لا يختلف حال النبات والحيوان والجماد في بلادنا عن حال الإنسان في معاناة آلام الإهمال، والأمراض المزمنة، وتناقص في الجسم، وتدهور في الصحة، ومصير إلى الفناء، وكل ما أصاب الإنسان وعم فيه وفشا فإنه لا محالة مصيب ما دونه من مخلوقات الله؛ فالإنسان هنا يعاني الجهل والفقر وظلم الطبقة التي بسطت لها الدنيا فطغت وبغت، فانعكس كل ذلك على تربيته البيئية والاجتماعية والخلقية، وما من ركن من أركان المدن المغربية، يمتاز بمعلم أثري أو حدائق شاسعة أو بنايات فاخرة أو متاحف أثرية أو نافورات نضاخة أو مآثر تاريخية إلا وأسرعت إليه أيدي العبث والعطب، ولم يبق من جماله إلا أحرف وآثار، فيخيل إلى الناظر أن معالم الجمال لا يمكن أن تستقر في بلادنا، ومرد ذلك إلى افتقار الفرد المغربي إلى تربية متكاملة يجتمع فيها البيئي والخلقي والاجتماعي. إن الإنسان عندنا في سعي دؤوب إلى الانعتاق من مجتمع لم ينصفه ولم يوفه حقه، وإلى الفرار إلى عوالم ومجتمعات أخرى تقل فيها الأمراض الاجتماعية، ويكافأ فيها المرء على أقل جهد يبذله، وهو يطلع على صورة تلك المجتمعات المغرية على شاشات التلفاز وصفحات الصحف والمجلات، ويسمع أخبارها من أفواه المهاجرين المعجبين بها والمتباهين في العيش فيها، وعندما يعجز عن الهجرة إليها وتنقطع به السبل إلى ذلك يصاب بالإحباط واليأس، وقد يحاول التسلل والفرار بواسطة قوارب الهجرة السرية، ولكن أيدي القسوة تعيده مهانا معذبا إلى وطنه، فيصير أذل مما كان عليه، وعندئذ تثور فيه نوازع الشر والانتقام، فلا يسلم من يديه شجر ولا حجر ولا نبات، ولا حيوان ولا جماد، ولطالما تسمع وترى الأوساط البلدية المكلفة بالشأن المحلي في كل مدينة من مدننا إن كان أهلها ممن يرعون الأمانات ويرشدون المصاريف العمومية ولا يصرفونها لمصالحهم الخاصة تتصدى لإصلاح المدن وتنظيفها من الأدران والحيوانات الضارة، وإصلاح طرقها وأضوائها وقنواتها وكل مرافقها، وإنقاذ معالمها التاريخية من الانهيار، ولكن هؤلاء لا يكفون عن الشكوى من مصير إصلاحاتهم التي لا يكاد يمر عليها حين من الدهر حتى تتحول إلى سراب زائل ويصير الحال إلى ما كان عليه، يشتكون من عبث المواطنين بالمنجزات، وعدم محافظتهم عليها وصيانتها، ولو أرادوا الإصلاح الجاد لأعدوا له عدة، لأصلحوا أحوال الناس المعاشية والصحية والسكنية، فلا يكره أحد من الناس أن يكون متعلما مثقفا، معافى في بدنه، آمنا في سربه، له قوت يومه وقوت أولاده ومن يعول، فإن توافر له ذلك أمن المجتمع آفات التخريب، وأمن شره النبات والبيئة والحيوان والجمال وكل المخلوقات، فإن أكثر أعمال التدمير والانتقام هي آثار الحرمان الذي يكابد مرارته المحرومون، فهل من متعظ؟ عبد الرحمان بودرع