إقليم اشتوكة آيت بها من الأقاليم الفتية، أحدث سنة 1994ويغلب عليه الطابع القروي (80%)، وهو بذلك يفتقر إلى بنى تحتية كافية لاستدراك الفارق الذي يفصله عن أقرب الأقاليم إليه (أكادير إداوتنان) والذي ما زال يعتبر هامشا له يتأثر بسلبياته (كالبناء العشوائي) ولا يستفيد من إيجابياته (كالسياحة والصناعة والانفتاح الحضري...). وقد عاش الإقليم أحداث الانتخابات الأخيرة بشكل متميز، تمثلت خصوصا في الحرب التي شنها عامل الإقليم على الأطر التي تشرف على المصالح الخارجية للتربية الوطنية والصحة والثقافة، وهي أطر تنتمي أو تتعاطف مع حزب العدالة والتنمية. مندوب وزارة الثقافة أولا: وسنتطرف لكرونولوجيا الأحداث بدءا من مندوب وزارة الثقافة والاتصال، وهو ابن البلد، اقترحه العامل السابق للإقليم (السيد محمد الغرابي والي تطوان حاليا) على وزير الثقافة بعدما اقتنع بقدرته وكفاءته التي تجلت في ميدان عمله بالحقل الجمعوي والثقافي داخل عدة جمعيات ومنتديات إقليمية وجهوية. لكن العامل الجديد لا يستحضر فقط قدرات الشخص وكفاءته في تسيير المصالح العمومية، ولكن أيضا ولاءاته الفكرية والسياسية، وهكذا فإن التوجه الإسلامي الواضح لهذا الإطار المقتدر أمر لم يستسغه العامل، كما أن حساسيته الشديدة تجاه حزب العدالة والتنمية، جعلت الأوراق تختلط عليه، فعد المندوب من هذا الحزب. وهو ما يحدث به في أكثر من مناسبة، ويذكر به أي زائر للإقليم (من وزراء وكتاب عامين وشخصيات تزور الإقليم في شتى المناسبات)، وعندما فقد كل أمل في إخضاع هذا المندوب لولائه وتعليماته، بدأ في شن الحرب عليه مستعملا لذلك تارة بعض أعضاء المجلس البلدي المعروفين بالخضوع التام للسلطة الإقليمية، وتارة أخرى بالتضييق على أنشطة المندوبية بقطع أي مساندة لها وبمحاولة إضعاف دورها الاقتراحي للأنشطة الثقافية بالإقليم. غير أن خبرة المندوب حالت دون ذلك، حيث أنه كلما أغلق عليه بابا تمكن بفضل علاقاته (بصفته ابن البلد) من فتح أبواب أخرى مع الفاعلين الجمعويين والأعيان. كما أن المندوب كان يشجع بقوة على تأسيس الجمعيات إسهاما في تنويع المشهد الثقافي والموارد المحلية والذاتية لتفادي أي إجهاض للمجهودات التي تقوم بها المندوبية في مختلف الجماعات بالإقليم. وعندما لم يفلح العامل محليا في تضييق الخناق على السيد مندوب وزارة الثقافة والاتصال حاول استغلال حساسية الوزير المشرف على هذه الوزارة لكل ما هو مرتبط من قريب أو بعيد بحزب العدالة والتنمية، خاصة عندما اغتاظ من ارتقاء هذا المندوب للإشراف إضافة لإقليم اشتوكة أيت باها على إقليمتارودانت، وبعد عام على ذلك، قام السيد الوزير الذي يدعي "التقدمية" والكفاءة في انتقاء مندوبيه إلى إعفاء أحد الصالحين الأكفاء من مهامه التي استحقها وعمل بها بتفان وصدق... لكن للأسف توافق هوى العامل مع هوى الوزير، فانتهى الصراع غير المتوازن بإعفاء المندوب من مهامه، بل تم إعفاء إقليم اشتوكة أيت باها قاطبة من مرفق مندوبية الثقافة، وأصبح بذلك تابعا من جديد لمندوبية أكادير... مندوب وزارة الصحة ثانيا: أما مندوب وزارة الصحة، فقد كان الضحية الثانية، ذلك أن قصته مع العامل أثارت كثيرا من التساؤلات والعديد من ردود الفعل، وكانت مكشوفة أكثر من سابقاتها. لأن الصراع كان واضحا وتتبعه الشارع لمدة عدة أشهر وتجاوز حدود إقليم أشتوكة أيت باها. فمندوب وزارة الصحة مشهود له بجهة سوس ماسة درعة، بل وفي كل المواقع التي عمل بها بالمنطقة الجنوبية بكفاءته ونزاهته وقدرته على المواجهة من موقع الإصلاح وعدم مهادنته للفساد أيا كان مستواه ومصدره.. ويشهد بهذا خصوم