معي، إن عددا من مرشحي الانتخابات البلدية، الذين حاورهم في برامج إذاعية، عبروا عن جهل مطبق لطبيعة مرجعية الأحزاب التي ينتسبون إليها، ومنهم من اختلط عليه الأمر بين الانتخابات التشريعية والبلدية، وآخرون لا يعرفون الفرق بين الأجهزة المسيرة للأحزاب، من قبيل اللجنة التنفيذية، والمكتب السياسي، أو المجلس الوطني، وغيره ، ما جعل رسائل بعض السياسيين الموجهة لعموم المواطنين، تخطئ طريقها. وأكد بلقاضي، الذي كان يتحدث نهاية الأسبوع، في ندوة رعاها منتدى الصحافة بوكالة المغرب العربي للأنباء، تحت عنوان «مواكبة وسائل الإعلام للانتخابات الجماعية ل 12 يونيو 2009»، أن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، العمومية والخاصة، والمكتوبة والإلكترونية، قامت بواجبها في مواكبة وتغطية العملية الانتخابية المعقدة، انطلاقا من التسجيل في اللوائح الانتخابية إلى إحداث مكاتب الجماعات، والتحضير لولوج مجلس المستشارين، مرورا بمنح التزكيات والتصويت، وخوض الحملة الانتخابية. بيد أن بلقاضي نبه إلى وجود نوع من القصور الذي اعترى عمل الإعلام الجهوي، حيث لم يواكب بما فيه الكفاية العملية الانتخابية، فيما تعاملت وسائل الإعلام الرسمية بحذر مع موضوع الانتخابات، مضيفا أن تكوين الجسم الصحافي في هذا المجال أمر ضروي، كون الصحافي الذي استوعب مضامين مدونة الانتخابات، والميثاق الجماعي، والمتابع للحركية السياسية، ستكون له القدرة على التمييز بين الكتابة الصحافية، والدعاية السياسية . واعتبر بلقاضي 900 ألف ورقة ملغاة في الانتخابات البلدية، تعد بمثابة حزب، يوازي ثالث قوة من حيث إجمالي الأصوات، مشيرا إلى أن سبب الإلغاء جاء نتيجة أخطاء تقنية شابت عملية التصويت بنحو 95 في المائة، فيما 5 في المائة، المسجلة هي تعبير سياسي عن رفض جميع المرشحين. وقال بلقاضي إن ما يجري في الساحة السياسية المغربية شيء طبيعي، ولا يمكن أن يطلب من المواطن ممارسة سلوك ديمقراطي محض على شاكلة ما يقع في الدول المتقدمة، مؤكدا أن المغرب لم يخرج بعد من مرحلة «الانتقال الديمقراطي». وسجل بلقاضي ضعفا في الخطاب السياسي الذي وجهه المشاركون في الانتخابات، مستغربا عدم إيلاء أهمية قصوى للانتخابات الجماعية التي تجعل المنتخبين البالغ عددهم 28 ألفا يتحكمون في مصير المواطنين إلى غاية 2015، في الوقت الذي تعطى فيه الأهمية للانتخابات التشريعية التي يفوز فيها فقط 325 نائبا. وأكد بلقاضي، أن غالبية الذين ينتقدون سوء تدبير الشأن العام في المغرب، لا يصوتون، مشيرا إلى أنه قام بدراسة استطلاع واكتشف أن 20 في المائة من 14 ألف أستاذ ، سجلوا أنفسهم في اللوائح الانتخابية، وصوت النزر القليل منهم، ونفس الأمر ينطبق على الجسم الصحافي، والمهندسين، والأطباء والمحامين، والباحثين، وغيرهم. ومن جهته، قال عبد الله ساعف، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية، إن الإعلام المغربي لم يكن واضحا في التمييز بين ماهو أساسي، وثانوي أثناء مواكبة الخبر الانتخابي، مؤكدا أن الصحافي أغرق المتلقي بمعلومات كثيرة، وقدم له تفاصيل وجزئيات، إلى درجة أفقده بوصلة الموضوع المراد الحديث عنه، مشيرا إلى أن موضوع نسبة المشاركة لم تتم مناقشته بالشكل الكافي، حيث تدرج النسبة من حيث الاهتمام في الرتبة الأخيرة للموضوع الصحافي، رغم أن مليون بطاقة ملغاة في جميع الاستحقاقات الانتخابية تعد موضوعا بنيويا، وليس ظرفيا. وأكد ساعف أن الصحافي المغربي لم يميز أيضا بين ما هو ظرفي وماهو بنيوي، مقدما مثلا على بروز حزب جديد كفاعل في الساحة، الذي يستحق المناقشة أكثر من موضوع سحب مساندة ذلك الحزب للحكومة، لأنه حدث غير مكتمل. وأوضح ساعف أنه في بعض الأحيان يصبح الإعلامي فاعلا سياسيا يعطي توجيهات، ويتخذ موقفا، ويعطي دروسا، ويتم توظيفه في مرات عديدة، إذ حينما ينتقد بحدة فاعلا سياسيا، فإنه يسقط في الدعاية لذات الشخص، مضيفا أنه حتى في البرامج الحوارية ظهر الأعيان بشكل قوي واختل ميزان القوى مع الجسم الصحافي، حيث فقد هذا الأخير، سلوكه المشاكس. ودعا ساعف الجسم الصحافي إلى مواجهة «الغول النخبوي الجديد» الذي احتل مواقع اللعب السياسي، أي الأعيان الجدد، الذين أضحوا يتحكمون كأفراد في المؤسسات الحزبية . وفي السياق نفسه، قالت نادية لمهيدي، أستاذة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، إن علاقة الصحافي بالمرشح تتصف بالتناقض، وتتميز بالمد والجزر، فالإعلامي يحتاج إلى معلومات، والمرشح يسعى عن طريق وسائل الإعلام إلى أن يتحول من مشروع منتخب إلى منتخب، متسائلة عن موضوعية الصحافي في نقل المعلومة الصحيحة. وأوضحت لمهيدي أن الانتخابات الجماعية موسمية، ونوع العلاقة السائدة بين الطرفين، قد توصف «بالانتهازية» كون المعلومة تنشر للعموم بشكل فرجوي، لتغطية عجز الأحزاب عن وضع برامج واضحة المعالم. واستغربت لمهيدي عدم مناقشة موضوع المترددين الذين لم يحسموا في أمر مشاركتهم بالتصويت في الانتخابات من عدمها، وفي المرشح المفضل، مؤكدة ضعف استثمار وسائط الإعلام الجديدة، خاصة بالانترنيت، والويب، والرسائل الهاتفية القصيرة.