(2) الرئيس الروسي يتهم الرئيس الأمريكي بطريقة غير مباشرة نشرنا في الأسبوع الماضي الجزء الأول من هذا التحليل الدقيق للعملية الإجرامية البشعة في مدرسة بيسلان الروسية. عملية سارع الإعلام المسطح إلى إلقاء مسؤوليتها على المقاومة الشيشانية التي سارعت إلى النفي عدة مرات وبقوة. وقبل أن تبدؤوا في قراءة الجزء الثاني من هذا التحليل الذي يلقي المسؤولية على الولاياتالمتحدة التي تسعى لإضعاف روسيا وإخراجها من القوقاز، وأخطار اندلاع حرب عالمية ثالثة، لا بد من استحضار آخر المعطيات عمن قام بالعملية، فقد تداول الإعلام بيانا ظهر على الانترنت نسب إلى شامل باساييف يعترف فيه بأنه هو المنفذ لتلك العملية. لكننا عندما نعلم أن هذا الرجل ليس سوى عضو في المخابرات المركزية الأمريكية نفهم أساليب الحروب الإعلامية لتضليل الرأي العام. باساييف سبق له أن التحق ببوريس إلتسين عام عند محاولة انقلاب العسكر عليه عام 1991 وفي عام 1995 أعلن مسؤوليته عن عملية مستشفى بودينوفسك حيث قتل 150 شخصا معظمهم من الطاقم الطبي. وكان باساييف قد عاد آنذاك للتو من معسكر في أفغانستان حيث دربته المخابرات الباكستانية والأمريكية على مثل تلك العمليات لإثارة الرأي العام العالمي وتشويه صورة روسيا. حرب أمريكية التنفيذ صهيونية التوجيه حسب الشهادة الخطيرة لأحد أخبر خبراء أروقة صنع القرار الأمريكية فإنها حرب أمريكية التنفيذ يهودية التوجيه ضد عالمنا العربي والاسلامي تدور رحاها في كل المعمورة بما في ذلك القوقاز. لا تنحصر مخاوف روسيا من حرب القوقاز أو بالتحديد حرب الشيشان في مجرد استقلال جمهورية الشيشان عن جمهورية روسيا الاتحادية بل في المنتهى في مخاوف أسلمة روسيا ككل، فقد صرح الرئيس الروسي فالديمير بوتين عام 2000 م بالتالي (في حال انتشار التطرف الإسلامي بين مسلمي القوقاز، فإنه من الممكن أن ينتشر بين مسلمي منطقة الفولجا مؤدياً إما إلى أسلمة روسيا ككل أو إلى تفتتها إلى العديد من الدول الصغيرة). وعلى رغم الدلالات القوية في هذا التصريح عن عظمة الإسلام ومقدرته على الانتشار الذاتي لأنه دين الحق، فإن ثمة من يستغل هذه المخاوف في الغرب لهدفين رئيسيين : المزيد من الإضعاف لروسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفيتي من جهة مخافة تجدد قوتها، وجرها كطرف في الحرب الأمريكية المعلنة على الإسلام والمسلمين من جهة أخرى من خلال تنفيذ مسرحيات إرهابية كتلك التي وقعت بمدرسة بيسلان بجمهورية أو سيتيا الروسية، وقد سقت في مقال الأسبوع الماضي الذي حمل نفس العنوان بعض الاستدلالات المادية التي تشير إلى وجود أصابع خفية وراء تلك العملية غير الإنسانية. واستشهد في هذه المقالة بتحليل للسياسي الأمريكي المخضرم ليندون لا روش الذي يرى أن المقصود بتهديد الرئيس الروسي بوتين الذي أطلقه عقب الحادثة هما شخصا كل من الرئيس الأمريكي جورج بوش ونائبه ديك تشيني. دعونا نؤكد هنا وقبل التعريج على تحليل السيد لا روش على أن الولاياتالمتحدة تخوض فعلاً وعن سابق عمدٍ وإصرار حرباً عالمية ضد الإسلام والعالم الإسلامي تحت غطاء محاربة الإرهاب، هذه