نشرة إنذارية: زخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة الجمعة بعدد من مناطق المملكة    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    برشلونة يلتقي ريال مدريد في نهائي كأس ملك إسبانيا غدا السبت    قطار التعاون ينطلق بسرعة فائقة بين الرباط وباريس: ماكرون يحتفي بثمرة الشراكة مع المغرب    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    عناصر بجبهة البوليساريو يسلمون أنفسهم طواعية للجيش المغربي    بودريقة يمثل أمام قاضي التحقيق .. وهذه لائحة التهم    تقرير يكشف عن نقص في دعم متضرري زلزال الحوز: 16% لم يحصلوا على المساعدة    إسكوبار الصحراء.. الناصري يلتمس من المحكمة مواجهته بالفنانة لطيفة رأفت    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    افتتاح مركز لتدريب القوات الخاصة بجماعة القصر الصغير بتعاون مغربي أمريكي    مذكرة السبت والأحد 26/27 أبريل    إحصاء الخدمة العسكرية ينطلق وأبناء الجالية مدعوون للتسجيل    المغرب – الصين: الريادة النسائية في عصر الذكاء الاصطناعي محور ندوة بالرباط    "البيجيدي" يعلن غياب وفد "حماس" عن مؤتمره    بعد الأحكام الأخيرة.. أسرة ياسين الشبلي تعلن اللجوء للقضاء الدولي    ضابط شرطة يطلق رصاصا تحذيريا لإيقاف مروج مخدرات حرض كلابا شرسة ضد عناصر الأمن بجرادة    مهرجان "كوميديا بلانكا" يعود في نسخته الثانية بالدار البيضاء    "أمنستي" تدين تصاعد القمع بالجزائر    أرباح اتصالات المغرب تتراجع 5.9% خلال الربع الأول من 2025    "أسبوع المغرب في موريتانيا" يعزز الشراكة الاقتصادية والثقافية بين البلدين    المغرب استورد أزيد من 820 ألف طن من النفايات والمواد القابلة لإعادة التدوير خلال 2024    أبرزها "كلاسيكو" بين الجيش والوداد.. العصبة تكشف عن برنامج الجولة 28    طنجة.. ندوة تنزيل تصاميم التهيئة تدعو لتقوية دور الجماعات وتقدم 15 توصية لتجاوز التعثرات    اتفاقية تدعم مقاولات الصناعة الغذائية    "البيجيدي" يعلن عدم حضور وفد حماس في جلسة افتتاح مؤتمره التاسع ببوزنيقة    محاكمة أطباء دييغو مارادونا تكشف تفاصيل الأيام الأخيرة    الإعلان عن صفقة ب 11.3 مليار لتأهيل مطار الناظور- العروي    ميسي يطلب التعاقد مع مودريتش.. وإنتر ميامي يتحرك    فوضى أمام الفاتيكان في اليوم الأخير لوداع البابا فرنسيس الأول    على حمار أعْرَج يزُفّون ثقافتنا في هودج !    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يناقش "الحق في المدينة" وتحولات العمران    السايح مدرب منتخب "الفوتسال" للسيدات: "هدفنا هو التتويج بلقب "الكان" وأكدنا بأننا جاهزين لجميع السيناريوهات"    شراكة تجمع "ويبوك" وجامعة كرة القدم    رفضا للإبادة في غزة.. إسبانيا تلغي صفقة تسلح مع شركة إسرائيلية    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    جرادة.. ضابط شرطة يطلق النار لتتوقيف ممبحوث عنه واجه الأمن بالكلاب الشرسة    كاتبة الدولة الدريوش تؤكد من أبيدجان إلتزام المملكة المغربية الراسخ بدعم التعاون الإفريقي في مجال الصيد البحري    الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    الزلزولي يعود للتهديف ويقود بيتيس نحو دوري الأبطال    الصين تنفي وجود مفاوضات تجارية مع واشنطن: لا مشاورات ولا اتفاق في الأفق    رواد سفينة الفضاء "شنتشو-20" يدخلون محطة الفضاء الصينية    حين يصنع النظام الجزائري أزماته: من "هاشتاغ" عابر إلى تصفية حسابات داخلية باسم السيادة    المديرة العامة لصندوق النقد الدولي: المغرب نموذج للثقة الدولية والاستقرار الاقتصادي    من قبة البرلمان الجزائر: نائب برلماني يدعو إلى إعدام المخنثين    "الإيسيسكو" تقدم الدبلوماسية الحضارية كمفهوم جديد في معرض الكتاب    أكاديمية المملكة المغربية تسلّم شارات أربعة أعضاء جدد دوليّين    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    هل يُطْوى ملفّ النزاع حول الصحراء في‮ ‬ذكراه الخمسين؟    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ أحمد اخشيشن الخبير الدولي في الإعلام والاتصال ل"التجديد": المطلوب إنشاء هيئة إعلامية مستقلة تتعامل بديموقراطية مع كافة الهيئات السياسية خارج فترة الانتخابات
نشر في التجديد يوم 10 - 10 - 2002

كيف كان أداء الإعلام المغربي خلال فترة الانتخابات؟ لماذا لم يتح الإعلام فرصة لذوي طروحات مقاطعة الانتخابات، هل واكب الإعلام حدث الاستحقاقات؟ هل كان صانعا للحدث مسايرا له؟ ما هو مستقبل الإعلام المغربي في ضوء الانتخابات؟ أسئلة مركزية وجهتها التجديد للأستاذ أحمد أخشيشن خبير دولي في الإعلام والاتصال ومستشار لدى المرصد الوطني لحقوق الطفل، فكان معه الحوار التالي.
كيف تقيمون الأداء الإعلامي قبل وأثناء، وبعد الانتخابات؟
بكل تأكيد كل المؤشرات تبين أن هناك مستجدات عرفها مسار حياتنا السياسية خلال هذه الفترة الانتخابية التي عشناها، و فترة الإعلان عن النتائج، وبقدر ما تم إرساء قواعد اللعبة الديموقراطية بقدر ما لعب الإعلام دورا مركزيا وأساسيا. وقد شاهدنا هذه الفرضية بشكل واضح قبل فترة الانتخابات بتقديم مجمل الطروحات السياسية، ثم أثناء الفترة الانتخابية، خلالها قامت وسائل الإعلام بدورين متميزين، دور الإعلام الحزبي في إطار التعبئة لمشروع سياسي معين، بالموازاة بروز الدور المتقدم الذي لعبه الإعلام المستقل في التعريف ليس فقط بمجموع القضايا التي راجت قبل الانتخابات، وإنما أيضا التعريف بمجمل الأخبار حول سير الحملة، هنا أستحضر مجموعة من العناوين البارزة في الصحافة المكتوبة التي لعبت دورا أساسيا. وفي رأيي أن الإقبال عند الجمهوركان ليس على القراءة فحسب بل حتى متابعة التغطيات التي كانت تقوم بها وسائل الإعلام السمعية البصرية، وعليه فإنه لا يمكن أن نتصور إرساء نظام ديموقراطي يحترم اللعبة بدون أن نتيح الفرصة للإعلام حتى يكون له دور أساسي ومركزي في هذه الفترة.
في تقديركم لماذا لم يتح الإعلام السمعي البصري فرصة لذوي طروحات مقاطعة الانتخابات انسجاما مع فكرة إرساء الديموقراطية؟
هذا الموقف محير فعلا، والذي وقع هو التدبير السياسي لهذه المسألة، استنادا إلى كون المغرب قد بدأ بناء صرح ديموقراطي معين، لذا لن يكون للذين يضعون أنفسهم خارج هذا الصرح الحق في التداول والنقاش.
