بذل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم جهده لتثبيت الوضع الاجتماعي الداخلي بالمدينة، فبعد المؤاخاة بين المسلمين والموادعة مع اليهود وبناء المسجد، انتعشت فئة نبأ الله رسوله بأخبارها، ولم يكن إلا الوحي مصدرا وحيدا في توضيح حالهم وصفاتهم، ويأتي الحديث عن المنافقين لكونهم كانوا يشكلون ثالث قوة اجتماعية وقوّة حليفة لليهود والمشركين. صفات المنافقين كان النّاس جميعاً يعلمون أن دعوة الإسلام حق، لكنّ منهم من آمن وأعلن إيمانه، ومنهم من أبى، وآثر التّمسّك بما كان عليه الآباء والأجداد، ومنهم من أراد أن يُمسك العصا من الوسط: يعلن أمام المسلمين أنّه مسلم، ويُبطن كفره ونفاقه. وهذا الصّنف أسوأ، يندسّ في صفوف المسلمين يخذّل، وينشر الشائعات، ويُبلبل الصّفوف بالمواقف المخزية، ويتخلّى عن نصرة الإسلام والمسلمين في أحرج الأوقات. وجاء ظهورها عندما انتشر الاسلام وأخذ طريقه إلى النفوس في المدينة. وعاشت هذه الفئة التي آمنت ظاهرا بالإسلام تضمر العداء والمكيدة، وظهر هذا جليا في التثبيط عن الجهاد مع الرسول الكريم في مجموع غزواته، وإثارة الفتن والخلافات بين المسلمين، وفي آيات القرآن الكريم خاصة بداية البقرة النصيب الكبيرفي بيان حالهم، مما يدل على خبثهم. المنافقون والمسجد للمنافقين قصتان مع المسجد، الأولى أنهم كانوا يحضرون المسجد، فيستمعون أحاديث المسلمين، ويسخرون ويستهزئون بدينهم، فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس، فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم، خافضي أصواتهم، قد لصق بعضهم ببعض، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا. قال ابن إسحاق: وقام أبو محمد، رجل من بني النجار، كان بدريا، وأبو محمد، مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار إلى قيس بن عمرو بن سهل، وكان قيس غلاما شابا، وكان لا يعلم في المنافقين شاب غيره، فجعل يدفع في قفاه حتى أخرجه من المسجد. والثانية وهي تدل على خبث تخطيطهم في بناء مسجد الضّرار، إذ اتفق المنافقون على أن يبنوا مسجداً في بني عوف ليتخذوه مركزاً للتجمّع والتآمر على المسلمين وليغطّوا نشاطهم المعادي، وليُنسِّقوا مع دولة الرّوم للإغارة على المدينة وإسقاط الدولة الّتي بناها رسول الله والقضاء على الدعوة الإسلامية، لذلك سمّاه القرآن (مسجداً ضراراً) ، فأنزل الله سبحانه في تلك الحادثة:(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون). القرآن يؤرخ لهذه الفئة وقد تحدّث القرآن كثيراً عن النِّفاق والمنافقين وخطرهما على الدولة والإسلام وبنية المجتمع الإسلامي، وبذل الرسول الكريم جهداً مضنياً وحكيماً من أجل مقاومة النفاق والقضاء عليه. وسجّل القرآن الكريم من العمل التخريبي والتخطيط العدواني الّذي قام به المنافقون ضدّ الدولة والدعوة في عصر الرسالة الشيء الكثير، وقاوم القرآن الكريم الحرب الدعائية من خصوم الرسول الكريم والدعوة من المنافقين واليهود، ومن الأوامر الإلهيّة قول الله تعالى:(لَئِن لَمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ وَالمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاّ قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً). وفي آية اُخرى يتحدّث القرآن عن دور المنافقين التخريبي، مخاطبا الرسول الكريم بقوله:(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولاَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ا لْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ). وفي غزوات عديدة سعى المنافقون بقيادة عبد الله بن أبي بن سلول إلى عملية شقّ الصف الإسلامي وتمزيق وحدة المسلمين، كما في قول الله الحق:(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللهِ حَتّى يَنفَضُّوا وَللهِ خَزَائِنُ السَّموَات والاْرْض وَلكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُون يَقُولُونَ لَئِن رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاْعَزُّ مِنْهَا الاْذَلَّ وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ).