بالحي الجامعي السويسي ,1 وبمدينة العرفان بالرباط، انعقد المنتدى الاجتماعي المغربي الثاني لمناهضة العولمة نيوليبرالية وذلك أيام 27 28 29 يوليوز ,2004 وحضرت هذا المنتدى عدة جمعيات وطنية ودولية تهتم بالتنمية والمجال الحقوقي، وعدة فعاليات جمعوية، وطنية، ودولية، تنتمي للحركة الاحتجاجية العالمية لمناهضة العولمة، من أمثال السيد غيستافو مران، الذي تدخل في الجلسة الافتتاحية عن السكرتارية الدولية للمنتدى الاجتماعي العالمي، وهو من الشيلي.وقد عرف المنتدى حضور ما يناهز 1500 مشارك ومشاركة، اعتبارا من كونه فضاءا للتواصل والتفكير واقتراح التصورات والبدائل، في إطار التعددية والاختلاف، لكن عدم استدعاء جمعيات مغربية، والتغييب المقصود لمجموعة منها واستثنائها من الحضور، كان محكا صعبا استعصى معه على المنظمين الإجابة عن أسئلة الصحافة، خصوصا الأجنبية، التي ركزت على تعارض إقصاء المخالف في الطرح والرأي، مع تبني الديمقراطية والتعددية والاختلاف، خاصة إذا كان الطرف المغيب حاضرا حضورا قويا ووازنا في الحقل الاجتماعي المغربي، بطرح شامل يلامس القضايا التنموية. وقد شهد للطرف الغائب بل المغيب قصدا خصومه، حينما اعترف رفاق اليسار بتفوق الحركة الإسلامية المغربية في ملامسة الهموم اليومية للجماهير، مقابل فشل التنظيمات الجمعوية التقدمية عن تحقيق مثل هذا التغلغل، على حد تعبيرهم، رغم ربطهم غير المنطقي وغير المقنع، بين الفعل الاجتماعي في الواقع، والاستغلال الانتخابوي. حضور هذا الملتقى كما عبر عن ذلك عدد كبير من المشاركين استهدف مناقشة القضايا التي تهم الشباب والتنمية في المغرب، وتميز المنتدى الاجتماعي المغربي الثاني بتنظيم منتدى شبابي بالموازاة مع أشغال المنتدى ككل، وكنا نتوخى المناقشة الجادة لملف الشغل والتربية والتعليم، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل، وكذا المواضيع المقحمة في البرنامج، من قبيل الجنسانية والتطرف الديني...! إلا أن مفاجأتنا كانت كبيرة جدا، حينما تخلى مؤطرو الورشات، عن المناقشة العلمية الهادئة والهادفة، وتبنوا أطروحات يسارية من زوايا أضيق (الماركسية اللينينية المتطرفة)، ولعل إعطاء المثال بورشة طرق مواجهة التطرف الديني المرفوض عندهم والذي يسمونه فكر البخور وطريقة تسييرها يعطي نظرة كافية لصحة ما ذكرناه سابقا. بدأت الورشة أشغالها بمدرج أطلق عليه اسم الحرية، والذي عرف إنزالا كبيرا لعدد كبير من اليساريين، وتجمع الكل داخل المدرج، تاركين ورشات التنمية الأخرى المتزامنة في الانعقاد شبه فارغة، مما أدى إلى إلغاء بعضها ( ورشة آثار برنامج التقويم الهيكلي على التشغيل مثلا). وبمجرد افتتاح ورشة طرق مواجهة التطرف الديني، جاءت تدخلات المنصة بعيدة عن العلمية والموضوعية، إذ ركزت على التغليط والتشهير وإعلان الحرب على كل ما له علاقة بالدين، بدءا بالنظام الملكي في المغرب، ومرورا بالحركات الإسلامية المغربية التي تنتج العنف وتعتبر سببا رئيسا من أسباب التطرف، والتي صنعتها الدولة لمحاربة المد اليساري التقدمي الجماهيري، والتي تجب محاربتها، حسب ما جاء في حديثهم. وقد تخللت المناقشات، مطالب يريد أصحابها أن تخرج على شكل توصيات، حيث طالب المتدخلون المحسوبون على اليسار بما يلي: إلغاء الحكم باسم الدين، باعتبار الشرعية لا تستمد من الله ولا من محمد صلى الله عليه وسلم، والتنصيص دستوريا على علمانية الدولة. نشر الفكر المادي العقلاني، لمواجهة الدولة والحركات الإسلامية. النضال من أجل تثبيت الحق في التعبير وعدم الانتماء الديني. إلغاء الكتاتيب القرآنية باعتبارها تركز التدين والتطرف في أوساط الناشئة. إلغاء التربية الإسلامية من البرامج التعليمية بالمغرب، لأن درس الجهاد ودرس الحدود، يعلم الطلبة والتلاميذ العنف. إلغاء البرامج الدينية من