الإنجيل في اليد اليمنى والرغيف في اليد اليسرى في ظل دوامة الأزمة المتعددة الأبعاد التي دخلتها الجزائر منذ أزيد من عشر سنوات، نشأت ونمت في ظلها عدة مظاهر سلبية مازالت تنخر في بنية المجتمع الذي فقد أبرزالمعالم التي يستدل بها والقيم التي تنير له الطريق. من هذه الأعراض المرضية ظاهرة التنصير، التي انتشرت بشكل ملفت للإنتباه في العديد من أنحاء البلاد، بدون أن يحرك المعنيون من المسؤولين ساكنا، أمام بروز المبشرين الجدد الذين عادوا بقوة إلى مجتمعنا، مستغلين الفقر والبؤس وحالة الضياع ليجروا مئات من الشباب الجزائري إلى اعتناق النصرانية. هذه الأعمال تتم في وضح النهار، وجرت خاصة بمنطقة القبائل ومناطق الجنوب الجزائري الشاسعة من طرف ما يسمى بالآباء البيض، الذين يقومون بعمل خيري اجتماعي مكثف لنجدة الفئات المعوزة، التي لا يسمع لأنينها أحد إلا هؤلاء الذين يأتونها بالانجيل في اليد اليمنى والرغيف في اليد اليسرى. وأمام تقاعس الدولة عن القيام بواجبها الاجتماعي لصالح الفئات المحرومة وبخاصة الشباب، فإن هؤلاء أصبحوا فريسة سهلة لنداءات هؤلاء المبشرين الذين يغرونهم بألف اغراء من أجل قتل اليأس الموجود في انفسهم، ويصبحوا بذلك مستعدين لفعل أي شيء من أجل مغادرة واقعهم التعيس، حتى ولو استدعى الأمر اقتفاء أثر الشيطان للحصول على مكان تحت الشمس. عمليات التبشير تجري بكل سهولة من خلال عدة أساليب، وأبرزها إرسال أناجيل وكتب إلى كل من يطلبها، بعد الاستماع إلى إذاعات تبشيرية أو زيارة مواقع الانترنيت، وكذلك أثناء دورات تكوينية تنظم بالجزائر او بالخارج توفر فيها للمشاركين الشباب كل وسائل الترفيه مع تلقينهم مبادئ الدين المسيحي، ليتخرج هؤلاء في النهاية مبشرين يكلفون بنشر "الكلمة الطيبة" في محيطهم. السلطات المعنية في كل هذا لما أخطرت بهذه القضية، التزمت بالصمت ولم يصدر عنها أي موقف دلالة على الحرج الذي وقعت فيه، خاصة في الظرف الراهن إذا ما قررت القيام باجراءات للحد من هذه الظاهرة، حيث خشيت من توجيه اتهامات لها سواء بالداخل من طرف الأوساط التغريبية، التي تسارع دوما إلى الانقضاض عليها بحجة التحالف مع الأصولية وعدم التسامح، او من الخارج من الأوساط الغربية التي تحرص على ما تسميه حرية المعتقد مثلما ظهر ذلك مؤخرا في الزيارة التفتيشية التي قام بها إلى الجزائر مقرر الأممالمتحدة الخاص بتتبع الحريات الدينية في العالم. وبعيدا عن التهويل والمبالغة في طرح هذه القضية، فإن المسألة تستدعي عناية واهتماما أولا من المسؤولين المعنيين الذين يمتلكون أكثر من غيرهم وسائل التحرك بفعالية للتحكم في هذه الظاهرة التي أخذت أبعادا تثير القلق، ثم تأتي بعد ذلك الإرادات الفردية على المستوى الشخصي لوقف هذا الجنوح من طرف شباب وشابات قادتهم ظروف الحياة واستقالة الأولياء إلى القيام بسلوكات تكون عكس التيار، ومنها الوقوع في شباك المبشرين الذين يستغلون الأوضاع الصعبة التي تمر بها بلادنا لتنفيذ مخططات غير بريئة، تلتقي كما التقت في السابق مع المشاريع الاستعمارية التي استهدفت ومازالت تستهدف تفتيت بلداننا ووضع اليد عليها. ن. ه