السيد المندوب قبل أصدقائه. وعندما بلغ بينه وبين أحد الممرضات المحميات من قبل العامل، مما لا يخفى على أحد في إقليم اشتوكة أيت باها، بل وحتى في أكادير الكبرى، والتي تناولتها صحف محلية ووطنية أثارت ضجة كبرى إلى حد عرضها على المجلس التأديبي لتحديها لجميع المسؤولين المباشرين، وتبجحها علانية بكونها فوق القانون، وقيامها بأعمال تخل بالسير العادي للمصالح الإدارية، تدخل السيد العامل في البداية باستدعاء المندوب ومحاولة إقناعه للعدول عن معاقبتها وعدم عرضها على المجلس التأديبي، لكن أمام إصرار هذا الأخير على اتباع المساطر الإدارية توعده السيد العامل بسوء الخاتمة إن هو أقدم فعلا على استكمال الإجراءات الإدارية... وذهب العامل إلى حد مراسلة المندوب في شأنها وادعاء أنه هو من أعطاها الأوامر للقيام بما قامت به دون اعتبار لأي مساطر إدارية. وفي هذه الظروف انتمت الممرضة المشبوهة لحزب السيد وزير الصحة آنذاك بل أصبحت بعد ذلك وكيلة اللائحة المحلية لجبهة القوى. وتناغما مع توجع العامل هذا، اهتدى أحد المستشارين الجبهويين بالإقليم (ورئيس جماعة) أحد البرلمانيين (الحريصين على الحفاظ على المنصب والانتخابات على الأبواب) إلى رفع ملتمس إلى وزير الصحة أساسه الزور والبهتان، يدعي استغلال مندوب الصحة منصبه للدعاية الانتخابية لصالح حزب العدالة والتنمية، ولتدارك الموقف قبل ضياع أحد المقاعد البرلمانية لفائدة الحزب المذكور استجاب الوزير الجبهوي دون أدنى استفسار أو طلب إيضاح لما جاء في الشكاية، وبشكل مستعجل كأنما في الأمر قضية موت أو حياة. وقد استاء لهذه الإقالة جميع أطر وموظفي الصحة بالإقليم، وراسلوا الوزارة بعرائض تفيد ذلك، كما بلغ الاستياء كافة أطر المنطقة، بل وحتى بعض الأطر العليا داخل وزارة الصحة، لكن سياسة الجبهة كانت فوق رؤوس الجميع، وتم استبداله بأحد المحسوبين على حزب الخياري وهكذا يكون التغيير! ومن أبرز منجزات مندوب الصحة المقال إخراج مشروع المستشفى الإقليمي إلى الوجود بعدما كان راكدا لمدة أربع سنوات فقد فيها سكان إقليم اشتوكة أيت باها الأمل في بناء هذا المرفق الحيوي، وبعد نجاح المندوب في تسوية كل المشاكل الإدارية والمالية المرتبطة بهذا المشروع بدأت الروح تدب في جسده في ظرف وجيز بعد توليه مهمة المندوبية، وعادت الثقة إلى كل المقاولات التي غادرت الورش سابقا لما ضاقت درعا بالتماطل الذي لحق بها بسبب تمطيط مدة الإنجاز من سنة واحدة إلى ما يفوق خمس سنوات، عادت هذه المقاولات التي تفوق العشرة من جديد بعدما أحست بجدية المسؤول الجديد في تسيير هذا المشروع. وبحضوره اليومي وإشرافه المباشر على الأشغال وتتبعه الدقيق لكل جزئيات العمليات... لكن هذه العودة التي ساهمت في إنجاز الحيز الأكبر من المشروع تفاجأت بإعفاء المندوب من مهامه فغادرت المقاولات الورش من جديد، وتوقفت الأشغال وتبخرت أحلام السكان الذين استبشروا خيرا بقرب انتهاء الأشغال وافتتاح المؤسسة الاجتماعية التي ينتظرها الصغير والكبير بالإقليم... فمن يتحمل مسؤولية هذا، أهو الوزير الجبهوي الذي اشتهر بالارتجالية في كل شيء، والذي لم يكن يهمه أولا وأخيرا سوى ما سيكسبه حزبه من الاستحقاقات من مقاعد برلمانية أو حقائب وزارية أخرى؟... أم هو العامل الذي لا يهمه سوى إزاحة كل من لا يمتثل لأوامره ونواهيه؟ فإلى أين سيذهب المواطنون للبحث عن مصالحهم ومن يخدمها بصدق؟! وأخيرا نائب وزارة التربية الوطنية: وآخر ضحايا عامل الإقليم، عنصر آخر من حزب العدالة والتنمية، إنه نائب وزارة التربية الوطنية الذي كان هذا الإقليم أول تعيين له في موقع المسؤولية، بعدما اقتنع بقدراته كل الذين عمل إلى جانبهم سواء بأكاديمية أكادير أو بإقليمتارودانت، حيث كان يعمل مفتشا للتعليم الثانوي قبل تعيينه نائبا باشتوكة أيت باها. هذا الإطار الذي ترعرع في العمل الجمعوي والثقافي في كل من قطاع التعليم والتربية وجمعيات المجتمع المدني وحركة التوحيد والإصلاح وهيئات حزب العدالة والتنمية... وجاء بكل تجربته وحماسه لخدمة القطاع الذي يحتاج لكل قدرات أبنائه الأكفاء، وحول في ظرف سنتين نيابة الإقليم إلى ورش يزخر بكل الأنشطة المرتبطة بالمسألة التربوية وقام بهيكلة ناجعة للمؤسسات الإدارية وخلق روحا جماعية لدى المسيرين، وأخرج الملفات من رفوف مكتب النائب، ووضعها بين أيدي اللجان المختصة التي يتتبع أشغالها عن كثب، وتحرك في كل أرجاء الإقليم للاطلاع على السير الفعلي للعملية التربوية في المؤسسات التعليمية، ولم يكتف بالتقارير التي يتوصل بها من مختلف الإدارات فحسب... كما خلق جوا فريدا في ميدان الشراكات مع فعاليات المجتمع المدني والنيابة، واستطاع إبداع "عملية الحضانة" التي استفاد منها أزيد من 100 تليمذ توفر لهم الكتب المدرسية والملابس وأحيانا كثيرة الغذاء طيلة فترة دراستهم الإعدادية والثانوية، وفي بعض الحالات حتى الجامعية لبعض المتفوقين... وارتفعت بنسبة التمدرس بالإقليم من 76% إلى 114%، خاصة في الوسط القروي، وتحديدا إقبال الفتاة على التمدرس في ظروف جد ملائمة (داخليات، ودار الطالبات.. والعائلات المحتضنة...). وقد وقف وزير التربية الوطنية بنفسه على هذه الإنجازات خلال زياراته للإقليم خلال انتهاء الموسم الفارط، ونوه بحرارة بكل هذه الجهود التي أصبحت في عدة اجتماعات له بأقاليم أخرى مضرب أمثلته ومحط إعجابه..!! لكن السيد العامل مرة أخرى لم يرضه كل هذا لأن الشخص غير مرغوب فيه، بل غير مرغوب في انتمائه لحزب العدالة والتنمية، الذي يقشعر جلد السيد العامل من ذكره... وبالتالي ما فتئ يراسل ويناشد الوزير لإقالة هذا المسؤول من مهامه لأنه لا يخدم مصلحة العامل، ولا يدور في فلكه وأجابه الوزير بأن هذا الشخص يصلح لهذا المنصب وإنجازاته تشهد على ذلك... لكن السيد العامل أجاب أنه إذا كان يصلح لوزارة التعليم، فإنه غير صالح لعمالة اشتوكة أيت باها... وأمام إصرار العامل وكثرة ملاحقته للسيد الوزير لم يسع هذا الأخير إلا أن استجاب لهذه الرغبة الجنونية غير المفهومة، وذلك تفاديا للمشاكل التي قد يسببها للنيابة وللوزارة في حالة عدم الاستجابة لطلبه... وبذلك رزئت هيئة التدريس بالإقليم في أحد أفضل المسؤولين الذين أنجبتهم المنطقة الجنوبية، وضاعت المشاريع التي بدأها السيد النائب، ولا أدل على ذلك من هبوط نسبة التمدرس بالإقليم في هذا الموسم من 114% إلى 84%، فمن يتحمل المسؤولية؟! وهذا التعنت الذي يطغى على سلوك السيد العامل هل يخدم فعلا مصلحة البلاد والعباد، وهل ليس عليه رقيب أو حسيب، وحتى إذا أفلت من رقابة المراقبين، فهل سيفلت من رقابة الله العلي القدير، ألا يتق الله في مسؤولياته وفي الأطر النزيهة والشريفة التي حرم منها الإقليم وسكانه صغارا وكبارا... أم أن مزاج السيد العامل أهم من مصلحة الإقليم وساكنته وهو الذي أصبح يحفظ عن ظهر قلب "مقتضيات المفهوم الجديد لسلطة" والتي من كثرة ما كررها على مسامع رواد الاجتماعات، ملها ومل سماعها العديد من العقلاء لعلمهم أن العامل مع الأسف لا يتقن سوى الأسلوب المخزني البائد بدليل حادثة "سَدْ البابْ أَعْمَرْ" التي اشتهر بها في الإقليم حيث أمر أحد أطر العمالة بإغلاق باب قاعة الاجتماعات بالعمالة حتى لا يخرج أحد من القاعة لاستكمال أحد