وسائل الإعلام. وعموما، وفي الوقت الذي دقت فيه هذه الطبول الجوفاء وسط القاعة المغلقة للقطع مع الدين باعتباره أفيونا، كان بعض حكماء الرفاق يطالبون بإعادة النظر إلى الثقافة العربية الإسلامية، وفتح حوار جاد ومسؤول مع الحركة الإسلامية للتعرف عليها عن قرب. وبما أن المسير، دون بأمانة أفكار اليسار المتطرف، وأغفل عن قصد الأفكار التي لم تعجبه لكونها تخالفه في الرأي والعقيدة الماركسية، فهو لم يسجل الأفكار المعارضة من قبيل ما أكدنا عليه في مداخلاتنا التي لم تستغرق أكثر من دقيقتين أو ثلاث، أكدنا خلالها على أن التطرف لا دين ولا وطن ولا لون ولا هوية له، وأن جميع أشكال التطرف مرفوضة، سواء كان تطرفا دينيا أو تطرفا لادينيا، باعتبار أن التطرف والعنف وجد عند الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي سابقا، وحصد منجله آلاف الأرواح البريئة، وهو موجود حاليا في أمريكا وفي إسرائيل، والجزائر، والمغرب، وفي فلسطين وغيرها، بل إنه يتخطى الحدود ليدخل إلى الشوارع والأحياء والمدارس والبيوت ويوجد في مخافر الشرطة. كما أكدنا أن المناقشة العلمية تقتضي الموضوعية والديمقراطية، والابتعاد عن أساليب الانسداد والاحتقان والسب والشتم، لأن هذا الأسلوب يتبنى معنا رفضه عقلاء اليسار الذين يعتبرونه منهجا غير سليم في الحوار يؤدي إلى التطرف والتطرف المضاد. كما أن أسلوب التعميم في التعامل مع الحركة الإسلامية بنعتها بالقوى الظلامية، فهذا الزعم يكذبه الواقع والممارسة اليومية المسؤولة للمؤسسات الجمعوية التنموية، وكذا المشاركة السياسية المعتدلة فكرا وممارسة. وبخصوص آليات وأساليب محاربة التطرف الديني، يجمع الرفاق على أن اللادينية والعلمانية أسلوب ناجع للمواجهة، إلا أننا نبهنا إلى أن التدين في المغرب متجذر، مما يجعل الطرح اليساري للقطع مع الدين خطأ جسيما يقطع الصلة بين اليسار وعموم المغاربة، لأنه يتصادم مع المجتمع برمته. وكبديل لمواجهة التطرف، بجميع أشكاله، دعونا للمساهمة في خلق روح المواطنة الحقة، من أجل خلق مجتمع ديمقراطي يقبل الاختلاف، ويحترم الرأي والرأي الآخر، وينبذ الانغلاق على الذات، كما ركزنا على المقاربة الاجتماعية من أجل تنمية شمولية تتحمل فيها الدولة مسؤوليتها في التربية والتكوين والتعليم وتوفير سبل العيش الكريم للمواطنين والعمل من أجل الالتقاء مع كافة الهيئات الجمعوية في محاربة الظواهر السلبية داخل المجتمع المغربي مثل ظاهرة الهدر (الفشل) الدراسي وتشجيع التحصيل العلمي، إذ غالبا ما يكون التطرف من الفهم السيء للنصوص، وهنا يأتي دور مؤسسة العلماء في إشاعة الفهم المقاصدي للشرع. إن المقاربة الاجتماعية هي البديل الوحيد عن المقاربة الأمنية، التي تبقى سبة وعارا في جبين دولة الحق والقانون، عندما تكون هي الأسلوب الوحيد لمعالجة التطرف بكافة أشكاله، سواء كان لا دينيا أو دينيا. ولا ننسى أن نذكر أن أشغال ورشة محاربة التطرف الديني تميزت بمداخلة مهمة للمفكر التونسي الأستاذ صلاح الدين الجورشي، دعا المشاركين إلى ما يلي: حسن استثمار المتوفر من الحالة الديمقراطية في المغرب، لأن إساءة الاستثمار إجهاض للديمقراطية وهو ما يتضرر منه الكل. تجنب تحويل النزاع عن مساره الصحيح. اعتبار الإسلام قاسما ثقافيا مشتركا لا يحتكره أحد، والعمل على تجديد الثقافة الإسلامية. التمسك بحقوق الإنسان للجميع، والدفاع عن حقوق الخصوم رغم معارضتهم في الرأي. عدم المراهنة على الحلول الأمنية ونهج مقاربة شمولية. ونظرا لكون الرفاق وكذا المنصة الرفيقة لم تسمح لهذا الضيف المدعو لإتمام مداخلته القيمة فقد انتقل الحوار إلى خارج المدرج، حيث أكد على دعوة الكل للتعايش. فإذا كان التدين يحتاج إلى تجديد مستمر، فإن أزمة اليسار التي أجمع الكل على أنها داخلية تستدعي مراجعة المنهج، لأن التمسك