال عام 2003م حملتها ضد القادة والكوادر السياسيين والعسكريين للفصائل الفلسطينية خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، مما أدلى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى. وأبرز ما ميز عمليات الاغتيال الإسرائيلية فشلها في بعض الأحيان خاصة في اغتيال القادة السياسيين لحركة حماس ونجاتهم بأعجوبة من هذه المحاولات، ونجاحها في أحيان أخرى في عملياتها. محاولة اغتيال الرنتيسي ففي العاشر من شهر حزيران فشلت محاولة إسرائيلية في اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في وقت كانت في الاتصالات الفلسطينية الداخلية بين الفصائل في أوجها لإعلان وقف مؤقت لإطلاق النار وإعلان الهدنة. واستشهد في محاولة الاغتيال التي تمت بإطلاق أربعة صواريخ نجل الدكتور الرنتيسي (أحمد) واثنين من مرافقيه. وكانت هذه المحاولة نقطة تحول هامة في العمليات الصهيونية ضد الفلسطينيين حيث استهدفت هذه المرة قائدا سياسيا فلسطينيا ولم يكن قائدا عسكريا كما تدعي قوات الاحتلال في كل مرة تنفذ فيها عمليات اغتيال. ولاقت هذه المحاولة إدانة واسعة على المستويات المحلية والعربية والدولية، إلا أن ذلك لم يجد نفعا حيث واصلت قوات الاحتلال عملياتها ضد الكوادر السياسية للحركة بضوء أخضر أمريكي. الهدنة وبعد جولات طويلة من الحوار بين حكومة محمود عباس (أبو مازن) والفصائل الفلسطينية أعلنت الأخيرة عن قبولها لإعلان هدنة مؤقتة مدتها ثلاثة شهور، وأكدت حركتا حماس والجهاد الإسلامي في بيان مشترك استعدادهما لوقف العمليات العسكرية ضد من يسمون بالمدنيين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة عام 1948م بشرط الانسحاب الإسرائيلي من المدن الفلسطينية وإطلاق سراح الأسرى ووقف الاغتيالات والاجتياحات. ولم تدم الهدنة طويلا حيث واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلية عمليات التوغل والاجتياح في الأراضي الفلسطينية، كما واصلت اغتيال عناصر وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي بشكل خاص حيث اغتالت في نابلس أربعة من قيادات حركة حماس، وفي الخليل قائدا عسكريا لحركة الجهاد الإسلامي. وبعد نحو 51 يوما من الهدوء شبه التام من الجانب الفلسطيني لم تر الفصائل بدا من محاولة الدفاع عن نفسها والرد على الجرائم الاحتلالية، فقام الاستشهادي "رائد مسك" من الخليل والمنتمي لكتائب عز الدين القسام التابعة لحماس بتفجير نفسه في القدسالمحتلة بتاريخ 20-8-2003م وهو ما أدى إلى مصرع 20 إسرائيليا وإصابة نحو 130 آخرين. اغتيال أبو شنب ولم تمض ساعات على هذه العملية حتى نفذت قوات الاحتلال عملية عسكرية بطائرات الأباتشي وأطلقت خمسة صواريخ تجاه السيارة التي كان يستقلها الشيخ إسماعيل أبو شنب القيادي الهادئ في حركة المقاومة الإسلامية حماس، مما أدى إلى استشهاده واستشهاد اثنين من مرافقيه، فقلبت تلك العملية الموازين وأعلنت حركتي حماس والجهاد الإسلامي عن انتهاء الهدنة. محاولة اغتيال ياسين وإمعانا منها في محاولة قهر الشعب الفلسطيني واصلت قوات الاحتلال عمليات الاغتيال بحق نشطاء المقاومة منذ ذلك التاريخ، وكان أبرزها محاولة اغتيال الشيخ المقعد أحمد ياسين مؤسس حركة حماس ومرافقه الشيخ إسماعيل هنية في السادس من شهر ديسيمبر الماضي. وأدت المحاولة إلى تدمير الطابق العلوي من المنزل الذي كان يتواجد فيه الشيخ ياسين، ونجاته ومرافقيه من هذه المحاولة التي كانت بمثابة تحول مهم في طبيعة العمليات الاحتلالية ضد نشطاء المقاومة. وفي حينه هددت كتائب القسام "بردّ من نوعٍ غير معهود محاولة اغتيال الشيخ ياسين" ودعت خلاياها "لإعلان حالة الاستنفار القصوى و التخطيط المميّز و المنظم لضرب العدو". وقالت في بيانها الذي صدر في حينه: "إن هذا الإجرام الذي تمثّل بمحاولة اغتيال رأس الهرم السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس و رمز الأمة العربية و الإسلامية و كذلك الأستاذ القائد الكبير إسماعيل هنية بطائرات F16 الأمريكية ليمثّل انعطافاً كبيراً و خطيراً في مواجهة هذا العدو المجرم الإرهابي القاتل" . محاولة اغتيال الزهار ولم تمض أيام على هذه العملية حتى نفذت قوات الاحتلال في العاشر من نفس الشهر غارة بطائرات ف"16" على