سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتور خالد الصمدي رئيس المنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي ل"التجديد":أرى في الأفق مؤشرات لتأسيس إطار نقابي جديد يأخد ملف الأساتذة بعيدا عن المزايدات السياسية
اعتبر الدكتور خالد الصمدي رئيس المنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي أن الجامعة المغربية تعيش الآن أزمة حقيقية تتطلب من كل الفاعلين السياسيين والتربويين والإداريين وكل القوى الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب الإسهام بفعالية لتجاوزها. وقال في حوار خص به جريدة التجديد إن أغلب الأساتذة الباحثين يدعون إلى ضرورة إعادة النظر في القانون 01.00 نظرا للثغرات الكبيرة التي يشتمل عليها وخاصة في ما يتعلق بهياكل الجامعة والنظام الأساسي وغيرها. وأضاف خالد الصمدي أن المنتدى الذي يتشرف برئاسته لا يفكر لحد الساعة في خلق بديل جديد للنقابة الوطنية للتعليم العالي، هذه الأخيرة التي بدأت تعرف انتقادات عدة من فروعها الجهوية بحيث أشار بعض هذه الفروع إلى أن المكتب الوطني ربما لا يدرك حقيقة ما يجري لدى فروعه على الصعيد الوطني. حول هذه القضايا وقضايا أخرى كواقع البحث العلمي ببلادنا ونظام وحدات البحث والتكوين وما يعانيه والدور المطلوب من النقابة الوطنية للتعليم العالي وأهداف المنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي كان لنا هذا الحوار مع الدكتور خالد الصمدي. إذا أردنا في البداية تشخيص وضعية البحث والتكوين بالجامعة الغربية وتحديد الدواعي الرئيسية التي أدت إلى التفكير في الإصلاح وبداية بلورة تصوراته ومتقضياته من خلال عمل النخب الجهوية والوطنية فما هي المعطيات التي تتوفرون عليها في هذا الموضوع. أرى أن سؤالكم يتضمن مستويين: المستوى الأول الحديث عن التكوين من حيث وضعيته الحالية والإصلاح المرتقب، والمستوى الثاني هو البحث العلمي على اعتبار التداخل والتقاطع الموجود بينهما. وسأبدأ بالمستوى الأول. فأنتم تعلمون كما يعلم جل المهتمين بالتعليم العالي والبحث العلمي أن الجامعة تعتبر قاطرة للتنمية بامتياز على الأقل نظريا. كما أنه لا أحد يجادل في أن الجامعة المغربية على مستوى التكوين تعيش أزمة حقيقية تتطلب من كافة الفاعلين التربويين والإداريين، وكل القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالمغرب الإسهام بفعالية، كل من موقعه في فك لغز التكوين بالجامعة انطلاقا من خيارات وطنية واضحة الأهداف والغايات مع توظيف كل الطرق والوسائل واستثمار كل التجارب الجهوية والدولية لتحقيق تلكم الأهداف والغايات ومن تم تلكم الخيارات. ونجد صورة الأزمة التي يعيشها التكوين في الجامعة المغربية في طغيان التكوين النظري وضعف تكوين المهارات والقدرات والكفايات لدى الطلبة حتى في التخصصات العلمية نظرا لضعف التجهيزات وقلة فرص التكوين لدى كثير من الأساتذة وخاصة في الجانب البيداغوجي، وانسداد أفق التكوين أمام الطلبة، وكثرة التجارب الفاشلة التي عرفتها الجامعة المغربية في غضون العشرين سنة الماضية من إجازة مطبقة إلى إجازات متخصصة إلى نظام الدراسة المفتوح بالسلك الثالث والانتقال بعده إلى نظام وحدات البحث والتكوين الذي يعرف ارتجالا كبيرا في الاعتماد والتكوين على السواء، فكثير من هذه الوحدات انتهت إلى تخريج أفواج من حاملي DESA دون تمكينهم من تسجيل