الدخول المدرسي 2005 في قطاع التربية الوطنية بالمغرب بين الطالب والمطلوب يدخل الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنته الخامسة أي منتصف المدة المخصصة للتنفيذ في إطار عشارية إصلاح نظام التربية والتكوين في أفق2010 وهذا يقتضي وقفة تأمل في الحصيلة السابقة ، والنظر في مخططات العمل للسنوات المتبقية برؤية لا مكان فيها للتفاؤل الزائد ولا إلى التشاؤم المفرط ، بل الواجب النظر بواقعية إلى منظومتنا التربوية لترصيد ما تحقق بعد تقويم دقيق وصارم ، ووضع الأصبع على مكامن الخلل إن وجدت بقصد معالجتها وتجاوزها ، والتخطيط الرزين لفتح الأوراش المقبلة بجدية وأمل . وإذا كانت هذه السنة تمثل منتصف المدة المخصصة لتنفيذ مقتضيات الميثاق فإن الدخول المدرسي لهذه السنة تطبعه مؤشرات ومستجدات ستتحكم في مساره وستحدث تغييرات أكيدة في نمط التكوين ومسيرته وأهمها: هيكلة الوزارة تعرف هذه السنة توحيد سلطة الإشراف على قطاع التربية والتكوين بإسناد مهام التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر إلى وزير واحد ( حبيب المالكي ) عوض وزيرين ووزير منتدب ، وهذا من شأنه أن يسرع من وتيرة إصلاح القطاع لسهولة اتخاذ القرار ، ونعتقد أن هذه الخطوة ستعالج كثيرا من الاختلالات السابقة ومنها : -النظر إلى الإصلاح بمنظور شمولي وتكاملي بين جميع أسلاك التعليم -سهولة التنسيق بين التعليم الجامعي وما قبل الجامعي -حل إشكالات البروقراطية الإدارية التي تعاني منها مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة والتي أخرت كثيرا صدور النصوص التطبيقية المتعلقة بها وفقا للقانون الإطار 00-01 -استثمار أمثل لميزانية التعليم ، وترشيد أفضل للموارد البشرية، والبنايات والتجهيزات المدرسية والجامعية ، ونتمنى أن يكون هذا التغيير في هرم سلطة الإشراف دافعا نحو تحقيق هذه الأهداف بكل جدية ومسؤولية ، دون أن ننشغل بملف إعادة النظر في صلاحيات المديريات المركزية خاصة بالتعليم العالي وتكوين الأطر أكثر من اللازم ، وعيا منا بأن تدبير الملف من طرف وزير واحد يتطلب مثل تلكم التغييرات في هيكلة الوزارة لكننا نلتمس أن يكون ذلك في أجل معقول ومحدد لا يؤثر على السير العادي لعمل الوزارة. البرامج والمناهج والكتاب المدرسي دخول أجرأة البرامج والمناهج الجديدة الواردة في الكتاب الأبيض سنتها الثالثة ، وهذا يعني أن التجربة قد أخذت طريقها ووقف العاملون في هذا المجال ، على الصعوبات المادية والتقنية والتربوية التي تعترض الملف ، كما خبروا الحلول الملائمة في الميدان ، مما سيمكنهم من متابعة العمل في ظروف أفضل ، غير أننا نعتقد أن هذه السنة سوف لن تعرف معالجة شاملة لإرباكات توزيع الكتاب المدرسي ما دمنا لم نصل بعد إلى التحرير الكامل لإشكالية التوزيع باعتماد اختيار المدرس عوض الأكاديميات في السنة الأولى للإصلاح ، والنيابات في السنة الثانية ، ونأمل أن نصل في السنة القادمة إلى خيار اختيار المدرس ، وتجاوز كل الإشكالات التي يعرفها التوزيع بالتنسيق مع دور النشر. كما أن هذه السنة يمكن أن تعرف تأخرا في نزول بعض الكتب المدرسية إلى السوق نظرا للتأخر الحاصل في تمكين الناشرين من الإذن بالطبع إلى حدود شهر غشت نظرا للتعديلات المتكررة التي طلبت من كثير من المؤلفين والناشرين وهو ما نتمنى تفاديه خلال هذه السنة بفعل تظافر جهود الجميع. أما على مستوى المناهج والتعديلات التي طرأت على الهندسة البيداغوجية