أفتى ثلة من الفقهاء الأجلاء من المشرق والمغرب بجواز وتأكيد المساهمة في تدبير شؤون العباد رائدهم في ذلك درء المفاسد وتقليلها وجلب المصالح وتكثيرها، مع ربط المشاركة يصلاح النية والقصد.ويأتي حث العلماء الأفاضل على صحة هذا المسار ونجاعته استقراء لواقع الحياة المعاصرة ومتطلباتها في ظل انعدام طائفة أهل الحل والعقد في كثير من البلاد الاسلامية في الوقت الراهن. فالنائب والمرشح المسلم ، من صلحت نيته وصدق قوله وحسن سلوكه- وإن لم يصل إلى مرتبة الكمال -مقدم عن غيره ومستأهل للتصويت عليه، ولا يجوز ترك المجال هملا للمعادي للإسلام ، وهذه مجموعة من الفتاوى المؤكدة لهذا المسعى: الشيخ أحمد شاكر يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: (... وإذ ذاك سيكون السبيل إلى ما ينبغي من نصرة الشريعة السبيل الدستوري السلمي: أن نبث في الأمة دعوتنا، ونجاهد فيها ونجاهر بها، ثم نصاولكم عليها في الانتخاب، ونحتكم فيها إلى الأمة، ولئن فشلنا مرة فسنفوز مرارا، بل سنجعل من إخفاقنا إن أخفقنا في أول مرة أمرنا مقدمة لنجاحنا بما يحفز من الهمم ويوقظ من العزم وبأنه سيكون مبصرا لنا مواقع خطونا ومواضع خطئنا، وبأن عملنا سيكون خالصا لله وفي سبيل الله. فإذا وثقت الأمة بنا ورضيت عن دعوتنا واختارت أن تحكم بشريعتها طاعة لربها، وأرسلت منا نوابها إلى البرلمان فسيكون سبيلنا وإياكم أن نرضى وأن ترضوا يما يقضي به الدستور فتلقوا إلينا مقاليد الحكم، كما تفعل كل الأحزاب إذا فاز أحدها في الانتخاب، ثم نفى لقومنا إن شاء الله بما وعدنا من جعل القوانين كلها مستمدة من الكتاب والسنة) (الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر: أحمد شاكر: 04 14(. الشيخ حسن البنا ويقول الشيخ حسن البنا رحمه والله: (أما وسائلنا العامة فالإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر حتى يفقهها الرأي العام ويناصرها عن عقيدة وإيمان، ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح، ثم النضال الدستوري حتي يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية، وعلى هذا الأساس سيتقدم مرشحوا الإخوان المسلمين حين يجيء الوقت المناسب إلى الأمة ليمثلوها في الهيئات النيابية، ونحن واثقون بعون الله من النجاح ما دمنا نبتغي بذلك وجه والله..) (مجموعة رسائل حسن البنا: 2/611(. الشيخ عبدالعزيز بن باز : نقلت فتوى مطبوعة للشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في مجلة لواء الإسلام العدد الثالث ذو القعدة سنة 1409ه، يونيو سنة 1989، ونقلها عن المجلة الدكتور صلاح الصاوي في رسالته (مدارسة حول العمل السياسي من منظور شرعي ) وقد جاءت جوابا لسائل يسأل عن شرعية الترشيح لمجلس الشعب، وحكم الإسلام في استخراج بطاقة انتخابات بنية انتخاب الدعاة والأخوة المتدينين لدخول المجلس فأجاب فضيلته: " إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" لذا فلا حرج في الالتحاق بمجلس الشعب إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق، وعدم الموافقة على الباطل، لما في ذلك من نصر الحق، والانضمام إلى الدُعاة إلى الله. كما إنه لا حَرَجَ كذلك في استخراج البطاقة التي يستعان بها على انتخاب الدُعاة الصالحين، وتأييد الحق وأهله، والله الموفق" الشيخ محمد الصالح العثيمين أفتى سماحة الشيخ محمد صالح العثيمين -رحمه الله- شفاهاً لعدد كبير من الأخوة طلاب العلم الذين سألوه عن حكم الترشيح للمجالس النيابية، فأجابهم بجواز الدخول، وقد كرر عليه بعضهم السؤال مع شرح ملابسات الدخول إلى هذه المجالس، وحقيقة الدساتير التي تحكم وكيفية اتخاذ القرار فكان قوله -حفظه الله- في ذلك (ادخلوها. اتتركوها للعلمانيين والفسقة) وهذه إشارة منه -حفظه الله- إلى أن المفسدة التي تتأتى بعدم الدخول أعظم كثيراً من المفسدة التي تتأتى بالدخول إن وجدت أ.ه وقد ذكرها الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق - حفظه الله - في مقاله " مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية " الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وللشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله رأي مشهور يرى فيه أن الشعب المسلم عليه أن ينتخب المرشحين (الإسلاميين) فقط اذا تقدم إلى الترشيح من يعادي الإسلام. وهذه نصوص عباراته حفظه الله في جوابه على أحد الأسئلة المقدمة إليه : قال: (ولكن لا أرى ما يمنع الشعب المسلم اذا كان في المرشحين من يعادي الإسلام، وفيهم مرشحون إسلاميون من أحزاب مختلفة المناهج فننصح والحالة هذه كل مسلم ان ينتخب من الإسلاميين فقط من هو أقرب إلى المنهج الصحيح -الذي تقدم بيانه- -أقول هذا- وان كنت أعتقد ان هذا الترشيح والانتخاب لا يحقق الهدف المنشود كما تقدم بيانه من باب تقليل الشر، أو من باب دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى كما يقول الفقهاء). (مجلة الاصالة العدد4، ص20) الشيخ فيصل مولوي، أمين عام الجماعة الإسلامية بلبنان الانتخابات وسيلة معاصرة لمعرفة رأي الناس في اختيار ممثليهم (النواب) الذين ينوبون عنهم في المسائل التشريعية، وفي اختيار الحكومة وإعطاء الثقة لها أو نزعها منها ووجهة النظر الشرعية فيها تنبثق من أن المسلم الذي يعيش في أي مجتمع كان، سواء كان هذا المجتمع إسلاميا خالصا أو غير إسلامي وفيه أقليات إسلامية، أو مجتمع مختلط تتعدد فيه الأديان، فإن واجب المسلم في كل هذه الحالات الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمساهمة الإيجابية في حل قضايا المجتمع الذي يعيش فيه حسب وجهة نظره الإسلامية.. فإذا أتاح المجتمع له أن يشارك في انتخاب نوابه فتلك فرصة لا يجوز له أن يضيعها؛ لأنها لا بد أن يكون لها دور في إزالة بعض المنكرات، أو إشاعة بعض أنواع المعروف، أو رفع الظلم عن الناس - ومنهم المسلمون-، أو إبعاد الفساد عن الدولة الذي يضر الناس جميعا ومنهم المسلمون. وإذا تخلف المسلم عن مثل هذه المشاركة فقد قصّر في القيام بواجبه الشرعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه" والتغيير باللسان لا يعني تغييرا فعليًا، إنما يعني إنكار المنكر ومن أهم وسائل إنكار المنكر أن يتكلم به النائب عن الأمة الذي يتلقى الناس كلامه عادة بالقبول، وتنشره وسائل الإعلام على كل صعيد. الشيخ يوسف القرضاوي جعل الدكتور يوسف القرضاوي المشاركة السياسية واجبا في خطبته "الديموقراطية في الإسلام" المنشورة بموقعه الإليكتروني، وقال إنه "في العصر السابق ... كانت المجتمعات بسيطة وكان يمكن معرفة أهل الحل والعقد من الناس بسهولة فلان وفلان وفلان، ولكن عندما اتسعت المجتمعات وتعقَّدت وأصبح كثير من الناس لا يعرف بعضهم بعضاً وظهر شباب جُدد لا يعرفه الكبار من الناس، شباب تعلَّموا وحصَّلوا العلم ووصلوا إلى أعلى الدرجات هنا يكون الانتخاب هو الوسيلة الصحيحة لاختيار أهل الحل والعقد، صحيح هذه وسيلة عرفها الغربيون، عرفها المسلمون قديماً، حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: "اختاروا نقبائكم" هاتوا لي نقباء منكم اختاروهم، صحيح لم يختاروهم بالقرعة وصناديق الانتخاب إنما قالوا مثلاً هذا يمثلنا، وما شابه إنما هو نوع من الاختيار، الآن أصبح ممكن تنظيم الاختيار عن طريق الاستفتاء أو هذا الانتخاب فهذه وسيلة نرحب بها والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها."، وذهب الدكتور يوسف القرضاوي : " والواجب على كل مواطن أن يسجل نفسه فإذا لم يكن قد حصل فالواجب على من سجل نفسه أن يذهب لأداء الانتخاب كما قال الله تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) أنت دعيت لأداء هذا الواجب وللإدلاء بصوتك فلا تتخلى عنه (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) المُنتخِب شاهد يشهد بأن هذا الشخص أصلح من غيره لتمثيل هذه الدائرة ولذلك يجب ألا تتأخر عن الشهادة ولا تكتمها (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) وأن تشهد لله كما قال الله تعالى (وأقيموا الشهادة لله) " الشيخ عبد الباري الزمزمي " وفي هذا الواقع المهيمن على الأمة الإسلامية الذي لا يملك المسلم أن يرده أو يقاومه أو يتنكر له، لا يجد المسلم الصالح حيلة ولا مفرا من الدخول في الأحزاب السياسية لا سيما وأنها صارت أداة لا مناص من استعمالها لمن أراد العمل في ميدان الحكم والسياسة وإدارة أمور البلاد من أجل الإصلاح المستطاع والتصحيح المقدور عليه. وهكذا يكون الدخول في حزب من الأحزاب السياسية في هذه الحال ارتكابا لأخف الضررين عملا بالقاعدة الشرعية (إذا تعارض ضرران ارتكب أخفهما) إذ أن الدخول في حزب سياسي أو إنشاءه أصلا وإن كان فيه مخالفة للتوجيه الإسلامي ومضرة بوحدة الأمة فإنه أخف ضررا وأقل شرا من ترك مجال الحكم فارغا للمفسدين والعابثين ليعيثوا في الأرض فسادا ويحولوا بين المسلمين ودينهم ويحملوهم على اقتراف الفواحش والآثام طوعا وكرها. فخير للإسلام وأهله والحال هذه أن يدخل المسلم في حزب من الأحزاب ليستطيع الوصول إلى مواقع المراقبة والتوجيه في الدولة ويقاوم الإرادات الزائفة، ويرد المكر والفساد في البلاد والعباد قدر استطاعته، ولا يتم هذا المقصود إلا بالدخول في حزب يعمل تحت مظلة الإسلام ويقوم في حدوده ويناضل عن شريعته ويسعى لإصلاح الحياة بنظامه وتوجيهاته." إعداد خليل بن الشهبة