ثمة قناعة متنامية حول اعتبار هذه السنة سنة الانتكاسة في المشهد الإعلامي الوطني، بما أصبحت معه مجمل المكتسبات المحققة في السنوات الماضية فاقدة للجدوى والأثر في صيانة مشهد الإعلامي من الانزلاق والتردي، وهي وضعية تعددت المؤشرات الدالة عليها، سواء على مستوى الحريات الإعلامية أو الأخلاقيات المهنية أو مشاريع إصلاح المجال السمعي البصري المعطلة، في الوقت الذي عرفت فيه هذه السنة عند انطلاقها خطابا تبشيريا ودعائيا، لكن جاءت تفجيرات 16ماي لتشكل مقدمة انقلاب بما أتاحته من تغطية سياسية واجتماعية للإجهاز على الحريات وتحريك سلسلة المتابعات القضائية في حق الصحافيين، مما كانت حصيلته 5 صحافيين وراء القضبان ونزول المغرب إلى الرتبة 131 عالميا في مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود فيما يتعلق بأوضاع حريات الصحافة. ذلك أن المتابعات التي تمت في هذه السنة قدمت نموذجا على نوعية التصور الذي يحكم تطبيق قانون الصحافة المصادق عليه في سنة ,2002 وهو تصور ظهرت بوادره مع الإعلان عن مضامين القانون الخاص بمكافحة الإرهاب في يناير ,2003 حيث كشف عن مسعى للضبط الأمني وربط المجال الإعلامي لصالح بعض التوجهات والاختيارات السياسية والإيديولوجية مما أفرز تزايد حالات الإقصاء الممنهج وإشهار سيف الملاحقات القضائية مما كانت له نتائج مباشرة على الطفرة الإعلامية المنشودة. ولعل من المفيد التوقف عند دلالة تزامن صدور التقرير الأولي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان-فرع الدارالبيضاء وذلك حول أحداث 16ماي 2003 هذا الأسبوع في الوقت الذي يستعد فيه رجال الصحافة تخليد اليوم الوطني للإعلام، فهذا التقرير في عمقه رسالة إدانة للمشهد الإعلامي الوطني الذي عرف حالة شبه غياب كاملة إزاء ما جرى من انتهاكات فضيعة للحريات وضمانات المحاكمة العادلة وخاصة ما ارتبط عدم اعتماد مبدأ قرينة البراءة، و وقوع اعتقالات تعسفية واختطافات طالت المئات من المواطنين، وتجاوز المدة القانونية للحراسة النظرية وتزوير تواريخ الاعتقال في عدة حالات، وعدم إبلاغ المشبوه فيهم بسبب اعتقالهم وبحقوقهم، والتعرض للتعذيب والمعاملة القاسية، و ضرب والتضييق على الحق في الدفاع، وهي الانتهاكات التي أكد عدد منها التقرير المضاد الذي أعدته كل من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والذي قدم أمام اجتماع لجنة حقوق الإنسان بجنيف في أكتوبر الماضي، حيث أن دراسة معطيات كلا التقريرين تؤكد أنه باستثناء حالات معدودة نجد أن بعض منابر الإعلام عملت على الإشارة المنتظمة لتلك الانتهاكات بما يشكل عملا رديفا وأساسيا للعمل الحقوقي، فالملاحظ هو عكس ذلك حيث أن بعض الكتابات أصبحت بمثابة ذراع إعلامية لتبرير تلك الانتهاكات هذا إذا لم تقدم على أن تصدر أحكامها قبل أن يبث فيها القضاء، دون أن تنسى مهمة المطاردة الإعلامية لمخالفيها وتسييد ثقافة التهييج والإرهاب الفكري لإسكات الصوت المخالف، بمعنى أن نكسة سنة 2003 الإعلامية لم تكن نكسة حريات تقتصر على الأحكام الخمسة التي صدرت ضد الصحافيين ، بل تجاوزتها إلى نكسة ذاتية تخلت فيها الصحافة عن موقعها كسلطة رابعة تضطلع بالرقابة على الفاعلين وتقدم القدوة من ذاتها. تبقى نقطة الضوء الوحيدة التي عرفتها السنة الإعلامية المنصرمة ممثلة في صدور الظهير الخاص بالهيأة العليا للإعلام السمعي البصري، والذي عبر عن توجه لتحرير للقطاع السمعي البصري ودفعه نحو مزيد من الانفتاح والتنافسية والتأهيل، وهي توجهات إيجابية لكن نجاحها رهين باندراجها ضمن مشروع شامل في إصلاح المجال السمعي البصري، وهو مشروع رغم الإعلان المتكرر عن مضامينه ما يزال خاضعا لتماطل غير مفهوم. الواقع أن إيقاف هذا المسلسل من الانتكاس يحتاج لوقفة ومبادرة وطنية مسؤولة تعيد الثقة وتوقف هذا النزيف قبل فوات الأوان. مصطفى الخلفي