المقولة لم تعد تصدر عن المسلمين أنفسهم فقط بل شهد بها أكثر من شاهد من أهلها، وآخر هؤلاء الشهود الكتاب الذي صدر مؤخراً في الولاياتالمتحدة بعنوان (الصلف الإمبراطوري : لماذا يخسر الغرب الحرب ضد الإرهاب) لمؤلفه مجهول الذي يؤكد قطاع واسع من الصحافة الأمريكية أنه الخبير الضليع في تحليل شؤون الإرهاب ب السي آي أي الأمريكية ميتشل شوور، وقد اعتبر النقاد أن المؤلف عبارة عن منجم ذهب من المعلومات المهمة إضافة إلى كونه تحليلا متميزا للحالة القائمة بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي، التي يصفها المؤلف في الكتاب بقوله (إننا نخوض حرباً على مستوى العالم ضد المقاومة الإسلامية وليس ضد الإرهاب والجريمة)، و(أن الولاياتالمتحدة لم تتمكن سوى من إحداث ثلمة بسيطة في العدو)، وأنه (ليس ثمة من علاقة لهذه الحرب بكوننا ديمقراطيين أو أحرارا أو أثرياء كما يزعم الرئيس بوش، ولكن كل العلاقة بسياسات الولاياتالمتحدة وأعمالها في العالم الإسلامي وعلى وجه الخصوص الدعم غير المحدود لإسرائيل في اضطهادها للفلسطينيين ولتدمير العراق ). ومن بين الجمل التي جاءت في هذا الكتاب بالغ الأهمية وتدعو للتفكر حقاً قول المؤلف (إن لهذه الحرب الطاقة على الاستمرار لأزمنة تتخطى أعمار أبنائنا وأن تجري معظم معاركها فوق تربة الولاياتالمتحدة ). ويمضي المؤلف في استنتاجاته (إن الخطر الذي يواجه الولاياتالمتحدة هو جهاد المدافع، أنه ردة فعل إسلامية عسكرية أشعل فتيلها الهجوم من غير المسلمين على الدين الإسلامي ذاته، وعلى المسلمين، وعلى ديار الإسلام، وأن المسلمين آخذون في المقاومة المتصاعدة )، ثم يذهب في استنتاجاته للنهاية حيث يقول (بأن إسرائيل قد أفلحت بأحكام الأربطة التي تسخر البطل الأمريكي لسياسات الدولة اليهودية ). إذاً فهي كما جاء في هذه الشهادة الخطيرة لأحد أخبر خبراء أروقة صنع القرار الأمريكية حرب أمريكية التنفيذ يهودية التوجيه ضد عالمنا العربي والإسلامي عقيدة وشعوباً وبلاداً تدور رحاها في جميع أنحاء المعمورة بما في ذلك القوقاز الذي تمت فيه عدد من العمليات الإرهابية المتتابعة منذ نهاية شهر غشت الماضي كان من بينها تفجير طائرتين روسيتين من طراز انتونوف، وتفجيرات بجوار متروالأنفاق بموسكو، وعملية اختطاف المدرسة وحجز الأطفال والمدرسين رهائن تلك العملية التي انتهت نهاية مأساوية مفزعة لا يقوم بها ولا حتى أهمج شعوب الأرض أريد لها أن تنسب للمقاومة الإسلامية بالشيشان، رغم نفي القيادات الشيشانية لذلك. بوتين يتهم بوش وتشيني ومع ذلك فإن تصريحات الرئيس الروسي بوتين كانت جلية كالشمس في رابعة النهار في إلقاء اللائمة على قوى عالمية خارج روسيا تستغل الوضع الشيشاني لأجندتها الخاصة. على ضوء هذه الخلفية يمكن تكوين فهم أعمق لتحليل السياسي الأمريكي السيد لا روش على تصريحات الرئيس الروسي بوتين المشار إليها في بداية المقال كردة فعل روسية على الحادثة، التي كان مما جاء فيها (تتعرض روسيا للهجوم من قبل قوى تنطلق من قلب القوقاز، تلقى التعاطف والدعم في الخفاء ليس فقط من قبل دول مرتبطة بحكومة الولاياتالمتحدة، ولكن أيضاً بالدعم الفعلي التنفيذي للعملاء الخفيين النشطين من وراء الكواليس في هذه المناطق). ويقرأ السيد لا روش سياسياً التالي في هذا التصريح للرئيس الروسي. 