أطروحاتهم بالإضافة إلى هزالة الاعتمادات المالية المخصصة لهذه الوحدات. وإذا علمنا من خلال الإحصاءات الرسمية أن معدل الحصول على الإجازة هو سبع سنوات وأن واحدا من تسعة طلبة مسجلين بالسنة الأولى من الإجازة يتمكن من الحصول عليها، علمنا بحسرة حجم الهدر الذي تعرفه الجامعة وقلنا بكل أسف إنها أصبحت قاعة انتظار كبيرة تحتضن خيرة الشباب المغربي الذي سدت في وجهه آفاق التكوين المنتج الذي يوجد في مؤسسات التعليم الخاص الباهض التكاليف ومؤسسات التكوين العالي خارج المغرب. وإذا نظرنا إلى المستوى الثاني وهو مستوى البحث العلمي فإننا نقف على مؤشرات ذات دلالة عميقة. فوفق آخر الإحصاءات الرسمية التي أدلى بها الوزير المنتدب في البحث العلمي فإن المغرب يخصص 0,7% من الناتج الداخلي الخام للبحث العلمي وأن النسبة ستصل في المخطط الخماسي 2000/2004 إلى %1، وأن المقالات العلمية التي ينشرها الباحثون المغاربة بالمجلات العلمية المتخصصة قد انتقل من أربعمائة خلال عشارية التسعينات إلى ألف وخمسة وستين مقالا خلال سنة 2001. وإذا ما تمت المقارنة بين هذه النسب وما صرح به الوزير نفسه في اللقاء نفسه الذي جمعه بطنجة مع رجال التعليم العالي والبحث العلمي صيف 2001 حين كان كاتبا للدولة في مهرجان العلوم 12 يوليوز حيث تحدث عن الاعتمادات المخصصة للبحث العلمي في الدول العربية المماثلة والذي يصل إلى 1.,25 واعتمادات البحث العلمي في دول الاتحاد الأوروبي التي وصلت إلى 1,9 والولايات المتحدة 2,7 واليابان 3,1. بهذه المقارنة يتبين أن طموح المغرب للوصل إلى %1 في أفق الخمس سنوات القادمة يعتبر غير كاف لدخول عالم التنافسية بشروط العولمة التي تعتمد نتائج البحث العلمي في كل قطاعات التنمية، وإذا ما انتقلنا من الاعتمادات المخصصة للبحث العلمي بالمغرب إلى رصد الاختلالات الأخرى فإننا يمكن أن نجملها في: اعتماد البحث العلمي كوسيلة للترقية الوظيفية عوض الإسهام المباشر في التنمية والانخراط في مشاريع بحث عالمية لا تستجيب نتائجها بالضرورة للواقع المحلي ولا تسهم في التخفيف من إكراهاته وهذا يجعل جهود كثير من الباحثين تضخ في مصلحة قطاعات التنمية بالمغرب، بل إن بعض الباحثين بحثا منهم عن مصادر تمويل البحث العلمي يجدون أنفسهم مورطين في خدمة مشروع مناهض لقضايا الأمة الإسلامية وهويتها ويكتشفون أنفسهم مورطين في مشاريع تعاون حتى مع الكيان الصهيوني الغاصب فيسارع كثيرمنهم إلى الانسحاب ويصر بعضهم على المتابعة رغم علمه بخطورة الأمر. غياب سياسة وطنية واضحة للبحث العلمي تستهدف إدماج الجامعة والقطاع الخاص في مشاريع بحث مشتركة تستجيب لحاجيات التنمية الوطنية. إصرار القطاع الخاص على التوجه إلى المختبرات الأجنبية رغم تكلفتها المرتفعة وهذا يكشف غياب الثقة في الكفاءات الوطنية. الاعتماد على القطاع العمومي بنسبة 90% وعدم التخلص من اللامركزية إذ تتمركز حوالي 337 وحدة من أصل 1000 بمدينة الرباط وحدها الأمر الذي لا يجعل من البحث العلمي أداة لتطوير التنمية الجهوية. ضعف تجهيزات المختبرات وغياب الموارد المادية والبشرية الكافية. هذه الوضعية تجعل الجامعة المغربية على مشارف القرن الواحد والعشرين لا تطمئن ولا تبعث على الارتياح في هذا الإطار. كيف تنظرون إلى مشروع إصلاح الجامعة بعد صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين والقانون الإطار 00 01 وهل يمكن أن يسهم بصيغته الحالية