التعدد لا يمكن أن يشكل في حد ذاته عنصر قوة وإثراء للمشروع الإسلامي، ذلك أن التوظيف السلبي لهذا التعدد من أجل الصراع وإثارة الضغائن والأحقاد قد ينعكس سلبا على المشروع الإسلامي، وعلى العكس من ذلك، يؤدي التعاطي الإيجابي مع التعدد والاختلاف إلى إغناء المشروع وتطويره. التعاطي الإيجابي مع التعدد يتطلب إقرار جميع الأطراف بنسبية أطروحاتها واجتهاداتها،والسعي لإيجاد قواعد واضحة متفق عليها لإدارة هذا الاختلاف والتعدد، والبحث عن حالة مثلى من التخصص والتكامل لإنجاز المشروع الإسلامي، دون أن يلغي ذلك المنافسة أو يعني احتكار الأدوار. العلمانية تطرح مشكلة حقيقية في المغرب. فمن جهة تثير قضية المرجعية بما يعني ذلك الإحالة على الثنائية الاحترابية: المرجعية الإسلامية/المرجعية الحقوقية الكونية، ومن جهة أخرى تطرح مشكلة العلاقة بالدين في مجتمعنا الإسلامي. كيف تنظر إلى هذه الإشكالية؟ ثمة ثلاث مستويات في سؤالك، بالنسبة للمستوى الأول، والذي يتعلق بكون العلمانية تطرح مشكلة حقيقية في المغرب، فتقديري عكس ذلك تماما، إذ العلمانية لا تطرح أي مشكل في المغرب، لسبب بسيط هو أنها غير موجودة أصلا، نعم هناك بعض العلمانيين، وكثير من المتعلمنين، لكن الأمر لا يعدو أن يكون توظيفا للعلمانية في مواجهة الحركات الإسلامية، وددت لو أن العلمانية موجودة في المغرب كمدرسة فكرية، لها أطروحاتها ومشروعها المجتمعي، حتى تتبين مسالة أساسية جدا هي، أن المشكل ليس في العلمانية، بل في التوظيف المتخلف للعلمانية، صحيح أن هناك، على المستوى الدولي، علمانيات وليس علمانية واحدة، وصحيح أيضا أن هناك علمانيات أصولية متطرفة كالعلمانية الفرنسية في مقابل علمانيات أكثر انفتاحا وأكثر قبولا بالآخر، لكن كيف ما كان الحال ففي بلادنا ليست هناك أية مدرسة علمانية أو تيار علماني، ومن ثم ليس هناك أي مشكلة تطرحها العلمانية. يتعلق المستوى الثاني بما أسميته بالثنائية الاحترابية، ومرة أخرى لا أشاطرك الرأي، فالعلاقة بين المرجعيتين ليست علاقة احتراب، وعلى أرض الواقع نجدد أن حزب البديل الحضاري يعتمد المرجعية الإسلامية ومرجعية الحكمة الإنسانية، كما يعتمد منتدى الكرامة لحقوق الإنسان المرجعية الإسلامية والمرجعية الكونية لحقوق الإنسان. هذا لا يعني أنه ليس هناك اختلاف بين المرجعيتين، وإنما يعني أن علاقة هاتين المرجعيتين تتأسس على الحوار والتقارب، وليس على الاحتراب، وهذا الكلام لا يطعن في صدقية أية مرجعية، بقدر ما يحتكم إلى منطق الرحمة الذي هو غاية الإسلام، لقوله عز وجل: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. فمنطق الرحمة هذا تتم أجرأته على أرض الواقع بالمجادلة بالتي هي أحسن من جانب، وبالبحث عن الحكمة من جهة أخرى، دون أن يعني ذلك تطابق المرجعيتين أو الدعوة إلى تنميط الإنسان، بل القصد من ذلك، هو التعايش والقبول بالاختلاف والتعدد. تأمل معي قول الله عز وجل في سورة هود: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم.. أما فيما يخص الشق الثالث من سؤالك، والمتعلق بمشكلة العلاقة بالدين في مجتمعنا الإسلامي، فهذا إشكال مرتبط بوجود الحركات الإسلامية وليس بالعلمانية، وهو مشكل حقيقي، ونحن مطالبون بتوضيح رؤانا وتصوراتنا لهذه العلاقة، ولعل أول سؤال يجب البدء به هو: من في خدمة من؟ هل يجب على الإنسان أن يكون في خدمة الدين؟ أم أن مبرر وجود الدين هو خدمة الإنسان؟ في اعتقادي الشخصي أن الدين هو الذي يخدم الإنسان وليس العكس، فالله عز وجل أرسل الرسل رحمة للعالمين، تحريرا لهم من كل القيود والأغلال، وتذكيرا لهم وهديا لهم إلى طريق المحجة البيضاء. إشكال آخر لا يقل أهمية ويحتاج إلى جواب واضح، هو علاقة الدين بالمشروعية السياسية والاجتماعية، ولأكون أكثر وضوحا أتساءل: هل يعطي الإسلام شرعية سياسية أو اجتماعية، أم أن هذه الشرعية هي قضية مرتبطة بالأمة وإرادتها، وأن الدولة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستمد شرعيتها ومشروعيتها من الدين، بل تستمدها من الشعب؟ هذه أسئلة من بين أخرى تطرح نفسها والحركات الإسلامية مطالبة بتقديم تصوراتها وأجوبتها، وأكيد أن التباين سيطبع هذه المقاربات، لكن ذلك أمر عادي ما دام سيعكس اجتهادات بشرية نسبية. كيف تنظر إلى الثوابت المجتمعية في ظل مسارات العولمة، التي تتجه نحو إلغاء الأبعاد الثقافية للأمم والشعوب المستضعفة؟ حينما نتكلم عن الثوابت المجتمعية، نتكلم عن قيم راسخة في بنية الإنسان الفكرية والثقافية والسلوكية، وحينما يتعلق الأمر بالشعوب المسلمة، يكون الأمر أكثر تجدرا وعمقا، ألا ترى معي أن المعادن النفيسة حينما تتعرض للنار لا يزيدها ذلك إلا توهجا ونقاء؟ العولمة اليوم هي تعبير عن مصالح الاستعمار الجديد، والتنميط الثقافي هو أحد آلياتها، لكن لكل فعل ردة فعل. وتقديري أن التحديات الثقافية والاقتصادية والسياسية التي تطرحها العولمة اليوم تساهم في تجديد الشخصية الإسلامية، وتضعها أمام تحديات هي بالأكيد صعبة، لكنها تستفز فينا طاقات الإبداع والمواجهة، وليست هذه المرة التي توضع فيها المجتمعات المستضعفة أمام تحديات من هذا النوع، فالمرحلة الاستعمارية التي عانت منها هذه الشعوب خلال القرن الماضي طرحت إشكالات من نفس النوع اليوم، ظروف المقاومة الثقافية والفكرية أفضل، على الرغم من ضعف الأنظمة، لكن على المستوى الحضاري، نحن اليوم في ظروف أفضل إن على مستوى الأطر أو على مستوى امتداد الإسلام في كل بقاع العالم، وأيضا على مستوى التواصل والإعلام. لهذا أقول أنه من الصعب اليوم على العولمة أن تلغي الثوابت المجتمعية، وإذا قاربنا المسألة من منظور حضاري، أقول أننا نعيش مرحلة مخاض حضاري، سينعكس إيجابيا على مستقبل شعوبنا. تطرح العديد من الأقلام الحاجة إلى تأسيس تيار علماني حقيقي. فمن جهة تشترط بعض التيارات الوضوح الإيديولوجي قصد محاورة هذا التيار، ومن جهة أخرى يطرح بعض منظري هذا الاتجاه الحاجة إلى تأسيس الذات. ما موقفك من هذه القضية؟ ما هو أكيد، هو أن تشكل مدرسة أو مدارس علمانية ببلادنا لا يمكن إلا أن ينعكس إيجابيا على الوضع الثقافي والفكري والسياسي ببلادنا، ذلك أن التنميط وسيادة النموذج الوحيد كيف ما كان، لا يمكن إلا أن يؤثر سلبا على وضعنا الاجتماعي، ويكون سببا للفساد والإفساد، لنتذكر قول الله عز وجل : ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض والتدافع يقتضي ابتداء التعدد، لذلك أؤكد مرة أخرى، أن التعدد الفكري والمرجعي يغني التجربة الاجتماعية ويطورها شريطة قبول الجميع بقواعد متفق عليها تسمح بإدارة راشدة للتعدد والاختلاف. لكن هل المشكل يتحدد فقط في غياب مدرسة علمانية؟ أم في غياب أيضا مدارس إسلامية؟ بمعنى هل استطاعت الحركات الإسلامية أن تتجاوز البعد التنظيمي، لتتحول إلى مدارس فكرية لها امتداداتها في مختلف المجالات؟ إني أقدر أن الحركات الإسلامية رغم الإنجازات الاجتماعية والسياسية التي حققتها، لم تستطع بعد أن تتحول إلى مدارس فكرية، تنهل من أنساق معرفية وفلسفية محددة. وأقدر أن الاكتفاء بالكلام عن المرجعية الإسلامية لم يعد يسعفنا إذا آمنا بأننا كإسلاميين نشكل قوة مستقبلية تأخذ على عاتقها مواكبة التحولات الاجتماعية والمساهمة في بناء غد أفضل لجميع المغاربة. هناك حاجة ماسة اليوم إلى وجود مدارس فكرية تعبر عن مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية، وهي حاجة تتطلب تلبيتها حل الأزمة الفكرية والثقافية التي نعيشها، والتي يتجلى أحد أهم مظاهرها في غياب ما أسميه بسلسلة الإنتاج الثقافي. ذلك أنه يوجد بالمغرب مفكرون كبار مثل طه عبد الرحمن وعبد المجيد الصغير ومحمد عابد الجابري وعبد الله العروي وغيرهم، وهناك مثقفون وأدباء وتنظيمات سياسية وجمعيات ثقافية وفنانون.. لكن ما نفتقده هو تلك العلاقة التي تربط بين هؤلاء جميعا لتشكيل سلسة الإنتاج الثقافي. بمعنى حينما ينتج الفيلسوف أو المفكر ما يسميه أستاذنا طه عبد الرحمن بالأفكار الكبرى، فإن هذه الأفكار تظل سجينة دائرة ضيقة من المهتمين والدارسين ولا نجد من يعيد إنتاجها في إطار برامج سياسية أو أنساق أدبية كالقصة والرواية مثلا ولا نجد من يخرج هذه الأفكار في شكل مسرحية أو عمل فني لتقديمه إلى الجمهور العريض. بل إن مكونات ساحتنا الثقافية والسياسية تتمثل نفسها مؤسسات شمولية قادرة على القيام بكل شيء وتتصرف على هذا الأساس. وهذا وضع غير طبيعي، ولا يمكن معه تجاوز الأزمة التي نعيشها. تتأسس الفعاليات الإسلامية على تمثل معين للمرجعية الإسلامية في خطابها السياسي وأدائها الحركي. ما هي نظرتكم لهذه المرجعية؟ الإسلام هو عقيدة ومنهج حياة جعله الله خاتم الرسالات وهو بذلك صالح لكل مكان وزمان، هذه الصلاحية المتعالية على الزمان والمكان تفرض على المسلمين واجب إبداع الأجوبة والحلول لمشاكلهم المختلفة التي يعيشونها. والحركات الإسلامية باعتبارها طليعة من طلائع الأمة وتنهل من هذه المرجعية بشكل أساسي ومباشر مطالبة أكثر من غيرها بتفعيل هذه الصلاحية وذلك بنبذ منطق اللجوء التاريخي لحقبة معينة من تاريخ المسلمين، حقبة هي على أهميتها، غير قابلة للاستنساخ. الحركات الإسلامية مطالبة أيضا بوضع خط فاصل وواضح بين تمثلاتها للمرجعية وبين المرجعية نفسها، وأخيرا الحركات الإسلامية مطالبة بوضع الأسئلة الحقيقية والحرجة والصعبة والاجتهاد من أجل إيجاد الأجوبة عليها. فلم تعد الحياة بسيطة كما كانت عهد النبوة والخلافة الراشدة بل أصبحت معقدة أيما تعقيد واستجد في أمورالأمة الشيء الكثير، وأقدر أن اعتماد المرجعية الإسلامية يؤهلنا، شرط الاجتهاد، لتقديم مشروع مجتمعي متميز ومتقدم لإصلاح مختلف شؤون أمتنا. والتعاطي مع المرجعية يجب أن يتم في مرحلة أولى، من خلال عملية استنباط نسق فلسفي ينفتح في مرحلة ثانية على صياغة المشروع المجتمعي، وبحسب طبيعة النص الفلسفي المستنبط يمكن أن ننتج أكثر من مشروع مجتمعي يعتمد المرجعية الإسلامية. قضية الديمقراطية تثار في هذا الإطار كقناة لتصريف الخلاف السياسي والثقافي لكن الديمقراطية نفسها في حاجة إلى قواعد ثقافية يصطلح عليها البعض بالثوابت المجتمعية التي انعقد عليها الإجماع. كيف تنظرون إلى هذه المسالة؟ إني أنطلق في مقاربتي للديمقراطية من مسلمة، مفادها أن الديمقراطية لا تمثل نموذجا واحدا ووحيدا، بل إن الديموقراطية ديمقراطيات، وتعدد الديموقراطيات يرجع إلى تعدد المسارات التي أفرزتها. من هنا يمكن القول أن كل مجتمع هو قادر على إنتاج ديمقراطيته الخاصة به، والتي تشترك مع كل الديمقراطيات الأخرى في قدرتها على إدارة التعدد والاختلاف بطريقة سلمية وعلى أساس قواعد متفق عليها. فالديمقراطية من وجهة نظري ليست نموذجا متكاملا ومكتملا نعمل على توطينه في أية بيئة ضدا على الثقافات والخصوصيات المحلية، بل هي نتيجة صيرورة تنطلق من الثوابت المجتمعية والذاتية الحضارية للشعوب، والمحدد في هذه الصيرورة، والذي سيتحكم في نوعية الديمقراطية التي سنحصل عليها في نهاية المطاف، هو كما يقول الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله، نظرة الثقافة المجتمعية السائدة للإنسان، فحينما تكون النظرة للإنسان على أنه كائن سياسي، فإن الديمقراطية المحصل عليها تنحو نحو تمكينه من حقوقه السياسية، وحينما تعتبر أنه كائن اجتماعي، فإن الديمقراطية تتجه نحو تمكينه من مجموعة من الحقوق والخدمات الاجتماعية. في المنظومة الإسلامية يتمتع الإنسان بالتكريم الإلهي لقوله عز وجل: ولقد كرمنا بني آدم ، في هذه الحالة فإن الحقوق التي يجب أن تتوفر للإنسان في ديمقراطية كان منطلق تشكلها هو التكريم الإلهي للإنسان ستتجاوز بالضرورة الحقوق السياسية والاجتماعية. الحركة الإسلامية فاعل أساسي في المشهد الثقافي المغربي ثقافيا وسياسيا. في نظرك ما هي الإضافة النوعية التي قدمتها هذه الحركة؟ لعل أهم إضافة نوعية حققتها الحركة الإسلامية هي إعادة الاعتبار للدين في المجال الثقافي والاجتماعي والسياسي، فأصبح الدين حاضرا بشكل قوي بعد ما أريد له أن يظل حبيس قلوب المؤمنين في علاقة مشوهة بين العبد وربه. أقول أهم إضافة، وإلا فالحركة الإسلامية قدمت الكثير لهذا البلد. لكن أهم من الماضي، هناك سؤال الحاضر والمستقبل، بمعنى ماذا يمكن أن تقدم الحركات الإسلامية بمختلف تجلياتها لهذا الوطن؟ في تقديري ثمة ثلاث أوراش يمكن لها أن تقدم فيها الكثير، الأول أن تكون عنصر تجميع وليس عنصر تشتيت، ثانيها أن تعمل على تخليق المجال العام تخليقا قائما على مكارم الأخلاق والورش الثالث هو ورش الإبداع ، إبداع يقوم على قراءة نقدية للتجارب التي سبقتنا وإنتاج نماذج وتصورات تتسم بالفعالية والإنتاجية في مختلف المجالات. وأظن أننا مطالبون في هذا المجال بقراءة نقدية صارمة لتجاربنا الطلابية والسياسية. تختلف نظرات الحركة الإسلامية المغربية في تعبيراتها السياسية في تشخيص الواقع المغربي، وتحديد الرؤية الناظمة لمنهج الحركة والفعل السياسي. وهناك من يرى في تعدد الأفهام والأنظار ثراءا حقيقيا يمكن أن يسهم في بناء المشروع الإسلامي استراتيجيا. هل توافق مثل هذا التصور؟ أقدر أن التعدد لا يمكن أن يشكل في حد ذاته عنصر قوة وإثراء للمشروع الإسلامي، ذلك أن التوظيف السلبي لهذا التعدد من أجل الصراع وإثارة الضغائن والأحقاد قد ينعكس سلبا على المشروع الإسلامي، وعلى العكس من ذلك، يؤدي التعاطي الإيجابي مع التعدد والاختلاف إلى إغناء المشروع وتطويره. التعاطي الإيجابي مع التعدد يتطلب من وجهة نظري ثلاثة شروط: الشرط الأول، هو إقرار جميع الأطراف بنسبية أطروحاتها واجتهاداتها. الشرط الثاني، هو إيجاد قواعد واضحة متفق عليها لإدارة هذا الاختلاف والتعدد، الشرط الثالث، هو البحث عن حالة مثلى من التخصص والتكامل لإنجاز المشروع الإسلامي، دون أن يلغي ذلك المنافسة أو يعني احتكار الأدوار. من الصفات التي تميزتم بها عن سائر الحركات الإسلامية الحوار مع اليسار كيف تقومون حصيلته؟ تجربة الحوار مع اليسار انطلقت في بداية تسعينات القرن الماضي، وهو حوار عانى في انطلاقه من إرث الصراع بين الإسلاميين واليساريين، لكننا استطعنا تجاوزه بفضل رجال متميزين من صفوف اليسار نذكر منهم الأستاذ أحمد احرزني الذي كان رائدا في هذا المجال وإليه يرجع الفضل في التقارب بين جزء مهم من اليسار والإسلاميين. كان علينا في البداية أن نتعرف بشكل مباشر على تجارب بعضنا البعض، وكنا مطالبين أن نتجاوز تبعات إرث الماضي في ظل أجواء تميزت بالعنف بين اتجاهات إسلامية وأخرى يسارية في الساحة الطلابية، وعملنا جهدنا لتأسيس الثقة بيننا، وحينما تحقق لنا ذلك حاولنا التنسيق من أجل القيام بأعمال مشتركة، فكان نداء الديمقراطية، وبعدها ولأول مرة في تاريخ المغرب، قمنا بتأسيس القطب الديمقراطي، الذي ضم أطراف إسلامية ويسارية وأمازيغية. غير أن الدينامية التوحيدية التي سيشهدها اليسار ستجعل القطب الديمقراطي يتوارى نوعا ما. أظن أننا حققنا الشيء الكثير فيما يخص التقارب بين الإسلاميين واليسار، صحيح أن هناك بعض الأطراف ما زالت تشكل نوعا من الممانعة والمعارضة لهذا التقارب، لكن