وحسب تصوري هذا منطق إقصائي حبله قصير. على العكس من ذلك، إذا كانت لدينا قناعة جماعية بأن ما نحن بصدده من إرساء للديموقراطية هو الحل الأنسب لمجتمعنا اليوم، فلا خوف علينا من الطروحات الأخرى المعارضة، الأكثر من هذا يمكننا من خلال تداول الطروحات المعارضة أن نتلمس مقومات لدعم طروحات المشاركة، وفي رأيي التدبير السياسي لكيفية التعامل مع المنادين بمقاطعة الانتخابات كان ممزوجا بالتخوف على خلفية أننا ما زلنا أمام بناء هش، وإذا فتحنا المجال لذوي هذه الطروحات فقد يعترضنا تخوف مضاعف ينضاف إلى الهواجس التي عبر عنها كل الفاعلين السياسيين بمن فيهم الذين سهروا على العملية الانتخابية، بخصوص احتمال مشاركة ضعيفة للمواطنين في الاستحقاقات. لهذا حسب تصورهم إذا فتحنا المجال لترويج طروحات المقاطعة، فإن ذلك سيعمق من إشكالية عدم المشاركة.
في نظرنا هذه المقاربة تبقى غير صحيحة، وكان مستحسنا أن نستمع إلى آراء وأفكار هؤلاء المقاطعين، ما دمنا مقتنعين بأن خيار المشاركة، وأن هذا البناء هو الأنسب لمجتمعنا ومستقبلنا، وما دام هؤلاء المقاطعون قد يصيرون طرفا في العملية مستقبلا، وعليه فإن هذا التخوف يظل غير ذي معنى.
إلى أي حد استطاع الإعلام أن يواكب حدث الاستحقاقات؟
على العموم كان هناك حضور فعلي وقوي للإعلام خلال الاستحقاقات، بالمقابل فإن قراءة موضوعية لأداء الإعلام خلال هذه الفترة يبين أنه مازالت هناك مجموعة من التصرفات والمواقف مبنية على اعتبارات ذاتية وأخرى موضوعية مرجعيتها غير المرجعية المتداولة الآن، وأضرب مثالا واضحا على ذلك، حيث كان من المفترض كما تمنيت أن يفسح المجال للتباري بين مجمل الطروحات المتداولة على صفحات نفس المنابر.
لكن ذلك لم يحصل لاعتبارات كما أسلفت ذاتية خاصة بكل منبر وكل هيئة إعلامية ، وأخرى موضوعية تعتمد الإقصاء، على أساس أن منطق الإقصاء أسهل في التدبير من منطق الانفتاح، وفي تصوري مثل هذه الإشكالات ينبغي أن نفتح فيها نقاشا.
نحن من جهتنا، وفي إطار مشروع المركز الوطني للتوثيق والتكوين حول قضايا حقوق الإنسان، حاولنا تحسيس الزملاء الإعلاميين بأهمية هذا الموضوع، ونظمنا لهذا الغرض مجموعة من الورشات تبين موقع الإعلام ضمن الإستحقاقات الانتخابية، ومن القضايا التي ناقشناها أن الدور الأساسي للإعلام يكمن في كونه قد يكون أداة للتأثير على اختيارات الناخب.
هكذا وضعت مجموعة من الجرائد كنموذج بسيط أسئلة على مجموعة من الهيئات السياسية وحاولت أن توازي بين الأجوبة التي تقدمها برامج هذه الهيئات السياسية لكن هذه النماذج ظلت محدودة وكان بإمكاننا أن نذهب بعيدا في هذا الشأن.
وفي تصوري فإن المغرب سيشهد تحولا، مثلما هو الأمر في العديد من الدول، في اتجاه التربية على الديموقراطية وتكريس عقلية الانفتاح والاستيعاب، وبكل تأكيد هذه التصرفات هي التصرفات العادية.
هل يمكن أن تدخل بعض المبادرات التي قامت بها إحدى الجرائد المستقلة بإقدامها على نشر برامج العديد من الأحزاب خاصة منها الجديدة في سياق ما تحدثتم عنه من ضرورة فتح الجرائد للرأي والرأي الآخر؟
في العمق هذا جزء من السؤال الأول، والمسألة لا تعدو أن تكون اختيارا. أن نختار في البداية مشروعا ديموقراطيا يقتضي من ضمن مبادئه وفلسفته الانفتاح، أي الانفتاح على كل الفاعلين، الذين يحترمون إلى حد ما اللعبة وقواعدها.
