المتتبع لمجريات وتطورات الأحداث خلال السنوات الأخيرة، خاصة منذ انطلاق مسلسل التناوب على الحكومة، والتداول الإعلامي للمفهوم الجديد للسلطة، أن هناك انتكاسة خطيرة وتراجعا ملحوظا لحقوق الإنسان بالمغرب. الانتكاسة طالت الحقوق الفردية والجماعية والتضييق على حرية التعبير والرجوع إلى أساليب التعذيب والاختطاف. وقد تسارعت وتيرة هذا التقهرر منذ 11 شتنبر 2001 ، تاريخ تدمير مركز التجارة العالمي الأمريكي وجزء من مبنى وزارة الدفاع (البنتاغون) وسقوط الآلاف من القتلى الأمريكيين وغيرهم، هذا الحدث غير المسبوق كانت له انعكاسات خطيرة على المستويين الدولي والمحلي، حيث أشعلت الولاياتالمتحدةالأمريكية نار حرب شرسة ومفتوحة على ما أسمته ب"الإرهاب العالمي" سواء على مستوى الأفراد أو الدول أو المنظمات، وجلهم من العالم الإسلامي ولهم خلفيات إسلامية. ولملاحقة عناصر تنظيم "القاعدة" دوليا، فرضت الولاياتالمتحدة على بعض الدول التعاون معها قسرا في المجال الأمني والاستخباراتي، والانخراط اللامشروط في مسلسل الاختطافات والاعتقالات التعسفية للأفراد، خاصة الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني أو كانت لهم علاقة بتنظيم القاعدة، وكان المغرب نموذجا لبلد انساق وراء رغبات أمريكا الاستعمارية والتوسعية، وفتح باب التعاون الأمني معها، مما أثر على مجال حقوق الإنسان بالمغرب، وخرق المقتضيات القانونية المحددة لها. المسلسل التقهقري لحقوق الإنسان بالمغرب سجل المراقبون في العقد الأخير نوعا من التقدم الملموس في مجال حقوق الإنسان بالمغرب، وذلك من خلال بعض المعطيات الواقعية كإنشاء المغرب للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والانفتاح على المنظمات الدولية المهتمة بالشأن الحقوقي، وممارسة الملك لحق العفو على بعض سجناء السياسة والرأي بداية من سنة 1994، وتدشين سياسة التناوب على السلطة بداية من سنة 1998 ، حيث أدى ذلك ببعض المناضلين الحقوقين أو المعتقلين السابقين من تقلد بعض المناصب السياسية كعبد الرحمان اليوسفي وعمر عزيمان ومحمد أوجار وغيرهم. لكن رغم ما يقال عن هذه الطفرة الحقوقية، فإن المراقبين لهذا الشأن، خاصة ما جاء في التقارير السنوية للمنظمات الحقوقية، سجلوا بالمقابل مجموعة من الممارسات اللاحقوقية، مست عدة مكتسبات فردية وجماعية، وعلى سبيل المثال انطلاق حملة الاختطافات العشوائية غير المراعية للضوابط القانونية المعمول بها في هذا الشأن، والتي شملت ما سمي بعناصر "السلفية والجهادية" و"الهجرة والتكفير"، وذلك انسجاما مع اهتمامات الولاياتالمتحدة في الكشف عن التنظيمات الجهادية العالمية والمرتبطة أو المتعاونة مع تنظيم القاعدة. وقد انخرط المغرب مباشرة في هذه العملية بعد أحداث 11 شتنبر، وكنتيجة للتعاون الأمني مع أمريكا. وقد تحدثت وسائل الإعلام عن اختطاف المئات من المواطنين المغاربة في الآونة الأخيرة من طرف الأجهزة الاستخباراتية المغربية، منهم من أطلق سراحه ومنهم من هو في عداد المفقودين، وشدد الخناق خاصة على العناصر التي شاركت في الجهاد الأفغاني أو ذات الصلة بالتيار السلفي العالمي، وهي العناصر ذاتها المطلوبة من قبل أجهزة المخابرات الأمريكية. والأمثلة على ذلك كثيرة كمحاكمة "علي العلام"، أحد الناشطين في الجهاد الأفغاني، ومحاكمة "محمد عبد الوهاب رقيقي" المعروف بأبي حفص، الذي سافر إلى أفغانستان وكان والده من المساهمين في الجهاد، واختطاف"الميلودي زكرياء" المدعو بأبي عبدالله المغربي، وكذلك أبو طلحة بطنجة، والغرباوي والشاذلي بمدينة سلا، وكمال ومحمد الشطبي، وكانت آخر الحالات المختطفة هي حالة المسمى "عبد الحق رضوان"، وقد صاحبت عمليات الاختطاف مصادرات ومداهمات، لم تحترم لا حرمات المنازل ولا حرمات الوقت، كما أن الحالات المفرج عنها تحدثت عن أنواع عدة من انتهاكات حقوق الإنسان كالتعنيف