في فك لغز التعليم العالي والبحث العلمي. يعرف التعليم ببلادنا مؤشرات تحول كبرى بالمقياس الوطني طبعا أما بالمقياس الإقليمي والعالمي فهي حركة عادية وقد أقول بطيئة ومتأخرة عن مسايرة ركب التحولات التي تعرفها الأنظمة التعليمية في البلدان النامية ناهيك عن البلدان المتقدمة التي يعتبر فيها إصلاح نظام التربية والتكوين موجات متحركة لاتقف تبعا لحركية أنظمة المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وعليه فإننا لا يمكن أن نفصل بين إصلاح نظام التربية والتكوين ببلادنا ونسق الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتأرجح بين المد والجزر ويمر بفترة انتقالية حاسمة في الوقت الراهن. في هذا السياق وبعد مشاريع إصلاح متعددة استمرت أربعين سنة واتسمت في غالبها بالمحدودية والنظرة الجزئية غير المهيكلة، يصدر الميثاق التوافقي للتربية والتكوين ليشخص وضعية التعليم ببلادنا ويضع تصورا لإصلاح هذه المنظومة على الأقل في أفق العشرية القادمة، وبعد القبول المبدئي لمقتضيات الميثاق من طرف جلالة الملك في خطابه بالبرلمان المغربي وإبقائه الباب مفتوحا للمراجعة والتنقيح والإضافة، واستمرار عمل اللجنة المكلفة الخاصة بالتربية والتكوين، دون أن يصدر هذا الميثاق لحد الساعة بظهير أو مرسوم يعطيه الصبغة اللالزامية في فقراته ونصوصه. انطلقت عملية أجرأة الميثاق في مختلف قطاعات التعليم والتكوين من خلال إصدار المراسيم التطبيقية سواء بالتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي أو القطاعات التابعة لوزارة التربية الوطنية. وفي هذا الإطار القانون الإطار 00 01 المنظم للتعليم العالي، وأجدني ملزما بتوضيح بعض النقط الأساسية المتعلقة بهذا القانون قبل الحديث عن أجزائه عمليا من القطاع وتتمثل هذه النقط في مايلي: صدور القانون الإطار مع ما يحمله من قضايا حاسمة في مستقبل التعليم العالي ببلادنا دون مشاورات موسعة مع مختلف المعنيين من هيئات نقابية وعلمية ممثلة للأساتذة. توصل أغلب مجالس الكليات والجامعات بمشروع القانون لمناقشة وإبداء الرأي فيه في نفس الوقت الذي عرض فيه على البرلمان للمصادقة الشيء الذي جعل مناقشته في هذه المجالس غير ذات جدوى. وقد ذكرت هذا الأمر لأبين أن الصعوبات التطبيقية للقانون، والخلافات التي ستعترض هذا التطبيق هي من صميم المعالجة السريعة للموضوع والتي حرمت الأساتذة من حقهم في إبداء الرأي في قضية تهم مستقبل التربية والتكوين بالجامعة المغربية والتي تعتبر الأساتذة حلقتها الرئيسة. وهكذا نجد أغلب الأساتذة الباحثين يدعون إلى ضرورة إعادة النظر في القانون الإطار 00 01 نظرا للثغرات الكبيرة التي يشتمل عليها وخاصة فيما يتعلق بهياكل الجامعة والنظام الأساسي وغيرها. إذن ماهي أهم الملفات التي فتحها هذا القانون الإطار وشرع في إجرائها الآن تطبيقيا في إصلاح الجامعة وماهي أهم ملاحظاتكم التي تسجلونها في هذا الإطار. يمكننا أن نعتبر أن الملفات المفتوحة الآن للأجرأة العملية تتمثل في نظام الهيكلة الجديد للجامعة المغربية والإصلاح البيداغوجي، وتبقى الملفات الأخرى المتعلقة بالبحث العلمي والنظام الأساسي لرجال التعليم الباحثين موقوفة التنفيذ. وهذه المقاربة المجزأة في اعتقادنا تعارض مبدأ النظرة الشمولية للإصلاح الجامعي، إذ لا يمكن أن نفكر في إصلاح بيداغوجي دون إرساء مسبق للهياكل الجديدة التي ينص عليها القانون