اجتماعاته الماراطونية المملة والثقيلة بكثرة الكلام وقلة الأفعال... وكان شاهدا على ذلك بقدر الله أحد الوزراء وبعض المسؤولين المركزيين بوزارته... الممرضة المشبوهة هي ممرضة كانت تعمل بمقر مندوبية الصحة قبل أن تقوم بعملية غير قانونية تمس بمصداقية بعض الوثائق الإدارية، مما دفع بالسيد مندوب وزارة الصحة آنذاك إلى طردها خارج المندوبية، وتحت ضغط عامل الإقليم، وبطلب من هذا الأخير، عينت بمكتب حفظ الصحة لمدينة بيوكرى. فهي في كل مرة تقوم بسلوك مخل بالعمل الإداري تحظى بمزيد من الرعاية من طرف السيد العامل، بل أكثر من ذلك فهي حاضرة في العديد من الجمعيات والهيآت ذات التسيير المشبوه (دار الطالب المصالح الاجتماعية للعمالة،..) وعلى رأس العديد من الجمعيات التي يقدم بها السيد العامل الدعم الكامل وبسخاء، والأمثلة على ذلك كثيرة، كالجمعية التي تلقت من الدعم ما يفوق التصور، وما يفوق أنشطتها، وهي جمعية أسستها هذه الممرضة وتسيرها بشكل منفرد، وسلمتها العمالة إحدى سكنيات الموظفين كمقر لها، لاقتصاد مصاريف الكراء، وبعد إخلاء إحدى أهم الجمعيات بالإقليم "جمعية تيوزي" التي تغص بالأطر العليا والكفاءات، من مقرها، وعندما كثر الحديث عن هذا الامتياز، ولذر الرماد في العيون، تم استبدال الجمعية المعنية بجمعية جديدة ترأسها نفس الممرضة تحت يافطة الطفولة المشردة.. كما أشرف السيد العامل بنفسه على أشغال صيانة وتجهيز مكتب الممرضة المطرودة من المندوبية لسوء سلوكها، داخل مقر بلدية بيوكرى، وجهزه بأحدث الأثاث وبعض أدوات الفحص الطبية التي لا تمت بصلة لأنشطة مكتب حفظ الصحة (طاولات فحص النساء والتوليد!! كأن المعنية ستقوم بالكشف عن النساء أو القيام بعمليات إجهاض!!؟ وعمت الامتيازات حتى أقارب الممرضة، حيث وظفت أختها بالعمالة واستفاد أخ لها من رخصة طاكسي؟! وهي أحداث يتحدث عنها الخاص والعام بالإقليم.. وآخر فصول المسرحية ترشيحها للبرلمان واصطدامها مع ممثل رمز "الخنجر" الذي كان مقربا إليها بالأمس، وعندما تضاربت مصالحهما أخرج السيد البرلماني السابق ما كان يعرفه عنها وعن علاقاتها إلى حديث الشارع وفضح ما كان مستورا وكل ما أسعفه الحظ للاطلاع عليه. خاتمة: ليس بالشيء العادي أن يستطيع عامل إقليم تنحية ثلاثة أطر كفأة بحياكة نفس الحيل واستغلال الصراع السياسي القائم بين أحزاب اليسار في الحكومة وحزب العدالة والتنمية في المعارضة... ألا يحق لأطر الحزب تحمل المسؤوليات بعيدا عن المضايقة والمزايدة السياسية والمحسوبية على أساس الانتماء والولاء لهذا الحزب أو ذاك. وهل سيكون الانتماء السياسي لازمة وشرطا أساسيا للأحزاب الحكومية في كل عمليات التعيينات على رأس مصالحها الخارجية؟ وهل سيبقى مثل هذا العامل ينغص على المغاربة الشرفاء المصلحين الحياة المهنية ويدفعهم إلى التنحي أو مهادنة الفساد؟ إن الدعاية الحقيقية التي يقوم بها هؤلاء، والتي كانت تهمتهم، هي الجدية والتفاني والاستقامة التي أثرت فعلا في نفوس الخصوم قبل الأصدقاء، وبينوا الطريقة التي سيمكن لحزب العدالة والتنمية أن يسير بها الشأن العام. وهذا أغاظ كثيرا خصوم الحزب داخل الإقليم وخارجه... فهل سنخدم مصلحة البلاد بتصفية الحسابات، أم بالتنافس الشريف بالطرق النزيهة التي تنفع البلاد والعباد. ومن المثير للانتباه أن الأطر الثلاثة هم من أبناء المنطقة الجنوبية، وهذا يثير سؤالا عريضا حول حقيقة ما إذا كان أبناء الجنوب غير جديرين في رأي السيد العامل بتحمل المسؤولية وتنمية منطقتهم بروح أقوى وحماس أكثر نظرا لأنها جهتهم، وهم أكثر حرصا على مصلحتها... مجموعة من فعاليات الإقليم