والسب والشتم والتعذيب. قمع الحريات العامة ومنعها خلال السنوات الأربع الأخيرة ازدادت حدة قمع الأشخاص والجمعيات، وقد تجلى ذلك في عدة ميادين، منها منع وقمع الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات السلمية والمسيرات المحلية والوطنية، وكان على رأسها اضطهاد التظاهرات التي عرفتها عدة مدن مغربية بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 9 و 10 دجنبر 2000. ولم يقتصر الأمر على الاضطهاد فقط وإنما ترتب عنها بعض المحاكمات كمحاكمة عائلة عبدالسلام ياسين التي لم يصدر فيها حكم لحد الساعة. وقد تركز القمع الدموي في بعض الأحيان بشكل أشد على الحركات الاحتجاجية التي قام بها المعطلون والمعاقون والمضربون، والتي كان شارع محمد الخامس بالرباط مسرحا لها، وطالت في بعض المناسبات المارة من المواطنين، وقد شهدت دار الحديث الحسنية تدخلا أمنيا سافرا نتج عنه عدة إصابات جسدية وإغماءات في صفوف خريجي هذه المؤسسة. ولم يسلم الطلبة من بعض المحاكمات القضائية كما حصل في مدينة آسفي بتاريخ 23 أكتوبر 2002، حيث أدين 30 مجازا بشهر واحد نافذة مع الغرامة. ويمكن من جهة أخرى الحديث عن استمرار السلطة في عدم منح وصولات ايداع ملفات تأسيس الجمعيات، ورفض الترخيص لبعض الأحزاب والجمعيات من استغلال القاعات والأماكن العمومية لتنظيم أنشطتها بالرغم من وجود القوانين المنظمة لهذه الحقوق. وقد شكل إقدام وزارة الداخلية في وقت سابق على إصدار مرسوم يقضي بمنع تلك الأنشطة بالقاعات العمومية انتكاسة خطيرة في قمع الحريات، وقد تم إلغاء هذا المرسوم فيما بعد. ويمكن أن نسجل أيضا استمرار السلطة المغربية في اعتقال سجناء الرأي وخاصة المعتقلين الإسلاميين الذين استثنوا من قرار العفو الملكي. وقد عرف العهد الجديد أيضا تضييقا على حرية الصحافة بمنع جرائد العدل والإحسان من الصدور، وفيما سبق منعت كل من "الصحيفة" و"لوجورنال" و"دومان ماغازين" من الصدور، كما أن ساحة الإعلام لم تخل من بعض المحاكمات في هذا المجال، كما هو الشأن في محاكمة جريدة "دومان"الأسبوعية بتهمة المس بمقدسات الوطن، بالإضافة إلى بقاء قانون الصحافة سيفا مسلطا على حرية التعبير بالمغرب.. 2 تجاوز غير مبرر لمقتضيات القانون ما يجعل بعض المتتبعبن يذهبون إلى القول بانتكاسة حقوق الإنسان بالمغرب، هو عدم احترام المساطر القانونية المعمول بها في اعتقال الأفراد، وكانت النتيجة هي الزج بهم في غياهب المخافر السرية وتعريضهم للتعذيب وأصناف متعددة من الإهانة. وهذا شأن موجة الاختطافات التي عرفها المغرب هذه السنة، والتي تنامت وتيرتها قبيل الانتخابات التشريعية، وقد بقيت مستمرة حتى بعد الاستحقاقات، كما هو الحال بالنسبة للمواطن "عبد الحق رضوان" الذي لازال مجهول المصير لحد الساعة. وكمثال آخر على هذا التقهقر الحقوقي ما عرفه ملف ما سمى ب "الخلية النائمة للقاعدة" بالمغرب، من خروقات جمة، كحجز السعوديين الثلاثة في مخافر سرية لمدة شهر كامل، ليتم عرضهم بعد ذلك على القضاء المغربي، وهي نفس الطريقة التي تمت بها معالجة ملف "السلفية الجهادية". فلمصلحة من إذن يتم خرق القوانين التي شرعت لها أو المعاهدات التي صادق المغرب عليها والعودة إلى المحاكمات السياسية؟ فالقانون وضع أساسا لتمكين الأفراد من إثبات براءتهم، ولتسهيل ذلك وضع المشرع المغربي سلسلة من ا الإجراءات الدقيقة، على غرار باقي الدول، كقواعد الحراسة النظرية وشروط الاعتقال الاحتياطي وغيرها من الضوابط التي تصون حرية وكرامة الإنسان، ولا يصبح لدولة الحق والقانون أي معنى دون الالتزام بمقتضيات المحاكمة العادلة، فليست العبرة بإفراد العقاب وإلصاق التهم، وإنما العبرة بمشروعية الوصول إلى إثبات تلك الجرائم ومدى ملاءمة العقوبات المترتبة عنها. وتتجلى الانتكاسة أيضا على مستوى بعض التشريعات التي ارتدت إلى الوراء وتراجعت عن