تتزامن الذكرى ال60 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي خلدها المجتمع الدولي أمس الأربعاء، مع قرب انتهاء سنة سوداء من الانتهاكات التي عرفها المغرب في مجال حقوق الإنسان. آخر هذه الانتهاكات هي تلك التي جاءت في التقرير السنوي الأخير لمنظمة العفو الدولية (أمنيستي) والذي اتهم فيه عناصر أمنية مغربية بالمشاركة في تعذيب معتقلين في موريطانيا. وقبل هذا التقرير، كان المغرب مسرحا لعدة انتهاكات أخرى في مجال حقوق الإنسان، لعل أبرزها ما عرفته مدينة سيدي إفني من تجاوزات وصلت، حسب ناشطين حقوقيين، إلى حد اقتحام بيوت السكان وتجريد بعض النساء من ملابسهن بحضرة ذويهن. وفي سياق مماثل، تم الزج بتلميذ اسمه ياسين بعلسل بضواحي مراكش في السجن بتهمة الاخلال بالاحترام الواجب للملك. ونفس السيناريو سيتكرر مع المدون محمد الراجي من مدينة أكادير الذي سيجد نفسه خلف القضبان بعد أن حرر مقالا في مدونته الإلكترونية على شبكة الأنترنيت ينتقد فيه بعض أوجه النشاط الاجتماعي للملك معتبرا إياه شكلا من أشكال تشجيع ثقافة التسول. وقبل هؤلاء تم اعتقال مهندس «الفيس بوك» فقط لأنه استعمل صورة أحد الأمراء في الدردشة مع زملائه على الموقع الشهير. وعرفت هذه السنة أيضا حكما قضائيا غير مسبوق في مجال التضييق على حرية الصحافة والتعبير، وهو الحكم الصادر ضد جريدة «المساء» عندما حكم القضاء لفائدة أربعة من وكلاء الملك بمدينة القصر الكبير بغرامة مالية تجاوزت 600 مليون سنتيم. وهو ما اعتبر توظيفا من قبل السلطة للقضاء لتصفية حسابات سياسية مع الصحافة. ولم تقف الانتهاكات عند هذا الحد، بل تكررت في أكثر من مرة على طول السنة، خاصة في مجال مناهضة الإرهاب، إذ سجلت العديد من الهيئات الحقوقية عودة الاختطافات للمشتبه فيهم بالإرهاب واحتجازهم في معتقلات سرية لمدد تتجاوز فترة الحراسة النظرية. وهو الأمر الذي تؤكده أمينة بوعياش رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان عندما تقول ل«المساء»: «نعم سجلنا عدة انتهاكات في مجال حقوق الإنسان من طرف الأجهزة الأمنية، وتتعلق أساسا بعدم احترام الفترة القانونية للحراسة النظرية»، لكن هذا لا يعني، في نظر بوعياش، أن المغرب لم يسجل بعض المكتسبات في مجال حقوق الإنسان، ذكرت منها أن وفيات المواطنين، مثلا، في مخافر الشرطة قل عددها بالمقارنة مع ما كان يحدث من قبل. وعابت بوعياش على الدولة المغربية أنها لم تمض بعيدا في تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. ورسم عبد الحميد أمين صورة قاتمة لحقوق الإنسان في المغرب، وقال ل«المساء»: «لقد عشنا فعلا سنة سوداء من الانتهاكات الحاطة بكرامة الإنسان، والبياض الوحيد في هذه السنة هو وعي المغاربة بهذه الانتهاكات واستعدادهم للنضال من أجل مجتمع عادل». وقال أمين إن أساس كل تقدم في مجال الحريات ودولة الحقوق هو اعتماد دستور لا يتم فيه فقط التنصيص على فصل فعلي للسلط التقليدية الثلاث (القضائية والتنفيذية والتشريعية)، وإنما يتم فيه التنصيص على فصل الدين عن الدولة باعتبار المؤسسة الملكية فاعلا سياسيا يوظف العامل الديني في حركيته السياسية. ودعا أمين إلى إخضاع الأجهزة الأمنية التي تمارس الانتهاكات والاختطاف والاعتقال السري إلى رقابة الجهاز التنفيذي وسلطة البرلمان، متسائلا في الوقت نفسه كيف أن الدولة لم تفعل آليات المساءلة في حق العديد من الأمنيين المغاربة الذين تورطوا في مجال التعذيب، كما حدث مؤخرا في موريطانيا. وفي الوقت الذي يحمل فيه أمين المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان جزءا من مسؤولية عدم تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة باعتذار الدولة والإصلاح الدستوري والحكامة الأمنية وإجلاء الحقيقة في أكثر من 66 ملفا لازالت عالقة، ومنها ملف المهدي بنبركة، يقول أحمد حرزني، رئيس هذا المجلس: «إن حالة حقوق الإنسان جيدة وتبعث على التفاؤل خاصة في ما يتعلق بالحقوق السياسية والمدنية»، مضيفا، في حوار مع إذاعة هولندا العالمية، «أن المغرب انتهى من أن يكون بلدا فيه تهديد لحياة الناس أو أن يكون بلدا فيه قيود للحريات». وقال حرزني: «إن هذه الأمور كلها انتهت»، مشيرا إلى أن العجز الذي يجب أن يتصدى له المغرب الآن هو المتعلق بالأخص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والبيئية». وفي نفس المنحى، قال المحجوب الهيبة، الكاتب العام للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في حوار صحافي على هامش الاحتفاء بالذكرى ال60 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، إن إحداث مؤسسات وهيئات وطنية جديدة يعد تعبيرا حقيقيا من قبل الدولة عن الرغبة في كسب رهان الديمقراطية في مجال حقوق الإنسان، مشيرا في هذا السياق إلى أن إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، التي اعتبرت تجربة رائدة على الصعيد الدولي، شكلت خطوة جريئة في مسار ترسيخ العدالة الانتقالية ومحطة هامة في ميثاق حقوق الإنسان من أجل البحث عن الحقيقة ومصالحة المغرب مع ماضيه، فيما يقول خليل الإدريسي، الكاتب العام لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، إن المغرب لازال يرواح مكانه في مجال حقوق الإنسان، والمؤشر في السياق، حسب الإدريسي، هو حالة الإفلات من العقاب التي لم يقطع فيها المغرب أي خطوة تذكر على الرغم من وجود العديد من الانتهاكات المسجلة من طرف الهيئات الحقوقية. من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة * التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان، وذلك بالتنصيص على سمو القانون الدولي لحقوق الإنسان على القانون الداخلي؛ وتحريم جرائم الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب، وكذلك دعوات الكراهية والعنف. *المراقبة الواضحة لكل ما يصدر عن الأجهزة الأمنية من مقتضيات تتعلق بحفظ الأمن. * سن سياسة مندمجة وطنية لمحاربة الإفلات من العقاب وتضمين القانون المغربي كل المقتضيات الواردة في الأدوات الدولية المتعلقة بالإفلات من العقاب. * تخويل الموظفين العموميين التبليغ عن كل فعل قد يناهض هذه الحقوق، فعلى هذا المستوى هناك توصيات واضحة، كذلك هناك توصيات تتعلق بمراجعات على مستوى التشريع الجنائي وعلى مستوى الحكامة الأمنية ومراقبة الأجهزة الاستخبارية. * جبر الضرر الفردي والجماعي * اعتذار الدولة * استكمال البحث عن الحقيقة في 66 ملفا منها ملف بنبركة والمانوزي