حرب الدولة على الصحافة وعودة الاعتقال السياسي والإفلات من العقاب أخطر التراجعات المسجلة على وقع حالة احتقان كبيرة بين الدولة والصحافة، يخلد المغرب هذه السنة الذكرى ال61 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وبرأي العديد من المتتبعين، فإن سنة 2009 سجلت تراجعا خطيرا في مجال الحريات، خاصة في ما يتعلق بحرية الصحافة التي دخلت نفقا مسدودا على ضوء توقيف بعض الجرائد واستمرار اعتقال الصحافيين والتضييق على المنشآت الصحفية. وخلال رصدهم لأهم الخروقات التي طبعت المجال الحقوقي خلال السنة الجارية، أجمع العديد من الحقوقيين على أن سنة 2009 هي "سنة التراجع في مجال حقوق الإنسان بامتياز". وإلى جانب مسلسل إقفال الصحف واعتقال الصحافيين وعودة المحاكمات السياسية، جرت مياه كثيرة تحت جسر حقوق الإنسان بالمغرب خلال السنة الجارية، تارة بانسياب كبير وتارة بانحسار أجهز على العديد من الحقوق والمكتسبات. وفي هذا السياق، قالت خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن أول تراجع حقوقي تم تسجيله خلال السنة الجارية يتمثل في "توقف بعض المشاريع الإصلاحية والخطط التي أقرتها الدولة، من قبيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي لا تزال مجمدة إلى حد الآن". وإلى جانب ذلك، تقول الرياضي "تجميد أرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان، وهي الأرضية التي تم إقرارها منذ ثلاث سنوات دون أن تجد طريقها إلى النور". ويبقى الهجوم القوي على الصحافة، تؤكد رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أهم تراجع في مجال الحقوقي يتم تسجيله خلال هذه السنة، بحيث تضيف "تميزت سنة 2009 باعتقال الصحافيين وتوقيف بعض الجرائد، وهو ما يمثل فضيحة كبرى". وإلى جانب الهجوم على الصحافة، توسعت دائرة الخروقات في مغرب الألفية الثالثة من خلال عودة الاعتقال السياسي بشكل كبير، والذي طال، تقول الرياضي، إما فصائل طلابية أو حقوقيين كشكيب الخياري الذي يقضي حاليا عقوبة سجنية بسبب مواقفه، وأيضا المعتقلين السياسيين الستة في قضية "بليرج"، وكذا بعض المعتقلين في قضايا الإرهاب، والذين لم تثبت في حقهم أيه تهمة إلى حد الآن، وعلى الرغم من ذلك مازالوا يقبعون داخل السجون"، تؤكد رئيسة الجمعية. وأمام توسع دائرة الخروقات المتعلقة بمجال حقوق الإنسان، تعود إلى الواجهة وضعية القضاء، الذي ما زال "يعاني من أزمة التبعية للدولة وعدم استقلاله عن أجهزة أخرى تؤثر في الأحكام الصادرة عنه"، على حد تعبير الرياضي. وتبقى قضايا شهيرة من قبيل قضية "اليعقوبي"، صهر العائلة الملكية، الذي وجه طلقة نارية إلى رجل أمن خلال تأديته لواجبه المهني وكذا ما قامت به "حفصة أمحزون"، خالة الملك، التي هاجمت محامية بالسكين، وليلى بنصديق، ابنة الزعيم النقابي، التي داست عمالها بالسيارة، أشهر قضايا الإفلات من العقاب خلال سنة 2009، دون أن تحرك الجهات المختصة ساكنا، تقول الرياضي. وبمقتضى التراجعات الأخيرة، نزل المغرب في سلم العديد من الهيئات التي تعنى بحقوق الإنسان على الصعيد الدولي، بحيث سجل تراجعا ملحوظا في ترتيب PNUD وترانسبارانسي وصحافيون بلا حدود. وفي السياق ذاته، أكد خالد الشرقاوي السموني، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن التراجع المسجل في مجال حرية الصحافة، من خلال المضايقات والمتابعات التي استهدفت الحق في التعبير، يبقى أكبر عنوان على الانتكاسة التي شهدها المجال الحقوقي خلال السنة الجارية. أما بالنسبة إلى أمينة بوعياش، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فإن "التوسع الذي شهده مجال الحريات لم يتم تدبيره بالشكل المطلوب". واعتبرت بوعياش، في تصريح ل"أخبار اليوم"، أن "الصراع بين السلطات والفاعلين أفرز تدبيرا غير مسؤول لم يترجم الإرادة السياسية". وأضافت: "هناك قضايا لم تكن تطرح من قبل واليوم يتم التطرق إليها بشكل عادي، وهو ما قاد الرأي العام إلى مرحلة التداول حول قضاياه".