في تصوري هذا الأمر يبقى مرتبطا في جزء منه بالعقلية السائدة داخل المنابر الإعلامية، وفي الجزء آخر بالحساسيات الشخصية، إذ يمكن أن نجد داخل نفس المنبر الإعلامي، شخص له ارتباطات قوية بطرح معين أو متعاطف معه، رغم كون هذا المنبر يظل محسوبا على المنابر المستقلة، كما أن تدبير المواقف السياسية به قد يوجد فيها نوع من الحياد.
وفي اعتقادي خلال السنين المقبلة، وفي الاستحقاقات المقبلة سيتضح هذا الموقف أكثر فأكثر، فضلا عن أن إعلامنا يفترض فيه أن يكون منفتحا، لأنه في الغد القريب ستصير عندنا إذاعات مستقلة، ومعنى ذلك أن ما لم نستطع اكتسابه في هذا المجال سنجد له مجالات أخرى لتصريفه، وبالتالي فمنطق الإقصاء منطق غير سليم ومنطق غير ذي مردودية.
ماذا سيكون مصير الجرائد التي لا تعتمد منطق الانفتاح؟
مسألة الانفتاح لها ارتباط عضوي بالمشروع الديموقراطي، وما دمنا قد اخترنا الانفتاح بدل الانغلاق فيجب أن يكون انفتاحنا كاملا وتاما وعلى جميع المستويات ويجب أيضا أن يطال كل المنابر، وإلا سيكون مآل المناير التي اعتمدت منطق الانغلاق، الموت أو التقزم في نطاق مجتمعي معين، وبالتالي نفس الخطاب سيعيد استهلاك نفسه. وفي حال وجود مشروع إعلامي متفتح فيجب أن يكون منفتحا على جميع حساسيات المجتمع.
هل تعامل الإعلام السمعي البصري بإنصاف مع جميع مكونات المشهد السياسي؟
للإجابة عن هذا السؤال لابد أن نرجع إلى فترة الانتخابات ونسوق مؤشرا يدل على تعقيد هذا المعطى. الملاحظ فعلا في المجتمعات الديموقراطية، أن وسائل الإعلام، التي هي ملك عمومي تتعامل بشكل ديموقراطي مع كافة الحساسيات السياسية ولا يخضع هذا المبدأ لاعتبارات أخلاقية فقط بل توضع له ضوابط، نحن في المغرب حاولنا تطبيق نفس الشيء، فعندما تصل فترة الانتخابات نقول أن النية الحسنة موجودة، ونعلم جيدا أن المسؤولين عن الإعلام يدبرون الأمر بشكل ديموقراطي، لكن هذا لا يمنع من وضع ضوابط. حيث كل هيئة سياسية مشاركة في الانتخابات تعطى حصة معينة. يتم تدبيرها بصيغة معينة، نفترض فعلا أن حسن النية موجود وأن الفكر الديموقراطي هو السائد، لكن ذلك لا يمنع من وضع ضوابط وإنشاء هيئة مستقلة يكون من ضمن مهامها، الحرص خارج فترة الانتخابات على احترام المبدأ الديموقراطي والتدبير الديموقراطي في التعامل مع الهيئات السياسية. وعموما الإعلام السمعي البصري تعامل وفق دفتر التحملات الموضوع.
هل تم احترام الفترات المخصصة لكل حزب كما تم الاتفاق على ذلك؟
لم يكن هناك تخوف من عدم احترام هذه الفترات ذلك أن المسألة كانت علنية والاتفاق حصل بين الكل وبالتالي فالرقيب على احترام أو عدم احترام هذه الفترات هي الأطراف المشاركة نفسها في لقاء وزير الداخلية بشأن توزيع الحصص، ولم يصل لعلمي أن أحدا أبدى ملاحظة بخصوص هذا الموضوع أو رفع تظلما.