في نهاية المطاف تحقق التقارب ولذلك تجد أن الأغلبية العظمى من أعضاء اللجنة الوطنية لمساندة حزب البديل الحضاري كانت من اليساريين. غير أني أقدر أن ذلك غير كاف ونحن مطالبون اليوم، إسلاميين ويساريين، بالبحث عن أشكال متقدمة ومبتكرة لتوفير شروط التحول إلى الديمقراطية والعمل على تجاوز الأزمة الهيكلية التي تعيشها بلادنا. لو عرض عليكم أن تكتبوا ورقة تصورية تحددون فيها أرضية اللقاء الحركي الإسلامي الوحدوي ما هي النقاط الجامعة التي تقترحونها؟ شكلت الوحدة أحد البرديغمات الأساسية التي حكمت منطق العمل الحركي الإسلامي خلال العقود الماضية، ويرجع ذلك في نظري إلى حالة من التماهي حصلت عند العاملين في الحقل الإسلامي بين تنظيماتهم وبين الأمة، حيث اعتبر أغلبهم أن الوحدة ضرورة شرعية، في تقديري لقد شكل المنظور المطلق لمفهوم الوحدة أحد عوائق تطور العمل الإسلامي. اليوم يجب أن نتساءل، هل ما زالت الوحدة التنظيمية للحركات الإسلامية قضية أساسية في الممارسة الحركية ؟ أقول نعم ولا، نعم حينما يكون الأمر مرتبطا بتنظيمات تقتسم بالإضافة للمرجعية برامج مشتركة، ولا حينما يتعلق الأمر بتنظيمات تعتمد المرجعية الإسلامية، لكنها تختلف على مستوى برامجها. في تقديري ما نحن بحاجة إليه اليوم، هو فكر التعدد والاختلاف وليس فكر الوحدة. أقدر أن ثمة وحدة شعورية تجمع جميع المسلمين في كل بقاع العالم، تتحقق بحكم الانتماء لهذا الدين،وليس بحكم الانتماء لتنظيم معين، هذه هي الوحدة الشرعية، وهذا الشعور هو الذي يترجم الاعتصام بحبل الله. لا مناص من الحوار العلماني الإسلامي في المغرب، ما هو في نظركم المشترك الذي ينبغي السعي في توسيع دائرته لخدمة هذا البلد؟ كي أبقى منسجما مع ما قلته في البداية، يقتضي الكلام عن العلمانيين توضيح من نقصد هل اليمين أو اليسار أم بعض الاتجاهات الأمازيغية، فبين هؤلاء نجد من يرفع شعار العلمانية وبحسب الجهة يتحدد المشترك، غير أن هناك نقطتين أساسيتين يمكن اعتبارهما مشتركا عاما يمكن الاشتغال عليه مع الجميع، بتعلق الأمر ابتداء بالوحدة الوطنية القائمة على مصالحة وطنية تؤسس من جانب لعلاقة سوية بين الدولة والمجتمع وتؤسس من جانب آخر للتعايش بين مختلف مكونات المجتمع المغربي على اختلافاتها المرجعية بعيدا عن منزلقات التجزئة والتشرذم. وتتمثل النقطة الثانية في توفير شروط التحول إلى الديمقراطية ببلادنا. بعد أن رسمتم وضعيتكم القانونية كحزب شرعي؟ ما هي أولوياتكم على مستوى العلاقة بالحركة الإسلامية وباقي مكونات المشهد السياسي؟ نعتبر في حزب البديل الحضاري أن تحديد موقعنا في الخارطة السياسية وبناء علاقاتنا بمختلف الفاعلين لا يمكن أن يتم إلا في إطار البحث عن توافق وطني. ونعتبر أن هذا التوافق يتم على مستويين: مد جسور التواصل والتفاهم والحوار مع مكونات المشهد السياسي والحقوقي والثقافي ببلادنا. تفعيل وتطوير القطب الديمقراطي لكي يساهم بمبادراته واقتراحاته وضغوطاته على إنجاح الانتقال إلى الديمقراطية.