الواردة في الكتاب الأبيض - بعد تعيين اللجنة الدائمة لملائمة البرامج والمناهج - ، وخاصة على مستوى الجذع المشترك فإن من شأن ذلك أن يحدث نوعا من الإرباك في سيرورة الملف بالنسبة لهذه السنة والسنة القادمة ، نظرا لعدم الحسم في كثير من النقط العالقة على مستوى الحصص والمواد المشتركة أو المميزة ( مادة التربية الإسلامية على سبيل المثال ) وهذا يتطلب من اللجنة الدائمة لمراجعة البرامج والمناهج أن تعمل على تفعيل عمل اللجن المتخصصة للحسم في القضايا العالقة ، حتى لا يؤثر ذلك عل فتحة دفتر التحملات للتأ ليف في مواد الجذع المشترك خلال هذه السنة مما سيؤثر سلبا على الدخول المدرسي المقبل 2006/2005 كما سيعرف الدخول المدرسي الحالي بداية تنفيذ برنامج إدماج مفاهيم مدونة الأسرة في المناهج التعليمية وخاصة مواد التربية الإسلامية والاجتماعيات والفلسفة والتربية الأسرية بعد صدور الدليل البيداغوجي المقدم للصحافة الوطنية والفاعلين التربويين في اللقاء الوطني المنعقد بالوزارة في 27 يوليوز الماضي وانتظار صدور دليل التكوين وتنظيم الدورات التكوينية الوطنية في غضون الأسابيع القليلة القادمة ، ونعتقد أن هذا المشروع الذي يشكل ثمرة تعاون بين الوزارة ومنظمة اليونيسيف يشكل نقلة نوعية في التوعية بالمفاهيم والمبادئ والقيم الواردة في مدونة الأسرة شريطة انخراط كل الفاعلين في مجال التربية والتكوين في تفعيل مقتضياته كل في مجال اختصاصه. الموارد البشرية : إن صدور النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية بتاريخ 13 فبراير 2003 من شأنه أن يحفز الموارد البشرية على بذل مجهودات إضافية بعد المكتسبات الجزئية التي تحققت في هذا النظام ومنها إحداث إطار خاص بالمفتشين التربويين للتعليم االثانوي الإعدادي ، وضع أنساق جديدة للترقي ، والتحفيز لبعض فئات رجال التربية والتكوين ، وفتح المجال أمام ملحقي الاقتصاد والإدارة للممارسة مهام الإدارة التربوية ، وفتح مجال إضافي مدته سنتان للترقي بواسطة الشهادات ، وغير ذلك من التعديلات والتغييرات ، بالإضافة إلى الشروع في تنفيذ مقتضيات اتفاق يناير 2004 بين الحكومات والمركزيات النقابية والتي تم على إثرها ترقية حوالي 49 ألف موظف في قطاع التعليم كل هذه الخطوات المشجعة لا تعفي الوزارة الوصية من فتح ملفات عالقة ما تزال تؤثر سلبا على نفسية وكفاءة وتعبئة الموارد البشرية وأهمها : -حل إشكالات الترقية وتسوية الملفات الإدارية العالقة لبعض الفئات المتضررة والتي توجد ملفاتها بين يدي الوزارة -حل إشكالية المركزية في تدبير الملفات الإدارية لرجال التربية والتكوين بإسنادها كاملة في أقرب فرصة إلى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وفقا لمهامها الجديدة المنوطة بها في القوانين المنظمة -إصدار القانون المنظم للتكوين المستمر من أجل ممارسة مراكز التكوين بتنسيق مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لمهامها في هذا المجال ، لأنه لا يعقل أن تدخل البرامج والمناهج الجديدة حيز التنفيذ منذ ثلاث سنوات مع اعتماد مقاربة التدريس بالكفايات دون أن يواكب ذلك تكوين مستمر لهيئة التدريس نظرا لغياب القوانين التنظيمية -فتح أوراش إعادة النظر في برامج ومناهج تكوين الأطر وفقا للمستجدات التربوية على مستوى البرامج والمناهج وحاجيات الدولة من الأطر التربوية -إصدار المراسيم التطبيقية المرتبطة بالقانون الإطار 01=00 والخاصة بمؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة حتى تتجاوز مرحلة الانتظارية القاتلة التي تمر بها في غياب القوانين المنظمة -الرفع من عدد المناصب المالية في مباريات الدخول إلى مراكز التكوين في ظل الحاجيات المتزايدة للوزارة من الكفاءات التعليمية ، فقد لوحظ في بداية هذه السنة صدور القوانين المنظمة لمباريات الدخول إلى مركز التكوين مع تحديد المناصب المالية بالنسبة لكل مادة دراسية إلا أن الملاحظ أن هناك قلة في عدد المناصب عموما مما لا يستجيب كلية لحاجة قطاع التربية والتكوين من الأطر انطلاقا من الاستراتيجية التنفيذية التي أعدتها الوزارة نفسها من أجل تنفيذ البرامج الجديدة الواردة في الكتاب الأبيض ، ومن جهة ثانية اضطراب في توزيع هذه المناصب على قلتها ( 120 منصبا لمادة الفلسفة - 90 منصبا للإعلاميات - 10 مناصب للتربية الإسلامية مثلها مثل اللغة الألمانية والإسبانية ، رغم كون الأولى وطنية مع ارتفاع عدد حصصها في السلك الثانوي التأهيلي والثانية والثالثة غير معممة وطنيا ، واقتصار فتح سلك التبريز على المواد العلمية واللغات ) وهذا يعكس صعوبة تدبير ملف المناصب المالية نظرا لقلتها من جهة ، وكثرة الطلب من جهة ثانية مما يضع علامة استفهام حول استعدادات الدولة لتوفير الموارد الكافية لأجرأة مقتضيات الميثاق الوطني في أفق 2010 مستوى تعميم التمدرس وضمان الجودة رغم المجهودات المبذولة للرفع من وتيرة توفير البنيات التحتية بتعبئة مقدرات الوزارة ، وبالتعاون مع الجماعات المحلية والمنظمات والهيئات الإقليمية والدولية فإن متطلبات تعميم التمدرس من التجهيزات و البنيات التحتية ما يزال دون المأمول ، وما يزال الاكتظاظ حاصلا في الأقسام الدراسية ن بحيث يصل في المتوسط ما بين 45 تلميذا في المناطق الحضرية الرئيسية في وسط المغرب وشماله وفي الأقاليم الجنوبية و 60 تلميذا في المناطق القروية وشبه الحضرية ، وهذا من شأنه أن يؤثر في جودة التكوين خاصة إذا ما علمنا أن بيداغوجية الكفايات المعتمدة في البرامج والمناهج تركز بالأساس على تقوية المهارات والاهتمام بالفروق الفردية واستخدام أوسع للوسائل والأنشطة التعليمية ، مما لا يتلاءم كلية مع ارتفاع عدد التلاميذ في القسم الواحد وحتى نتمكن من تعميم التمدرس كرهان استراتيجي للميثاق في أفق 2010 مع ضمان جودة التكوين ، والاهتمام بالكيف لا بالكم ينبغي تعبئة الموارد المالية للدولة في مجال التعليم بشكل أكثر عقلانية ، مع تمكين الأكاديميات الجهوية من استقلالية حقيقية في تدبير الموارد الموالية كي تسعى جادة إلى الانفتاح على محيطها الاقتصادي والاجتماعي الوطني والدولي من خلال اتفاقيات تعاون وشراكة مثمرة ، كما يقتضي ذلك تعبئة جمعيات آباء وأولياء التلاميذ من أجل تحفيز مؤسسات المجتمع المدني على تحمل قسط من أعباء توفير البنايات المدرسية وإصلاح وتجهيز القائم منها. إن هذه المؤشرات التي تطبع الدخول المدرسي الحالي 2005 تعكس جهودا مبذولة يمكن أن تكون أكثر فاعلية بحسن التدبير ، كما تعكس انتظارات صعبة بالنظر إلى الإمكانات المحدودة المتاحة ، يدل كل ذلك في المحصلة على إمكانية تحقيق بعض أهداف الميثاق وصعوبة تحقق بعض الأهداف الأخرى في الآجال المحددة ، مما يحتم علينا تعبئة أكثر ، وإمكانيات أفضل وإرادة أصلب ، وإقرارا بأن قطاع التربية والتكوين قطاع منتج يحتاج إلى منتجين. د.خالد الصمدي رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية الإسلامية