والتي يمنحها صلاحيات نسبية في إطار استقلالية الجامعة لتدبير الشأن التربوي والمالي والإداري. وانطلاقا من ذلك فقد وجدنا أنفسنا أمام إصلاح بيداغوجي جديد تنفذه هياكل قديمة لا تملك من الصلاحيات التقريرية ما يؤهلها لاتخاد القرارات المناسبة وخاصة في مجالس الكليات والجامعات، علما بأن الصياغة التفصيلية للإصلاح البيداغوجي بالجامعة شرع فيها منذ حوالي ثلاث سنوات، في حين أن الهياكل الجامعية وخاصة المجالس التمثيلية للأساتذة لم تستلم صلاحياتها الجديدة إلا منذ حوالي شهر في إطار الانتخابات الجديدة. ناهيك أن تعيين رؤساء الجامعات عرف بطئا شديدا وتعثرا في أكثر من جامعة، ولم تنطلق عملية فتح الترشيحات لتولي مناصب العمداء ومديري المؤسسات العليا إلا مؤخرا. والخلاصة أن الإصلاح التربوي للجامعة وإرساء الهياكل الجديدة على الرغم من تحفظاتنا على المسطرة القانونية المنظمة، يسيران بسرعتين مختلفتين تماما، وستجد الهياكل الجديدة نفسها ملزمة بتطبيق إصلاح بيداغوجي لم تسهم في بلورته. انطلقت عملية الإصلاح البيداغوجي بالجامعة المغربية في ظل الحكومة السابقة حين كان الحبيب الزروالي وزيرا وصيا على القطاع، واشتغلت اللجن التقنية الجهوية والوطنية بشكل مكثف من أجل انطلاق الإصلاح في الموسم الجامعي 2002/2003 ثم أجل ذلك إلى الدخول الجامعي المقبل، ثم جاءت مناظرة مراكش لتعيد النظر في كثير من الأشياء التي يراها كثير من المتتبعين جوهرية وقد تعيد الملف إلى نقطة الصفر مما قد يؤجل تطبيق الإصلاح البيداغوجي إلى سنة أخرى. كيف تنظرون في المنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي إلى هذه الثغرات والارتباكات، وهل تجدون مكانا للعامل السياسي في هذا الوضع إذا ما نظرنا إلى اختلاف الانتماء السياسي للوزيرين الحالي والسابق. سأبدأ بالشق الثاني من سؤالك: ذلك أن الشأن التعليمي في بقاع الدنيا كلها يعني كل فرد من أفراد المجتمع. ويعتبر نظام التربية والتعليم كتصور وكفلسفة صمام الأمان الذي يحفظ لكل بلد هويته وخصائصه. فلا مجال فيه إذن للمزايدة السياسية، اللهم إلا ما كان من الطرق التدبيرية للملف والمقاربات الإجرائية المختلفة، فتلك القضايا خاضعة للتحول والتغيير وقابلة لاختلاف وجهات النظر. لذلك أعتقد أن الحكومة حين تنظر إلى ملف من هذا القبيل فإنها لا ينبغي أن تنظر إليه إلا من زاوية استراتيجية بعيدة المدى قد تتجاوز عمر الحكومة على اعتبار أن الحكومة هي طرف في تدبير الملف الذي يعني مختلف شرائح المجتمع، وهذا يقلص إلى حد بعيد من حظوظ المقاربة السياسية وهنا نؤكد أن أي وزير وصي على القطاع لا تتجاوز نظرته اللجن التقنية المحيطة به. ونظرة حزبه إلى إصلاح التعليم فيكون الفشل مصير مشروعه لأن القطاع حساس جدا ومتشعب العلاقات ويقتضي مشاورات واسعة. إن الشق الأول من سؤالك هو جوهر المشكل وسأجد نفسي مضطرا كي أقدم رؤية مركزة جدا لمسار الإصلاح البيداغوجي للجامعة المغربية على عهد نجيب الزروالي، والنهاية غير السعيدة التي وصل إليها الملف، لنفهم موقع مناظرة مراكش من هذا السياق، وأفق نظرة الوزير الجديد لملف إصلاح الجامعة. فمن الناحية المبدئية كان انخراط جزء من الأساتذة في بداية أجرأة الإصلاح منطلقا من أن الجامعة المغربية في حاجةإلى إصلاح جذري مهما كانت التضحيات وأن هذا المبدأ غير قابل للمزايدة وأن إبداء حسن النية من طرف الأساتذة لتحقيق هذا الهدف أقل ما يمكن