إن المتأمل في المشهد الإعلامي المغربي في السنوات الخمس الأخيرة لابد أنه سيقف على حقيقتين أساسيتين: أولهما، إغراق السوق المغربية بالعديد من الصحف بلغت 700عنوانا وهو تكريس لتعددية إعلامية في قطاع الصحافة المكتوبة، لكن تبقى الأسئلة تتناسل حول جودة هذه المنابر الإعلامية وجديتها في معالجة قضايا الوطن والمواطنين ومنها بطبيعة الحال الفنون. وثانيهما، استمرار احتكار الدولة للفضاء السمعي البصري، وهو احتكار ليس له ما يبرره بالنظر لما أحدثته تكنولوجيا الإعلام والاتصال والفضائيات من تكسير للحواجز، وتحطيم لغول الرقابة ومصادرة الرأي والتعبيرفيما يخص مجال الثقافة والفنون، وهيمنة الدولة على الإذاعة والتلفزيون ووكالة المغرب العربي للأنباء وكذا القناة الثانية كرس إقصاء المجتمع بالقيام بدوره في صناعة إعلامه بنفسه وصياغة الرسالة الإعلامية التي تستجيب لحاجياته وطموحاته في التوعية والتثقيف والإخبار والترفيه. لقد سبق لحكومة التناوب التوافقي أن أكدت في تصريحاتها على تحرير قطاع السمعي البصري مع التحكم في مساره، وهو الأمر الذي لم يتحقق لحد الآن. صحيح أن تحرير قطاع اعتبر دائما ضمن مجهودات صحافييها، إلا أن الوضع الاعتباري للوكالة لم يساهم في المجال المحفوظ أو مجال السيادة لكن بالنظر إلى التطورات السياسية والمسار الديموقراطي الذي يعرفه المغرب لم يعد مقبولا أن يبقى هذا القطاع يخضع للتوجيه والاحتكار. وبالنظر إلى البطء الذي تعاملت به هذه الحكومة مع ملف السمعي البصري، بادر جلالة الملك إلى الإعلان عن جملة من الإصلاح في هذا القطاع من خلال خطبه الموجهة إلى الشعب. وهكذا أكد على أهمية تحرير قطاع السمعي البصري وعلى دوره في تركيز دعائم الديموقراطية ودولة الحق والقانون، كما أعلن عن إنشاء الهيئة العليا للإعلام والاتصال والتي ستكون هيئة استشارية إلى جانب الملك تسهر على تنظيم وضبط قطاع السمعي البصري ضمن التعددية التي من المفترض أن تضمنها القوانين في المستقبل. في ظل هذا الوضع يلاحظ أن الإذاعة والتلفزة المغربية لم تعرف أي تطور على مستوى المادة الإخبارية والترفيه، حيث بقيت هذه الأخيرة تهيمن عليها أنشطة الحكومة والأنشطة الرسمية في غياب معالجة حقيقية للأحداث التي يعرفها المغرب، وهكذا كرس هذا التوجه تغييبا للمجتمع وحضورا قويا للدولة، وهو الأمر الذي يعاكس مبادئ الانفتاح والديموقراطية. وعلى مستوى وكالة المغرب العربي للأنباء ظلت الأوضاع كما هي، ولم تطرأ عليها أية تغييرات، هذا في الوقت الذي تلقت فيه الوكالة عدة انتقادات لا على مستوى توجهاتها أو تسييرها المالي والإداري، وبالرغم من مجهودات صحافييها إلا أن الوضع الاعتباري للوكالة لم يساهم في انتقالها من ثقافة خدمة الدولة إلى ثقافة خدمة المجتمع. إن المتتبع لمسار قطاع الإعلام العمومي بالمغرب يلاحظ انحيازا واضحا لهذا الإعلام لبعض الجهات السياسية، وهذا خلل واضح في طريقة تعامل وسائل الإعلام مع المكونات السياسية والنقابية وهيئات المجتمع المدني، لذلك فإن هذه الحكومة لم تنتبه إلى ضرورة سن مقاييس واضحة للتعامل مع الأحزاب السياسية وباقي الهيئات عل أساس العدل والمساواة. ولابد من إثارة موضوع له أهمية كبرى، وهو سؤال موقع الجمهور في العملية الإعلامية والفنية ككل، إذ الملاحظ أن وسائل الإعلام العمومية مازالت تتعامل مع الجمهور المتلقي كجسم استهلاكي سلبي فقط، في حين أن المعادلة كما تمليها قيم الديموقراطية يجب أن تكون معادلة تفاعلية بين وسائل الإعلام وما تنتج من فنون وبين الجمهور المتلقي، أي علاقة تأثير وتأثر متبادل وأخذ وعطاء. على مستوى الحصيلة التشريعية في قطاع الإعلام والفنون، يلاحظ أنه لم يخرج للوجود سوى نصين قانونيين فقط، القانون الأول يتعلق بالصناعة السينماتوغرافية والثاني يتعلق بحماية حقوق المؤلفين والمصنفات الأدبية، وهما قانونين قدما في عهد حكومة اليوسفي الأولى. ما عدا ذلك بقيت توصيات المناظرة الوطنية للإعلام والاتصال بالرغم من التحيينات التي أدخلت عليها، بقيت دون تنفيذ. بالنسبة لقانون الصحافة، وهو الموضوع الذي أثار سخط المجتمع المدني والمهنيين وهيئات حقوق الإنسان، فإنه على الرغم من المظهر العام الذي يوحي بأنه يضمن حرية الرأي والتعبير، فإن الحقيقة أن هذا القانون الذي جاءت به هذه الحكومة كرس تراجعا واضحا على مستوى حرية الصحافة، إذ وضع العديد من الخطوط الحمراء التي ينبغي على الصحافي عدم الاقتراب منها، وهي خطوط لم يكن منصوص عليها من قبل، كما أبقى على سلطة المنع والحجز بيد الجهاز التنفيذي، ولم يتح للسلطة القضائية هذا الحق، وعموما فإذا كان المجتمع يتقدم إلى الأمام فإن هذا القانون يكرس تراجعا واضحا عن مكتسبات أساسية حققها نضال الشعب المغربي بجميع قواه الحية. إن أهم انتقاد يمكن توجيهه إلى هذه الحكومة هو السلبيات الكثيرة التي تضمنها قانون الصحافة.