بالعلمانية وتثبيتها لا ينفي الحوار الهادئ والهادف وقبول الرأي المخالف. وهذا النفس الإيجابي في التحليل كان هو الغائب المفتقد في جل ورشات منتدى الشباب الذي انعقد بالموازاة مع المنتدى الاجتماعي. ونضرب على ذلك مثالين من خلال ورشة الشباب وحقوق الإنسان وورشة آثار سياسة التقويم الهيكلي على التعليم، ففي الورشة الأولى التي أعطى مؤطروها لمحة عن التطور الحقوقي بالمغرب منذ الثمانينيات، من خلال تجربة الجمعيات المهتمة والمتخصصة في المجال الحقوقي، مركزين على أهداف ثلاثة للورشة وهي: تشخيص وضعية حقوق الإنسان. الأشكال الممكنة للفعل والممارسة الشبابية. توصيات الورشة. لكن الحضور المكثف الذي شهدته الورشة لأنصار التيار الأمازيغي حال دون إتمام الأشغال والتوصيات، نظرا لخندقتهم النقاش فيما أسماه المفكر أمين معلوف بالسقوط في الإثنيات القاتلة. فقد ركزوا على ضرورة دسترة الأمازيغية كحق من حقوق الإنسان، رافضين كل ما يمكن أن يربطهم بالأصول العربية والهوية الإسلامية، بل اعتبروا الثقافة الإسلامية ثقافة شوفينية إقصائية، كما اعتبروا أن الشعوب الأصلية والأصيلة وصلت إلى الوعي بالذات، وهي ليست مسؤولة عن أمية وجهل الآخرين من الشعوب الدخيلة، ورغم تصريح المؤطرين والحضور في كون الحضارة الأمازيغية تعتبر إرثا إنسانيا تفاعل إيجابيا مع الحضارة العربية الإسلامية، بل وانصهرا معا ليشكلا الثقافة المغربية الأصيلة المعتزة بالانتماء للإسلام والوفية لجذورها العربية والأمازيغية والإفريقية. غير أن التعصب والتصلب حال دون النقاش الجدي لمشاكل الشباب الحقوقية وعزوفه عن المشاركة السياسية والحقوقية العامة، وضعف إنتاجيته وضعف تكوينه، وضرورة انخراطه في المنتديات الحقوقية، ومشاركته في البحوث العلمية والأكاديمية في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان وخرج أغلب المشاركين في الورشة متذمرين لإرباك الورشة والحيلولة دون خروجها بتوصيات. أما الورشة الثانية المتعلقة بآثار سياسة التقويم الهيكلي على التعليم فقد حولها الصراع الطبقيبين الطلبة القواعدوبعض الرفاق إلى شبه حلقة طلابية تخللتها شعارات وتصفيق بين كل دقيقتين أو ثلاث، بل تم نسف الورشة، وخرج الرفاق وتجمهروا في حلقات، حرة تاركين التعليم ومشاكله وآثار سياسة التقويم عليه، والإصلاح الجامعي والتحصيل الجامعي والبحث العلمي دون نقاش جدي مثمر، وشرعوا في التنابز بالألقاب حول الإطار الممثل للطلبة وتاريخه ورموزه ومناضليه. وعلى عكس عقلية النسف والإفشال، طبعت جلسات الورشات المتعلقة بالحركة النسائية وحقوق المرأة حضورا مكثفا، وطرحا نضاليا مناهضا للتمييز وداعما للحرية والمساواة، ورغم أحادية الطرح واختلافنا مع المناضلات في كثير من الرؤى والتصورات، نسجل الجدية في الطرح وروح المسؤولية التي طبعت أشغال الورشات لعلها مع الحوار والتواصل المستمر تفضي مستقبلا إلى اقتناع بأن الحركة النسائية أكبر من أن ينسبها تيار إلى نفسه، لأنها في الحقيقة نضال مجتمعي شامل، شارك فيه مناضلون ومناضلات، قد تفرق بينهم المشارب الفكرية أو التنظيمات، لكن يوحد بينهم مقاومة الظلم والاستبداد ورفض الاستغلال الجنسي للنساء والاستغلال الجسدي المنافي للكرامة ويتوحد الجميع لمناهضة شبكات الفساد والإفساد. إن النفس الإيجابي في التحليل، وطرد شبح الاختراق الذي خيم على كثير من الرفاق خلال مدة المنتدى، وروح المسؤولية والانضباط لدى بعض المسؤولين في المنتدى الاجتماعي المغربي هو الذي يدفعنا للإشادة بجدية الطرح والتسيير، وعلى رأسهم الأستاذة ليلى الرحيوي، التي كانت تتحمل مسؤولية إنجاح أشغال المنتدى بالتزام مبدئي كبير، نتمنى صادقين أن تكون هذه الجدية والحزم والمسؤولية وهذا التواصل والحوار هو المؤطر لأشغال المنتدى الاجتماعي المغربي المقبل. مشاركون في المنتدى