وأعتقد أنه إذا حصل العكس فإن المسألة غير مرتبطة بنيات مسبقة، لا في نية المسؤولين عن الإعلام ولا في نية الأحزاب السياسية. كما أنه إذا وقعت بعض الهفوات فمردها في تصورنا إلى مسألة التمرس على التعامل الديموقراطي، فنحن ما نزال في بداية الطريق.
في ارتباط بنفس الموضوع هل تعامل الإعلام السمعي البصري بحياد بعد الإعلان عن النتائج؟
بصراحة ليس هناك مؤشرات على وجود تجاوزات، وإذا وجدت فلا أعتقد أنها مقصودة، على اعتبار أن المشهد السياسي يطغى عليه الآن هيمنة ل5 أو6 قوى سياسية، وإذا افترضنا أنه تم التركيز على هذه القوى أكثر من القوى الأخرى ففي تصوري سيكون الأمر مشروعا، ومن الطبيعي أن يهتم الإعلام بهذه المكونات أكثر من الأخرى.
هل كان الإعلام خلال هذه الفترة صانعا للحدث أم مسايرا له؟
هذا نقاش كبير، لأن طموحنا هو أن نتوفر على إعلام وإعلاميين فاعلين ومؤثرين في تطور المسار السياسي، إنه نقاش يصعب الجواب عنه اليوم، ولا يمكن الجزم بأننا وصلنا إلى مرحلة يكون فيها الإعلام صانعا للحدث، قد تكون المسألة مرتبطة بدرجة التمدرس وقد تكون مرتبطة أيضا بمسألة فك الارتباط بين الإعلام كمكون في المشهد السياسي.
وعندما نجد إعلاما مثلما هو الأمر في البلدان المتقدمة، يؤثر في المشهد السياسي فإننا نفترض أن هذا الإعلام يؤثر من خارج المشهد السياسي، لأن له حضور واهتمام، فضلا عن مقومات الاستقلال. التي تمنحه مناعة في مواجهة المشهد السياسي، وقد شهدنا هذا النوع من الإعلام في بريطانيا وفرنسا وغيرها. حيث هناك مثلا في فرنسا منابر إعلامية أثارت قضايا أمنية عميقة خلال الانتخابات الأخيرة، صارت مؤشرا قويا لتقييم برامج الأحزاب السياسية. وفي أمريكا إبان الحرب مع الفيتنام حيث أثر الإعلام، بما أثاره من قضايا في هذا الشأن، على خيار الأمريكيين، إلى درجة تم فيها إقصاء المنادين بضرورة استمرار الحرب أثناء الاستحقاقات التي شهدتها أمريكا تلك الفترة. مسألة صناعة الحدث إذن واردة لكن شرطها الأساسي الذي هو فك الارتباط بين المنظومة الإعلامية والمنظومة السياسية، لا أعتقد أنه متوفر لدينا بالقدر الكافي.
في نظركم ما هي الانعكاسات المحتملة لنتائج الاقتراع الأخير على مسار الإعلام بالمغرب؟
المسار الإعلامي بالمغرب واضح منذ مدة ويحتوي على ثلاث مكونات، المكون الأول الذي هو الصحافة المكتوبة وهذه في نظري تعيش منذ عدة شهور الإرهاصات الأولى لأزمة عميقة جدا، بتجلياتها المتمثلة في أن قراء الصحافة المكتوبة لا يتجاوزون المليون من أصل 03 مليون مواطن، منهم مليوني ونصف على الأقل يتوفرون على مستوى جامعي، المؤشر الثاني للأزمة، وهو الأخطر، يتجلى في أن مختلف المنابر الإعلامية تآكلت رقعة قرائها كالأحداث المغربية والاتحاد الاشتراكي. المؤشر الثالث يتمثل في تقلص حجم الإشهار المغذي الأساسي للصحافة المكتوبة، لفائدة وسائل أخرى. أما المؤشر الرابع فيكمن في كون كل المؤسسات الإعلامية المتعلقة بالصحافة المكتوبة تعيش وضعية هشة في غياب دعم خارجي مباشر.