بعض المكتسبات المحققة كقانون المسطرة الجنائية، الذي عبر بعض الاختصاصيين، أنه لم يكن في المستوى المنتظر منه، حيث عززت سلطة النيابة العامة على حساب باقى مكونات القضاء، وكذلك عملها على شرعنة التجسس والتصنت الهاتفي، وهو ما اعتبر أيضا انتهاكا صريحا لحقوق الإنسان و لسرية المراسلات المضمونة بمقتضى الدستور. ويخشى أن تمرر مشاريع قانونية أكثر تراجعية كمدونة الشغل والأحزاب السياسية القانون التنظيمي للإضراب. ومن جهة أخرى، يلاحظ أن السلطات المغربية لم تفتح أي تحقيق بخصوص تصريحات "أحمد البوخاري" عميل المخابرات المغربية السابق، والمتعلقة بتورط بعض هذه الأجهزة في بعض جرائم الاختطاف والتعذيب والقتل، في الفترة السابقة. بماذا يفسر سكوت المنظمات الحقوقية؟ أغلب المنظمات الحقوقية تزامن ظهورها بمرحلة تاريخية معينة عرفها المغرب، وهي فترة الستينيات والسبعينيات، حيث عرفت باصطدامات واسعة بين النظام المغربي وبعض الفصائل اليسارية المعارضة، وهو ما تؤكده المؤلفة " مارغوريت روليند" في كتابها "الحركة المغربية لحقوق الإنسان بين الإجماع الوطني والالتزام المواطني" بأن ميلاد جمعيات حقوق الإنسان بالمغرب كان أساسا نتيجة لمواصلة الشعور بالضغط وتقزيم الأحزاب السياسية والحركة الطلابية لاسيما اليسارية، وبأن حقوق الانسان كانت رد فعل المعارضة على السياسة الحكومية. و يمكن أن نعزي عدم فعالية هذه المنظمات الحقوقية متابعة ملف الاختطافات الأخيرة إلى أنها قامت بتصفية ملفات مناضليها ومتحزبيها، وأن الاختطافات الحالية تهم بعض التيارات الإسلامية ذات المنحى المخالف لتصور تلك الجمعيات. ويمكن ملاحظة ذلك في الإشارات الثانوية والمقتضبة المضمنة في بيانات المنظمات الحقوقية المغربية إزاء الاختطافات المتواصلة لحد الآن والتي تشكل خرقا واضحا لحقوق الإنسان، وهو عكس الضجة الإعلامية التي كانت تحدثها بمناسبة اختطاف بعض المناضلين اليساريين في المرحلة السابقة. فهل يشكل هذا تحولا وانعطافا في مسار هذه الجمعيات الحقوقية؟ وعلى سبيل المثال فقد خاضت عائلات المتهمين في قضية "الخلية النائمة" إضرابا عن الطعام واعتصاما أمام سجن عكاشة قرابة الشهر، احتجاجا على الوضعية المزرية للمعتقلين، وذلك وسط تجاهل تام من قبل الجمعيات الحقوقية. وفي ذات السياق يمكن الإشارة إلى عدم فعالية الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان في متابعة الخروقات الحقوقية، واكتفاؤها بالشكليات والدراسات الحقوقية والمحافل الدولية، مع أنها وزارة يمكن أن تبدي الملاحظات والاستفسارات عن كل تجاوز قد يمس حقوق الإنسان، وتراقب في ذلك جميع الوزارات والمؤسسات، كما أن وزارة العدل يمكنها أن تمارس ضغطا على المنتهكين بتفعيل الشكايات المقدمة في الموضوع من قبل المتظلمين، بحكم أنها الوزارة الوصية علي تنظيم القضاء وشؤونه بالمغرب. حقوق الإنسان بالمغرب إلى أين؟ تعتقد "مارغوريت روليند" أن الحركة الحقوقية شهدت تطورا ملحوظا في التسعينات، خاصة بعد موجات الإفراج عن المعتقلين السياسين وعودة معارضين من المنفى، لكن رغم هذا القول، يمكن لأي متتبع أن يسجل الملاحظات التالية: الاختطافات الأخيرة التي مست نشطاء بعض المجموعات السلفية بالمغرب، تعد تقهقرا إلى الوراء في مجال الحقوق الإنسان بالمغرب، لعدم احترام مبادئ الإسلام وقوانين البلد والمعاهدات الدولية. ملف الاعتقال السياسي وقمع المظاهرات ووضعية السجون بالمغرب والهجرة السرية كلها ملفات لازالت عالقة وتمثل نقطا سوداء في السجل الحقوقي للمغرب. هذه الانتكاسة التي تحدثنا عنها مرتبطة بالوضع الدولي الراهن حيث أثرت أحداث 11 شتنبر بأمريكا على وضعية حقوق الإنسان بالعالم خاصة في العالم العربي والإسلامي. مراجعة وضعية المخابرات المغربية و إخضاعها لضوابط قانونية ومراقبة مؤسساتية وهو مطلب مجموعة من المناضلين المغاربة. عمر العمري