قضية حقوق الإنسان في منظورنا نحن الذين نعيش في إطار دولة إسلامية وجب أن تنطلق من تصورنا الاسلامي القائم على الإقرار بمبدأ الكرامة الانسانية لقوله تعالى:" ولقد كرمنا بني آدم" والقائم على الإقرار بمبدأ أن الحرية الإنسانية حق إنساني أصلي كان مع الإنسان منذ أن خلقه الله، وأن كل أشكال التعسف والاضطهاد والاستعباد شذوذ عن الوضع الطبيعي، وهو المبدأ الذي بمقتضاه اقتص الخليفة عمر من ابن عمرو بن العاص حينما اعتدى على قبطي من أهل مصر معتدا بنفسه ونسبه وحصانته السياسية وهو يقول " خذها مني وأنا ابن الأكرمين". فما كان من عمر إلا أن أمر القبطي بأخذ القصاص من"ابن الأكرمين" في الملأ فقرر بذلك مبدأ حقوقيا أصيلا بقوله : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". الوضع الطبيعي أن ( نكون نحن المجتمعات والدول الإسلامية) قدوة في مجال تكريم الإنسان، فهذا التكريم أصيل في تصورنا لا أن نكون متأخرين ونتصرف تحت ضغط المواثيق الدولية في الموضوع ونكتفي فقط بركوب الموجة العالمية ونحرص فقط على تلميع الصورة دون أن يعني هذا تنقيصنا من إسهام هذه الهياكل في تطوير وضعية حقوق الإنسان في المغرب. لكن قضية حقوق الإنسان ينبغي أن تتحول إلى ثقافة وسلوك لدى المواطن الذي ينبغي أن يمارس واجباته ويعي حقوقه وأن يقدر على الدفاع عن هذه الحقوق أمام الإدارة المتسلطة والحكومة الفاسدة والسلطة الجائزة. وينبغي أن تكون ثقافة أيضا لدى رجال الأمن والدرك وأعوان السلطة بمختلف مستوياتهم، وينبغي أن تكون اقتناعا مبدئيا لدى الأحزاب والجمعيات الحقوقية لا أن أن تكون شعارا يوظف لأغراض سياسية يستخدم لنصره المقربين وينسى إذا كان المضطهدون مخالفين سياسيين أو إيديولوجيين. حقوق الإنسان حينما تجرد من هذا البعد أي حين تفصل عن أصولها التصورية في ثقافتنا الإسلامية وتتحول إلى مجرد "موضة" أو شعار تكون مزدوجة المعايير كما أنها تكون هشة تحرك عند المناسبات لتلميع الصورة أو نيل الرضى الدولي وتصبح معرضة للانتكاسات والتراجعات. نقول هذا ونحن نقرر جيدا حجم المكتسبات والتطورات التي تحققت في مجال حقوق الانسان في المغرب، ونقوله أيضا ونحن نسجل أنه لايزال أمام بلادنا الشيء الكثير في هذا المجال، إذ لايزال هناك في السجون عدد من المعتقلين الإسلاميين لأسباب سياسية كما أن بلادنا عرفت في الآونة الأخيرة انتكاسة كبيرة إذ سمعنا في السنة الماضية عن زوار الليل الذين اقتحموا بعض المطابع وعاثوا فيها فسادا واحتجزوا الآلات والمطبوعات، وتابعنا أنباء الاختطافات التعسفية خارج القانون والاستنطاقات من لدن أجهزة سرية وممارسة أنواع من التعذيب على المختطفين لمجرد الاشتباه بانتمائهم لما سمي بتنظيمات جهادية أو لها علاقة ما بتنظيم القاعدة" دون بينة أودليل أوسلطان مبين. نقول هذا ونحن نسجل عدة حالات من المنع والحجز التي طالت الصحافة والتضييق على الصحفيين ومنع التجمعات العمومية وعدم الترخيص لعدة جمعيات. نقول هذا لأن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ لا يبرر فيه ما تحقق أنماطا جديدة من الخروقات والاعتداءات على الحريات الأساسية للمواطنين، ونقوله أيضا لأن ملف حقوق الإنسان لا يقف عند الحالات الحالية أو الحالات جاءت بعد سنة1691 بل نستحضر ضحايا الانتهاكات التي عرفها المغرب في السنوات التي تلت الاستقلال. ومثلما نستحضر ضحايا الاعتقال والاختفاء القسري الذي عرفتها السنوات السوداء في الستينيات، نستحضر أيضا ضحايا الحوادث الدموية التي عرفها المغرب في أحداث الصخيرات. وبما أننا جزء من الأمة الإسلامية فإنه ينبغي أن يكون لنا نحن المغاربة شعبا وأحزابا وجمعيات ومنظمات حقوقية مواقف تضامنية واضحة ومتواصلة من معاناة إخواننا في فلسطين وفي العراق وفي الشيشان وفي أفغانستان وكشمير...وغيرها...خاصة في ظل الصمت المريب للمجتمع الدولي وفي ضوء المعايير المزدوجة التي تتعامل بها الولاياتالمتحدة وحليفتها بريطانيا مع قضية حقوق الانسان. كما ينبغي أن تكون لنا كلمتنا المسموعة فيما يتعلق بالتعسفات التي مست العرب المسلمين في أمريكا بسب القوانين والتصرفات الظالمة للادارة الامريكية بعد أحداث الحادي عشر من ستنبر. وحقوق الإنسان أخيرا لا تقف عند الحقوق السياسية بل لها بعد آخر هوالحقوق الاجتماعية والاقتصادية وهذا مجال واسع وشاق من مجالات النضال وورش كبير من أوراش العمل له أبعاد داخلية تتعلق بالنضال من أجل إقرار علاقات دولية عادلة بين مايسمى بدول الشمال ودول الجنوب...وفي هذه الأوراش والمجالات كلها لنا نحن المسلمين وانطلاقا من منظورنا الإسلامي ما نقوله إيمانا واقتناعا، وليس مجرد مما لأة أومسايرة للضغوط الدولية المزدوجة المعايير.