أما المكون الثاني الذي هو الإعلام السمعي البصري سيساهم لا محالة في تعميق أزمة الصحافة المكتوبة، نظرا لكونه مقبل على الانفتاح والانفراج مما سيساعد على ظهور مبادرات جديدة ترتكز على المهنية. هذه المهنية المتوفرة في الصحافة المكتوبة سيتم استغلالها من طرف وسائل الإعلام السمعية البصرية الشيء الذي سيدفع بهذه الأخيرة للسيطرة على مشاريع الصحافة المكتوبة.
وبخصوص المكون الثالث الذي هو الوسائل الجديدة ممثلة في الأنترنيت، فالدولة ليس لها مشروع واضح للوسائط الجديدة، هذا المشروع ينبغي أن يعتمد على تجميع كل الطاقات الممكنة لكي يكون واضح المعالم، وحتى في حالة وجود مشروع فإنه يبقى غير فعال نظرا لكون الفاعل الأساس هو الأفراد والعائلات.
كل هذا دليل على تخلفنا وموقعنا المتردي من استعمال هذه الوسائط، ويؤشر على ذلك كون نسبة استعمال الحاسوب الفردي للعائلات لا يتجاوز 0.5% في حين تصل هذه النسبة في المجتمعات الأخرى إلى حدود 70%، وبينت بعض الدراسات أن نسبة مجمل المغاربة الذين في استطاعاتهم ولوج عالم الأنترنيت لا تصل إلى 10%.
كيف استقبلتم فوز العديد من الإعلاميين؟
سبق وأن تحدثنا عن الارتباط الوثيق بين المنظومة الإعلامية والسياسية، ونحن من الدول القلائل التي تعرف هذا الارتباط، فالجسم الإعلامي يغذي الطرف السياسي بشكل واضح، مثلا الحكومة ما قبل الأخيرة كان بها خمسة وزراء صحفيين، والطبقة السياسية دائما لها ارتباط وثيق بعمل الإعلام، وهذا ما يجعل من الصعب فك هذا الارتباط العضوي، حيث نجد في كثير من الحالات صحفيين هم في الوقت ذاته متحزبين أو سياسيين فاعلين، وداخل المؤسسات التمثيلية نجد أن الإعلاميين الحاضرين بشكل قوي هم أحسن السفراء في القضايا الإعلامية، وكذلك داخل قبة البرلمان فمجمل القضايا المرتبطة بتوسيع مجال حرية التعبير يثيرها الصحفيون، وأتمنى أن يستمر التقليد هذه المرة ويشمل كل المكونات السياسية.
هل من مؤشرات دالة على منح الإعلام هامشا كبيرا من الحرية في المستقبل على ضوء النتائج؟
لم يعد لدينا اختيار آخر غير خيار الانفتاح، صحيح أنه قبل عشر سنوات كانت الدولة تستحوذ على الإعلام. أما الآن وقد مرت عشر سنوات سعينا فيها لبناء وبلورة الميكانيزمات التي تسمح بتدبير إعلامي ديموقراطي.
إذن التراجع عن الانفتاح مسألة غير واردة إطلاقا، ونسوق مثالا قويا يؤكد هذه الخلاصة، هو أنه أثناء الحملة الانتخابية تناسلت العديد من الأسئلة عن إمكانية حصول التزوير، لكن ذلك لم يحصل لأنه لم تكن رغبة جماعية.