1 إن روسيا على علم ودراية بأنها تتعرض لهجمات إرهابية من مصادر خارج روسيا لها مصالح استراتيجية في تحويل روسيا إلى كيان هزيل، وإن هذا الهدف معلن كما يرى لا روش في الصحافة الأوربية تحت مطالب (على روسيا أن تنسحب من القوقاز). وفي تقديري إن في هذا الطرح (خروج روسيا من دول القوقاز) وإن كان متوافقاً مع مصالح المسلمين إلى حد ما حيث إن روسيا القيصرية قد بنت أمجادها على محاربة وإضعاف دول تلك المنطقة المسلمة، إلا أن المناداة الغربية به في هذا الوقت لها منطلقات مغايرة تماماً ألا وهي إحلال القوة الأمريكية في تلك الديار مكان القوة الروسية ليس فقط للسيطرة على النفط بل للوقوف أمام الصحوة الإسلامية في تلك الديار المسلمة، في الحين الذي بدأت فيه روسيا تأخذ منحىً آخر وهو تخفيف قبضتها على مسلمي المنطقة ومحاولة فتح صفحة جديدة مع المسلمين من خلال الانضمام لمنظمة المؤتمر الإسلامي نظراً للتعداد الكبير من مواطنيها المسلمين، كما لكونها تنظر إلى المسلمين كعمق استراتيجي يمكن لها التحالف معه ضد محاولة الغرب تركيع روسيا بشكل نهائي، وفي هذا الاحتياج الروسي فرصة تاريخية يمكن للدول المسلمة النفاذ من خلالها والتوصل لحلول ولو جزئية لتحسين أوضاع المسلمين بروسيا ولحل ولو وسط لمشكلة الشيشان. 2 كما يرى السيد لا روش في تصريح الرئيس الروسي صراحة وعلانية إلى أقصى ما تسمح به الأعراف الدبلوماسية العالمية في توجيه التهمة مباشرة للولايات المتحدة حيث قال في تحليله: >إن ما يحاول الرئيس الروسي قوله هو إننا نعلم بوجود أناس في الولاياتالمتحدة الذين يتوصلون حتى للحزب الديمقراطي ذاته من خلال قنوات خاصة خلف هذه العملية<، مبيناً أن الهجوم كان هجوما استراتيجيا على دولة نووية. 3 كما يقرأ السيد لا روش الغباء السياسي في الذين قاموا بهذا العمل لأن روسيا وليس فقط روسيا السوفيتية النتاج التاريخي لما بعد الحرب العالمية الثانية بل روسيا التاريخية لها في تقديره ماضٍ عريق في رد الصاع صاعين لمن يهاجمها وذلك منذ أيام القيصر الروسي بيتر العظيم(وإنما العظيم الله) الذي قهر الحملة النابليونية ضد روسيا. 4 كما يقرأ السيد لا روش في تهديدات بوتين توجيه أصابع الاتهام بشكل مبطن مباشرة إلى إدارة الرئيس بوش الحالية، وأن في ذلك أيضاً إنذارا بأن في تكرار العبث الأمريكي بأمن روسيا فتحا لباب الحرب العالمية الثالثة التي ستكون آثارها التدميرية أبعد من خيال أكثر الناس. وأعود لنفس السؤال الذي طرحته الأسبوع الماضي في هذه الزاوية وتحديداً عن هذا الموضوع، إذا كانت أبعاد هذه القضية معقدة بهذا الشكل بشهادة دهاقنة الساسة الغربيين ومحلليهم الاستخباراتيين لماذا يصر البعض من كتابنا على تسطيح القضية، وترديد ما يقوله الإعلام الغربي بأن المسلمين هم الإرهابيون البرابرة؟. د. سامي سعيد حبيب رئيس الجمعية السعودية لعلوم الطيران والفضاء [email protected] خدمة ل"التجديد" من صحيفة المدينة السعودية