أن يقدم في هذا الاتجاه. وفي نفس الوقت كان هؤلاء الأساتذة يرون أن مقاربة هذا الملف هي من أصعب المهام التي تواجه الجامعة المغربية، وكانوا ينبهون في غير ما مناسبة إلى أن كل مجالات الإصلاح من هيكلة وتجهيزات وإدارة، وتواصل مع الفاعلين، وغير ذلك تدور كلها في فلك الهندسة البيداغوجية المرتقبة للجامعة المغربية. ولذلك يجب أن ينظر إلى هذا الملف في شموليته وأن يقارب من مختلف جوانبه، وهذا يقتضي بدءا تهيء أرضية الإصلاح قبل تطبيقه وذلك ب: إرساء الهياكل الجديدة للجامعة من رؤساء جامعات وعمداء ومجالس تمثيلية. توفير جزء من التجهيزات الأساسية لانطلاق الإصلاح التربوي وخاصة في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح. ربط الصلة مع الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين بالمحيط لرصد حاجاتهم من التكوين ومعرفتهم حدود مشاركتهم في بلورة الإصلاح. انطلاق ورش إعادة النظر في النظام الأساسي للأساتذة الباحثين مواكبة لانطلاق ورش الإصلاح البيداغوجي. بداية تنفيذ خطة تكوين الطاقم الإداري والتربوي حتى يكون على استعداد لمباشرة تنفيذ الإصلاح. إلا أن سياسة الوزير السابق نجيب الزروالي سارت في اتجاه البداية الجزئية المتدرجة وذلك بالتركيز على الإصلاح البيداغوجي جزئيا من خلال إنضاج تصور للسلك الأول الجامعي فقط والذي سيضم في هيكله وحدات التواصل واللغات والتحسيس بالتخصصات. وقد نبه الأساتذة سواء في اللجن التقنية الجهوية والوطنية أو من خلال التجمعات المحلية والجهوية للنقابة الوطنية للتعليم العالي إلى أن هذه المقاربة تحمل في ذاتها بذور الفشل أثناء التطبيق اعتبارا للتجهيزات والأطر البشرية التي يتطلبها تدريس وحدات اللغات والتواصل والتحسيس، والبرمجة الزمنية لخمسة فصول التي ستفضي في النهاية إلى الحصول على الإجازة في خمس سنوات كحد أقصى، بالإضافة إلى انعدام وضوح الرؤية في مسار المسلك في السلك الثاني والدكتوراه. إلا أن هذه الأفكار كانت تقابل بالرفض وتنعت بأنها مجرد آراء وانطباعات سيظهر زيفها وعدم صحتها بالتدرج في عملية التنفيذ، وأن الوزارة تملك تصورا مدروسا ومحكما سيذلل كل الصعوبات، وبقي الكثير من تلك الأفكار مدونا في محاضر اجتماعات اللجن الجهوية والوطنية لتنسيق وتتبع الإصلاح. إلا أن العكس هو الذي حصل في نهاية السنة الماضية، إذ وقف الجميع سواء اللجن الجهوية أو الوطنية للخبراء على المأزق الذي وصلت إليه أجرأة الهندسة البيداغوجية وانعكس ذلك في الدخول في متاهات السيناريوهات التي يمكننا بواسطتها تطبيق نظام الخمسة فصول من قبيل اقتراح دمج خمسة فصول في سنتين مع ما يصحب ذلك من ضغط تربوي وإداري في برنامج التكوين أو اقتراح اعتماد ستة فصول، أو الحفاظ على خمسة فصول كما نص على ذلك الميثاق وهذا يعني الحصول على الإجازة في خمس سنوات كحد أقصى، دون أن يقع الحسم في أي اتجاه. هذا بالإضافة إلى التيقن من صعوبة تدريس وحدات التواصل واللغات والتحسيس بعد أن شملت المفاوضات بين وزارة التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، ووزارة التربية الوطنية المتعلقة بكيفية تطبيق القانون الإطار 00 01 فيما يخص مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة وخاصة منها المدارس العليا للأساتذة، التي كان ينتظر أن تسهم الموارد البشرية والتجهيزات بها لسد الفراغ ورفع الصعوبة في التنفيذ. وهكذا انتهت الهندسة