اختارت جمعية الشباب والتوعية بالرباط لنفسها من بين الأهداف توعية الشباب عبر تنظيم ندوات وحملات الصحة والنظافة، والقيام ببحوث ميدانية كان آخرها بحث حول ظاهرة التشمكير بالرباط في أفق تعميمه على الصعيد الوطني. وحول فكرة البحث وظروفه وقراءته كان ل التجديد هذا الحوار مع رئيس الجمعية، يوسف ايت علي أوبراهيم طالب باحث في كلية العلوم شعبة الميكانيك. لماذا اخترتم لبحثكم ظاهرة التشمكير؟ كلمة التشمكير مصطلح شعبي وفي كتابة البحث نضع الكلمة دائما بين مزدوجتين، والتشمكير يعني التعاطي للمخدرات من نوع المذيبات المتطايرة. واختيارنا نابع من كون التنامي السريع للظاهرة في السنوات القليلة الأخيرة، ففي الفترة ما بين 2001 و2002 ارتفع بشكل كبير، وأثناء قيامنا بالبحث وجدنا أن بعض الأسر يكون فيها أربعة إخوة يتعاطون للظاهرة. إذن فالتفشي للظاهرة بهذا الشكل في صفوف الشباب الذين يعول عليهم المجتمع بعد فترة وجيزة ينذر بالخطر ويستنهض الهمم للقيام بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو على الأقل وضع الأصبع على مكمن الخلل في صفوف العنصر الأساس في البنية الهرمية للمجتمع. مع الإشارة إلى أنه عرف التعاطي لظاهرة التشمكير منذ زمن بعيد إلا أنه لم ينتشر بالشكل الذي نراه اليوم بين الأطفال والمراهقين إلا في السنوات العشر الأخيرة، وقد أدرجت المنظمة العالمية للصحة هذه المواد سنة 1973 ضمن المواد المخدرة التي تسبب في الإدمان. كيف قوبلتم أثناء بحثكم من طرف المتعاطين للظاهرة؟ في البداية اعترضتنا صعوبات، منها أن المعنيين بالبحث كانوا يظنون أننا مع السلطة، لهذا أبدوا تخوفهم ولم تكن قابليتهم للإدلاء بالمعطيات التي نطلبها منهم في المستوى المطلوب، إلا أننا بعد إقناعهم بأننا نهدف لإنجاز بحث في الموضوع، وخصوصا أن معظمهم من حي يعقوب المنصور والمدينة القديمة الكزا ، ثم إن الأسر ساعدتنا في ملء استمارة البحث في الحالات التي يتعذر علينا أخذ كل المعطيات من المعني بالظاهرة. ما هي المشاكل التي اعترضتكم أثناء إنجاز البحث؟ أول المشاكل والتي تعترض أشغال الجمعيات بصفة عامة كانت تتعلق بالتمويل، حيث كان يتطلب منا البحث مصاريف التنقلات وغيرها، وهو الأمر الذي يقف عثرة أمام القيام بمجموعة من الأعمال التي يحتاج إليها الشباب من أجل توعيته وإنقاذ وضعه. ومن جهة أخرى كانت البداية مع الشباب المتعاطي لظاهرة التشمكير لا تلقى إقبالا نظرا لكون هؤلاء الشباب يخافون أن نكون طرفا مع السلطات من أجل التبليغ بمعلومات عنهم، إلا أن هذا المشكل سرعان ما يتبدد عند حصول الثقة فيما بيننا. كم تطلب هذا البحث من الأشخاص ومن الوقت؟ اقتصرنا على ستة أعضاء من الجمعية أمضوا مدة عشرة أيام عند مباشرة ملء الاستمارة، هذا بالإضافة إلى الوقت الذي أخذه منا إعداد الاستمارة بالاستعانة بأحد الأطباء النفسانيين ثم القيام بالإحصاءات بعد إنهاء العمل الميداني. ما هي قراءتكم لنتائج البحث؟ أول شيء نشير إليه أن الهدف من هذا البحث كان هو التعرف على أسباب تعاطي الشباب للظاهرة. ومن خلال المعاينة تبين لنا أن التعاطي لظاهرة التشمكير لا يمثل هدفا بالنسبة للمتعاطي بقدر ما كان وسيلة من وسائل الهروب من واقعه المملوء بالمشاكل اليومية لدرجة يتعذر على الشاب إيجاد حل لمعادلته بإقامة توازن بين إمكانياته ومتطلباته المادية. مع الإشارة إلى أن هناك متعاطين من الفئات الميسورة ماديا وهذه الحالات تكون لديها مشكلة اجتماعية أو نفسية بالإضافة إلى ضعف المناعة التربوية لدى الشباب. كيف يحصل هؤلاء المتعاطين على المواد المستعملة؟ من خلال البحث اقتصرنا عن السؤال: هل هي من عند التاجر، أم من عند صديق، أم عند مهني، والأغلبية منهم يحصلون عليها من عند التاجر، ثم الآخرين. فالمسألة تحتاج إلى توعية، وليست مسألة مادية فقط، لأن المذيبات المتطايرة المستعملة في ظاهرة التشمكير موجودة في البنزين المسعمل، سواء في الشعالة (البريكة)، ووقود السيارات، أو بعض سوائل التنظيف، ومزيل طلاء الأظافر، أو مزيل البقع، وفي اللصاق، وفي مادة التخدير، وأؤكد أن المسألة تحتاج إلى التوعية أكثر من المنع. ما هو هدفكم من البحث؟ في المرحلة الأولى كان الهدف الحصول على المعلومات، وفي المرحلة الموالية كيفية التعامل مع الظاهرة، والطرق والوسائل لمعالجتها، ومن خلال البحث الميداني تعرفنا على مجموعة من الوسائل وطرق استعمال المذيبات المتطايرة في التشمكير. فطريقة استعمال المذيبات المتطايرة البسيطة تتمثل في إفراغ المادة المخذرة على قطعة من القماش، ويتم بعد ذلك استنشاقها، مما يترتب عنه الشعور بالدوار والاسترخاء والهلوسة البصرية، وأهم مضاعفاتها الوفيات المفاجئة. والخطورة تتركز في كثرتها وسهولة الحصول عليها، نظرا لعدم خضوعها لأي إجراءات رقابية، ولإقبال المراهقين والأطفال بشكل خاص عليها، رغم أن المنظمة العالمية اعتبرتها من ضمن المواد المخدرة. نرجع إلى الأطراف المعنية ومن ضمنها الأسرة، ما الذي يجب على هذه الأخيرة فعله لمحاصرة الظاهرة؟ لا توجد أية أسرة على الإطلاق تحب أن يخرج منها أطفال شمكارة، فالمسألة هي قضية مجتمع، ورقابة، إذا ذهب طفل إلى محل للعقاقير، وطلب علبة من السيليسيون فإنه لا يمنعها منه، مع العلم أن السيليسيون من المواد المخدرة، وأخطر من مادة الكوكايين. وبالإضافة إلى القيام بالتوعية، أعتقد أنه إذا تعذر علينا إنقاذ المدمنين الحاليين، فالواجب هو حماية غير المدمنين لكي لا يقعوا في مستنقع الإدمان، هذا من باب الوقاية لأن المدمن حاليا تصعب معالجته بالتوعية، ولو منع من التعاطي للظاهرة بالقوة فإنه يسكب المواد المخدرة على ثيابه ليتمكن من شمها، ويجب الإكثار من مراكز العلاج من ظاهرة الإدمان في المستشفيات مع إيلائها العناية اللائقة بها. بعد إنجازكم لهذا البحث، ما هي بنظركم الإجراءات التي ينبغي اتخاذها اتجاه هذه الظاهرة ؟ أول خطوة يجب القيام بها وبشكل مستعجل أن تتخذ قرارات بإلزام تجار العقاقير بعدم صرف المواد المستعملة في التخدير للقاصرين لأن غالبية المدمنين على هذه المواد يقتنونها من عند تجار العقاقير. وحبذا لو أمكن جعل سجلات خاصة بصرف هذه المواد يتضمن الوارد والصادر مع الأشارة إلى اسم وعنوان الزبون خاصة وأن هذه المواد ضرورية في الصناعات من مثل النجارة لذلك يتعذر منع الزبائن منها. ونشير إلى أن هذا الإجراء يمكنه فقط أن يحد من الطلب المتزايد لهذه المواد. كما أن السلطات ينبغي أن تقوم بالدور اللازم تجاه الظاهرة، خصوصا وأن المنظمة العالمية للصحة أدرجت المواد المستعملة في الظاهرة من المذيبات المتطايرة ك الدوليو والسيليسيون ضمن المواد المخدرة. كلمة أخيرة... أثناء قيامنا بالبحث كنا نسأل المتعاطين عما إذا كانوا يعلمون أن التعاطي للظاهرة حرام من الناحية الشرعية أم لا، وجدنا أن فئة كبيرة من العينة موضوع البحث تظن أن الأمر حلال لدرجة أن بعضهم يتعاطى للظاهرة وتراه محافظا على صلاته. ونهمس لهم من هذا المنبر أن الإمام أحمد روى في مسنده عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر، والنهي في علم أصول الفقه النهي يفيد التحريم، وما دام الحكم في التشريع الإسلامي بخصوص الخمر واضح وما دامت عواقب ظاهرة التشمكير أخطر من عواقب الخمر فستأخذ حكم الخمر الذي هو التحريم. حاورته: حبيبة أوغانيم