هل من مؤشرات دالة على منح الإعلام هامشا كبيرا من الحرية في المستقبل على ضوء النتائج؟
لم يعد لدينا خيار آخر غير خيار الانفتاح. صحيح أنه قبل عشر سنوات كانت الدولة تستحوذ على الإعلام، أما الآن فقد مرت عشر سنوات سعينا فيها لبناء وبلورة الميكانيزمات التي تسمح بتدبير إعلامي ديموقراطي. إذن التراجع عن الانفتاح مسألة غير واردة إطلاقا، ونسوق مثالا قويا يؤكد هذه الخلاصة، أنه أثناء الحملة الانتخابية تناسلت العديد من الأسئلة عن إمكانية حصول التزوير، لكن ذلك لم يحصل لأنه لم تكن رغبة جماعية في التزوير، بالمقابل قد نجد ضغوطات ذاتية بدائرة ما، ولو حصل التزوير لوجدنا أنفسنا الآن أمام حرب أهلية. إذن يستحيل أن يكون هناك تزوير، وهذا من التحولات المهمة، لأن المواطن لم يعد مستعدا ليهان بصيغ الماضي.
ماهو تعليقكم على النتائج التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية؟
كنت من الذين توقعوا هذه النتائج، على اعتبار أن ذلك ثمرة تراكم حصل في السنوات الأخيرة خلال العديد من المناسبات وفي الكثير من المجالات.
فهذه النتيجة مفيدة أولا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، و ثانيا مفيدة للمجتمع المغربي، لأنها تتيح له فرصة موضوعية لتدبير قضية التيار الإسلامي داخل المشهد السياسي بشكل أفضل وأنضج من كل التجارب الأخرى في العديد من المجتمعات، خصوصا أنه كان محتملا وقوع مواجهة بين المجتمع والتيارات الإسلامية كما هو الأمر بالنسبة للجزائر وتونس.
إلا أن وجود التيارات الإسلامية كمكون أساسي في البرلمان، يسعى إلى تذويب همومه داخل هموم الشعب، يساعد التيار الإسلامي على تقليص الهوة بين المجتمع الذي يسير في اتجاه والحركة الإسلامية التي تأخذ في اتجاها آخر.
نتيجة حزب العدالة والتنمية حسب رأيي كانت مرتقبة بالنظر إلى حضوره الفعلي داخل المجتمع، وعمله الجدي ومستوى تأطيره.
وتعتبر تجربة العدالة والتنمية أول تجربة في العالم العربي بهذا الحجم، لأن التجارب الأخرى في الأردن ومصر مثلا، كانت غير ناضجة واستفزازية.
بالمغرب إذن استطاعت الحركة الإسلامية أن تكون فاعلة ومؤثرة في الحقل السياسي. ولأول مرة تشتغل حركة إسلامية بنفس شروط الحركات الأخرى التي تدافع عن مواقفها ومشاريعها، ويكون معترف بها من طرف الجميع.
ما توقعاتكم بشأن تشكيلة الحكومة المقبلة؟
هناك العديد من الاحتمالات تبقى مطروحة على الساحة.
الاحتمال الأول: استمرار حكومة بقيادة الاتحاد الاشتراكي بتحالفات مع أحزاب اليسار وبعض المكونات الأخرى كالتجمع الوطني للأحرار داخل هذا الاحتمال هناك احتمالان:
أولهما حكومة بقيادة عبد الرحمن اليوسفي وثانيهما شخصية أخرى من الاتحاد الاشتراكي غير عبد الرحمن اليوسفي.
الاحتمال الثاني: حكومة يقودها حزب الاستقلال بتحالف مع حزب العدالة والتنمية والحركات وهذا الاحتمال سيكون مريحا بالنسبة لحزب الاستقلال، وقد يكون مريحا بالنسبة للاتحاد الاشتراكي على أساس أن تجربة التناوب أنهكته من الداخل، وعودته إلى المعارضة ستساعده على الانتعاش.
الاحتمال الثالث: حكومة بقيادة أحد أحزاب الحركات الشعبية التي ستسعى من أجل بناء شيء آخر، كتعديل الدستور وإعادة هيكلة المؤسسات.
وبشكل عام كل هذه الاحتمالات سيكون الحاسم فيها عنصران أساسيان، من جهة إرادة الحركات السياسية ومدى استعدادها لتحمل المسؤولية داخل الحكومة ومن جهة ثانية إرادات القصر.
إنجاز: محمد أفزاز
محمد أعماري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.