البيداغوجية زمن الزروالي إلى الباب المسدود، وبقيت الملفات الأخرى معلقة، ومنها النظام الأساسي للأساتذة الباحثين الذي تم تعويضه صوريا بالبروتوكول الموقع مع النقابة والذي يحمل أرقاما وهمية سيتنكر لها الوزير الحالي وكأنها وقعت على صفحة من ماء. بحكم روح التوافق التي كانت تسود بين الوزير السابق والمكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي وفي إطار استمرار العمل الحكومي كان من المفروض أن يعمل الوزير الحالي على تنفيذ مقتضيات البروتوكول على الأقل عوض فتح النقاش من جديد. القضية ليست في البروتوكول وتنفيذه ولكنها سياسة تدبير كل من النقابة والوزارة لملف إصلاح التعليم العالي. دعني أقول إن المؤتمر الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي لم يكلف المكتب الوطني ببحث مسألة الزيادة في التعويضات وإنما كلفه بمراجعة النظام الأساسي، والتوافق على التعويضات يعني في نهاية المطاف تأجيل مراجعة هذا النظام على الأقل خمس أو ست سنوات، وهذا يعني استمرار الحيف الكبير الذي لحق الأساتذة الباحثين من تطبيق مراسيم فبراير 1997، كما أنه يعني من ناحية ثانية ترسيخ تطبيق أنظمة أساسية فرعية خاصة بكل جامعة كما ينص على ذلك القانون الإطار 00 01 وهو ما يرفضه الأساتذة بشدة ويتشبثون بضرورة مراجعة هذا النظام في إطار الوظيفة العمومية وهذا يقتضي معارك نضالية لإدخال تعديلات على القانون الإطار ولا يقتضي إغراقهم في وهم بروتوكول التعويضات. وقد كانت مراجعة النظام الأساسي في إطار الوظيفة العمومية كفيلة بحل كثير من الإشكالات التي عاشها الأساتذة طيلة ثلاث سنوات من تولي المكتب الوطني الحالي للنقابة وخاصة المشكل المزمن لحاملي الدكتوراه الفرنسية والاستفادة من أقدمية ثلاث سنوات وأنساق الترقي وغير ذلك، إلا أن المكتب الوطني اختار الطريق السهل تجنبا لإحراج الحكومة السابقة والوزير الحالي فأغرق الأساتذة في الجزئيات، وأخيرا في لقاء مراكش تنازلت الكاتبة العامة عن الحديث عن النظام الأساسي في إطار الوظيفة العمومية وصمتت كلية عن التعويضات والترقية، وسارعت إلى تأكيد انخراط الأساتذة في الإصلاح. وهذا كما هو معلوم انفصال تام عن قواعد النقابة التي دخلت فروعها الجهوية في إضرابات في غير ما موقع، ونتوقع أن تتصاعد الاحتجاجات في الأيام القليلة القادمة. أرى أن في مقاربتكم لهذا الملف تضمنت مؤاخذات كثيرة لطريقة تدبير الملف من طرف النقابة الوطنية للتعليم العالي علما بأنكم عضو في مكتب الفرع الجهوي لهذه النقابة بتطوان طنجة. قبل الجواب على سؤالك أود أن أشير إلى أهم الخلاصات التي أسفرت عنها ندوة مراكش وما قد تحمله من مستجدات في ملف الإصلاح التربوي بالجامعة المغربية. فالندوة خلصت إلى هندسة بيداغوجية جديدة تنتظم في نظام شهادات جديدة كالتالي باكالوريا + 3 سنوات = الإجازة، باكالوريا + 5 سنوات = المتيريز، والباكالوريا + 8 سنوات = الدكتوراه. وهذا يعني أن ما أعدته لجن تتبع الإصلاح ولجن الخبرة ومجالس المؤسسات والجامعات والنخب الوطنية للخبراء، ينبغي إعادة النظر فيه مع ما يتطلبه ذلك من جهد جهيد ووقت إضافي سيؤخر لا محالة تطبيق الإصلاح في السنة القادمة. ومما ميز اللقاء أيضا إقرار الوزير صراحة بأن مراجعة النظام الأساسي للأساتذة الباحثين لن يكون إلا في إطار جهوي أي أن كل جامعة ينبغي أن تسن نظاما أساسيا (لمستخدميها) بهذا الإسم كما ورد في القانون