منزل الدكتور محمود الزهار، القيادي في حركة حماس في محاولة فاشلة لاغتياله. وأعلنت قوات الاحتلال في حينه أنها ألقت بقذيفة من زنة 250كم على منزل القيادي في حماس، إلا أنه لم يصب سوى بجروح طفيفة حيث كان خارج المنزل وقت العملية. ورغم تواصل الاتصالات ومحاولات السلطة الفلسطينية والمخابرات المصرية لإعلان هدنة جديدة إلا أن الفصائل الفلسطينية ترفض أي وقف لإطلاق النار لا يشمل ضمانات واستحقاقات سياسية. حكومتان فلسطينيان ومن أبرز ما شهدته الساحة الفلسطينية خلال العام الفائت هو استحداث منصب رئيس وزراء في السلطة الفلسطينية وذلك في العشرين من شهر آذار حيث أعلن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قبوله لاستحداث المنصب وتعيين نائبه محمود عباس (أبو مازن) رئيسا لوزراء السلطة الفلسطينية. وواجهت أول حكومة فلسطينية مصاعب جمة وأخذ تشكيل هذه الحكومة وقتا طويلا حيث جرت خلافات عميقة بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الجديد حول الصلاحيات، حتى تم تجاوز جزء كبير من هذه الخلافات والاستقرار على حكومة موسعة. ولم تدم هذه الحكومة طويلا حتى استقالت بعد مائة يوم عاصفة بالأحداث المحلية والدولية، وذلك بتاريخ 6-9-2003م، ثم كلف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أحمد قريع (أبو علاء) بعد أيام بتشكيل الحكومة فقام الأخير بتشكيل حكومة طوارئ لمدة شهر ثم شك حكومة موسعة وبدأ الحوار مع الفصائل الفلسطينية لبحث إعلان هدنة جديدة إلا أنه فشل في ذلك. مبادرة جنيف ظهر على الساحة خلال العام الفائت ما أطلق عليها وثيقة جنيف التي صاغها وروج لها يساريون إسرائيليون مع بعض الشخصيات الفلسطينية برعاية سويسرية ومباركة أمريكية. ولاقت هذه المبادرة رفضا شعبيا ورسميا فلسطينيا واعتبرت خطوة تنازلية جديدة عن الحقوق الفلسطينية وخاصة حق اللاجئين بالعودة كما أنها تسمح لإسرائيل بإبقاء عدد من المستوطنات خاصة في محيط القدسالمحتلة. اعتقال قادة الحركة الإسلامية وشهد عام 2003 اعتقال قادة الحركة الإسلامية داخل الخط الخضر ورئسها الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة، وتواصل قوات الاحتلال اعتقال الشيخ صلاح وثلاثة قادة آخرين من الحركة في سجن الجلمة وتمنع الزيارات عنه. واتهمت قوات الاحتلال القادة الأربعة بدعم المنظمات الإرهابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما نفاه المتهمون وأكدوا أنهم يعملون من خلال مؤسسة الأقصى على كفالة الأيتام ورعاية المحتاجين. 7500 أسير خلال العام الماضي واصلت قوات الاحتلال عمليات الاعتقال بحق الكوادر الفلسطينيين ونشطاء المقاومة حيث وصل عدد المعتقلين إلى 7500 معتقل، بينهم 120 معتقل إداري. وحسب عيسى قراقع رئيس نادي الأسير فإن قوات الاحتلال تعتقل الفلسطينيين في أكثر من 25 معتقلا ومركز توقيف، في ظروف إنسانية غاية في الصعوبة كما واصلت منع الزيارات عن الأسرى. الجدار الفاصل يعتبر هذا العام الأسوأ فلسطينيا من حيث الحصار إذ واصلت قوات الاحتلال بناء جدار الفصل العنصري الذي تمت المصادقة عليه من قبل الكنيست الصهيوني في شهر نيسان من عام 2002م. وأحاطت قوات الاحتلال بهذا الجدار مدن قلقيلية ونابلس وجنين وطولكرم وصادرت بإقامته آلاف الدنمات من الأراضي الزراعية ومنعت أصحابها من الوصول إليها لفلاحتها. كذلك واصلت قوات الاحتلال أعمال التجريف والتخريب في أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة محدثة خسائر كبيرة في الأموال والمزارع والأشجار. ولم تكن المباني المدنية بمنأى عن اعتداءات قوات الاحتلال حيث تم تدمير مئات المنازل وإلحاق أضرار بمئات أخرى وتشريد مئات الأسر. لا تفاؤل وبشكل عام لا يبدي الفلسطينيون أي تفاؤل من العام الجديد (2004م) خاصة في ظل استمرار التصعيد الإسرائيلي والعدوان متعدد الأشكال، واستمرار الصمت العربي والدولي والمباركة الأمريكية للعمليات التي تنفذها قوات الاحتلال بحق أناس أبرياء. ويرى محللون فلسطينيون أن المستقبل سيكون قاتما خاصة في ظل خطة الفصل العنصرية من جانب واحد التي ينوي شارون تنفيذها وهو ما سيترتب عليه توقف كثير من مصادر الرزق والفصل الاقتصادي مع الفلسطينيين وإبقائهم في كانتونات معزولة عن العالم.