الإطار 00 01، وأن نظام التعويضات ذهب أدراج الرياح لعدم وجود الإمكانات المادية. بالإضافة إلى إعادة النظر في شبكة التقويم رغم التوافق المبدئي الذي حصل حولها بعد لقاءات متعددة بين النقابة والوزارة السابقة، أضف إلى كل ذلك تجميد وإلغاء الحساب خارج الميزانية الذي كانت الجامعات تستفيد منه في دعم فرق ومختبرات البحث، وهذا يعني جمودا في الوضعية المادية للأساتذة على الأقل في أفق ثلاث سنوات وهكذا نعتقد أن لقاء مراكش كان منعرجا بالفعل في إصلاح الجامعة المغربية نخشى أن يدخلها في مطبات الكل في غنى عنها. أما عن تدبير النقابة الوطنية للتعليم العالي للملف، فجل قواعد الأساتذة الباحثين وأنا واحد منهم ومن داخل النقابة يكادون يجمعون على الضعف الكبير الذي يعاني منه المكتب الوطني خاصة بعد إقالة الكاتب العام الوطني السابق وتعويضه بأمينة المال، بالإضافة إلى تداخل الفعل النقابي للمكتب مع الإيديولوجيا السياسية للحكومة وإحجام المكتب الوطني عن إحراج الحكومة السابقة والحالية رغم التراجعات الكبيرة التي عرفها الملف المطلبي للأساتذة الباحثين كما حددها المؤتمر الوطني في المسلمات الثلاث: الإصلاح الشمولي للجامعة. مراجعة النظام الأساسي باعتماد الإطارين. دمقرطة الهياكل الجامعية وتعزيز استقلالية الجامعة. وقد بلغ الاندحار ذروته كما ذكرت سابقا في الكلمة التي ألقتها الكاتبة العامة للنقابة في افتتاح ندوة مراكش والتي أثارت استياء كافة الفرقاء وكادت أن تؤدي إلى اعتصام احتجاجي في بهو كلية الطب والصيدلة التي نظمت الندوة ومن المؤكد أن تكون للكلمة ردود فعل قوية في الفروع المحلية والجهوية. خلاصة القول أننا نسجل بكل مرارة انسداد الأفق النضالي للنقابة خاصة بعد تولي خالد اعليوة حقيبة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حيث انتقلت علاقة النقابة بالوزارة من التناغم في الحكومة السابقة إلى الاندماج والتنسيق في ظل الحكومة الحالية، الشيء الذي جعل الحديث عن إنشاء إطار نقابي بديل يتسع ويناقش بجد في صفوف الأساتذة. هذا الموقف يجعلنا نستاءل عن علاقة المنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي الذي تترأسونه بالنقابة الوطنية للتعليم العالي. نحن لحد الساعة نعمل من داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي، ولم نعلن أنفسنا بعد نقابة بديلة، لأن قانوننا الأساسي الحالي لا ينص على البعد النقابي، ولا نريد أن نقع في رد الفعل، والكلمة أولا وأخيرا تعود إلى المنخرطين في المنتدى والذي يسعى الآن إلى هيكلة نفسة بتأسيس الفروع الجهوية وتنفيد برنامج العمل المسطر للمنتدى في أفق المؤتمر القادم الذي يعتبر أعلى هيئة تقريرية. إلا أنني شخصيا أرى في الأفق مؤشرات لتأسيس إطار نقابي يأخد ملف الأساتذة الباحثين بقوة بعيدا عن المزايدات السياسية سواء من طرف المنخرطين في المنتدى أو من غيرهم خاصة إذا ساعد المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي على زيادة تأزيم الوضع، وإن كنا سنأسف بعد ذلك حقا على وحدة العمل النقابي في التعليم العالي. مادمتم في قانونكم الأساسي في المنتدى لا تنصون على البعد النقابي، كيف تقدمون أنفسكم للأساتذة الباحثين في الجامعة كمهتمين بالتعليم العالي والبحث العلمي. الجواب عن هذا السؤال يتمثل في الأهداف المسطرة للمنتدى منذ تأسيسه والتي تتمثل في: الإسهام في تطوير التعليم العالي والبحث العلمي الإسهام في توفير وتحسين الظروف الملائمة لقيام أعضاء الجمعية بمهامهم الجامعية من أجل تشجيعهم على إنتاج المعرفة العمل على ترسيخ الهوية الوطنية من خلال إرساء جامعة مواطنة تكون قاطرة للتنمية. توفير الخدمات الاجتماعية الملائمة لأعضاء الجمعية. مد جسور التواصل بين أساتذة التعليم العالي وضع خبرة الأساتذة في خدمة المجتمع من خلال السعي إلى الربط بين التعليم العالي ومحيطه. ولتحقيق هذه الأهداف فالمنتدى مفتوح على كل الفعاليات الموجودة في التعليم العالي ومؤسسات البحث العلمي بمختلف تياراتها واهتماماتها، إذ أن الشرط الذي يجمع المنخرطين يتحدد في الرقي بالتعليم العالي والبحث العلمي. إذا أردنا أن نتعرف على مقترحاتكم للرقي بالتعليم العالي والبحث العلمي انطلاقا من الأهداف المسطرة في القانون الأساسي للمنتدى، كيف تنظرون إلى مستقبل الجامعة في ظل تحديات العولمة؟ على الأقل على المستوى الإقليمي ودول الجوار نرى أن المغرب أخد يتراجع إلى الخلف بعد أن كان قطبا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وازنا بالمنطقة، والمتحكم في هذا أولا وأخيرا هو مؤشرات التنمية وأساسها نظام التربية والتكوين. ونحن في المنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي ننظر إلى التعليم في شمولية لأننا نعتقد أن نجاح التعليم الأولى والابتدائي والثانوي رهين بنتائج البحث العلمي الذي ينبغي أن يقوم به الأساتذة في الجامعة. ولازلنا في المغرب للأسف نضع حواجز مصطنعة بين أسلاك التكوين ويكفي للدلالة على هذا غياب التنسيق بين وزارتي التربية الوطنية والتعليم العالي في صياغة مشاريع الإصلاح التربوي في أجزاء مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي يعتبر وحدة لا تتجزأ ووثيقة قابلة للتطوير. ولازلنا نعتقد أن المخرج لهذه الوضعية يكمن في وحدة جهاز الإشراف على قطاع التربية والتكوين كما نص على ذلك الميثاق، إلا أننا لاحظنا أن التشكيلة الحكومية الحالية كرست التفرقة من جديد وهذا من شأنه أن يعمق الشرخ مرة أخرى ويسهم في تبذير أوقات ومجهودات وطاقات يمكن أن تصرف في البناء الجماعي. ومن شأن توحيد سلطة الإشراف التمكن من رسم سياسة إجرائية تطبيقية موحدة لقطاع التربية والتكوين ويمركز الجهود ويحسن استثمار الموارد المادية والبشرية التي تعرف هدرا كبيرا. كما أننا نرى أن تفعيل بنود الميثاق وخاصة على مستوى الهياكل يسير ببطء شديد، فلازالت الوكالة الوطنية للتقويم التي ستلعب دورا حاسما في الارتقاء بنظام التربية والتكوين على الورق، ولازالت اللجنة الوطنية الدائمة لملاءمة البرامج والمناهج كذلك. ولازالت أكاديمية اللغة العربية تنتظر دورها. ولازلنا نتوق إلى مدونة جامعة لقوانين التعليم تضمن الانسجام بين النصوص والتكامل بين مختلف الهياكل. كما أننا نرى في البحث العلمي ضرورة تمكين مراكز البحث ومختبراته من الذمة المالية التي تمكنهم من عقد اتفاقات تعارف وشراكة مع القطاع الخاص، وإعفاء الأساتذة من ضريبة 5% على البحث تشجيعا لهم، وإرجاع جسور الثقة بين الجامعة والمحيط. كما أننا نرى أن المدخل الطبيعي للإصلاح الجامعي يكمن في العناية بوضعية الأستاذ الباحث من خلال إقرار نظام أساسي عادل يتجاوز اختلالات مراسيم فبراير 79 ويحفز الباحثين إلى العطاء وإبراز الطاقات التي تخدم التنمية دون شعور بالحيف أو الظلم أو الحرمان. حاوره عبد الرحمان الخالدي