ما تزال الجامعة المغربية تعيش على إيقاع تفاعلات الدخول الجامعي الحالي، وسط تساؤلات عن مآل الإصلاح البيداغوجي الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من شتنبر الماضي، مخلفا ردود فعل متباينة، تختلف حدتها بين المواقع الجامعية من جهة وبين الأساتذة والطلبة من جهة ثانية، باعتبار الطرفين معا هما المعنيان بالإصلاح، فضلا عن النقابة الوطنية للتعليم العالي والمنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي على اعتبار أن لكل منهما رأيه في أزمة التعليم العالي وفي سبل النهوض بدور الجامعة المغربية. عنف وارتجال وعودة مشبوهة لليسار الراديكالي تعيش الجامعة المغربية منذ انطلاقة الموسم الجامعي الحالي، الذي أريد له أن يكون أول موسم جامعي في ظل الإصلاح البيداغوجي الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في شتنبر الماضي، عددا من المشاكل أفضت إلى تدخل قوات الأمن في العديد من المواقع الجامعية التي عبرت عن رفضها لطريقة تنزيل الإصلاح الجامعي الفوقية، وعن إقصائها من المشاركة في النقاش الدائر حوله انطلاقا من الندوة الوطنية البيداغوجية التي احتضنتها كلية الطب بمراكش في يناير 2003 وإلى حدود الآن. وكان التنزيل الفوقي للإصلاح، الذي أجمع جل الفاعلين في الجامعة المغربية على أنه يتميز بالارتجالية ويفتقر للعديد من مقومات نجاحه، بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، على اعتبار أن الجامعة المغربية تعرف تراجعا ملحوظا من سنة إلى أخرى على المستوى المطلبي والتنظيمي للطلبة. وهكذا انطلق الموسم الجامعي الحالي على إيقاع رفض طلابي، وخاصة على مستوى طلبة السنة الأولى، ذلك أن المراقبة المستمرة التي تستهدف التقييم المستمر لمعارف الطالب، كما ينص على ذلك الإصلاح، تلزم الطلبة بالحضور الإجباري لقاعات الدروس، وهو ما لا يمكن تحققه في ظل ظروف مادية صعبة لا تسعف أغلبهم من حيث مصاريف الكراء وتبعاته في غياب أحياء جامعية قادرة على استيعابهم كلهم، فضلا عن أن المراقبة المستمرة لا يمكن أن تتحقق في مدرجات تصل طاقتها الاستيعابية إلى ما يفوق مائتي طالب... وزاد من تأزيم الوضع بالجامعة المغربية حرص الجهات المسؤولة على مواجهة رفض الطلبة لهذا الإصلاح بالانتصار للبعد الأمني وإحكام الطوق على الجامعة ومصادرة الحق الطلابي في التجمهر والاحتجاج، وهو ما خلف في العديد من الجامعات المغربية إصابات متباينة الخطورة لم يسلم منها الأساتذة أنفسهم. غير أن احتجاج الطلبة بالجامعة المغربية هذه السنة تزامن مع عودة اليسار الراديكالي إلى واجهة الفعل النضالي وسعيه دون جدوى الستدراج التيار الإسلامي بهدف الدخول في مواجهات دموية بين الطرفين. وليس ذلك فحسب، بل عمل هذا الطرف، الذي أصبح يتميز بحضور ملموس في العديد من المواقع الجامعية كفاس ومكناس ووجدة ومراكش، على رفع شعارات لا تمت بصلة للجانب المطلبي الطلابي، بقدر ما هي شعارات سياسية تعكس وجهة نظره في العديد من القضايا الوطنية، بما في ذلك الموقف من الوحدة الترابية للمملكة ومن مغربية الصحراء. ويبدو أن اليسار الراديكالي استغل، في أبشع صورة، براءة الطلبة الرافضين للإصلاح البيداغوجي ورغبتهم في مواجهته ليزج بهم في مطالب تعجيزية، وتوظيفهم كدروع واقية له أثناء مناداته بمطالبه السياسية وليس الطلابية النقابية، ومثال ذلك ما وقع بكلية العلوم -ظهر المهراز -بفاس، التي تولى القاعديون أمرها، أو ما وقع بكلية الحقوق بمكناس، حيث استدرج القاعديون الطلبة إلى خارج أسوار الكلية وتم رفع شعارات مسيئة للدين ومعادية للمغرب ولوحدته الترابية. وأمام هذه الوضعية المتميزة بعودة اليسار الراديكالي إلى الجامعة وإيثاره للعنف كقاعدة للتدافع في الأوساط الجامعية، وكأنه أريد له أن ينبعث من جديد في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الجامعة المغربية، أصبحت بعض الأوساط الجامعية تتطلع لمعرفة المستفيد من جر الجامعة المغربية لمستنقع العنف الذي طالما عانى منه الجسم الطلابي المغربي إلى عهد قريب. الجامعة المغربية ليست بخير ومستقبل الإصلاح غامض يرى الدكتور خالد الصمدي، رئيس المنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي بالمغرب أن الجامعة المغربية الآن ليست بخير، وأن غموضا وارتباكا واضحين يلفان مستقبلها ومستقبل الإصلاح البيداغوجي الحالي، تتجلى مظاهرهما في عدة نقط منها على سبيل المثال لا الحصر ذلك الارتباك الحاصل الآن على مستوى تقويم السداسية الأولى للامتحانات كما ينص على ذلك الإصلاح الجامعي الحالي، وهو التقويم الذي سيعوض قريبا بالامتحانات نصف السنوية، مما سيناقض بشكل واضح محتوى الإصلاح والمراقبة المستمرة التي ينص عليها. بالإضافة إلى الاحتقان الحاصل في مختلف الجامعات المغربية بسبب الحضور المكثف لقوات الأمن بها، وهو أسلوب، يقول الصمدي، لا يمكن إلا أن يكون على حساب الوضعية النفسية التي يعيشها الطلبة والأساتذة على حد سواء، الأمر الذي سينعكس سلبا على التحصيل والتكوين معا، خاصة وأن الحضور القوي لرجال الأمن أصبح يوميا، وليس استثنائيا. وفضلا عن هذا وذاك، يعيش عدد من الأساتذة ارتباكا واضحا نتيجة عدم الملاءمة ما بين تكوينهم التربوي والعلمي وبين ما يطلب منهم تلقينه للطلبة، وخاصة على مستوى شعب الإعلاميات والتواصل، حيث الندرة في الإمكانيات والتجهيزات، إلى درجة أصبحت معها مادة الإعلاميات على سبيل المثال تدرس نظريا في مدرجات تضم أكثر من مائتي طالب. ويخلص الصمدي إلى أن هذا الارتباك الحاصل بالجامعة المغربية لا يمكن تجاوزه في المرحلة القريبة، على اعتبار أن أسبابه بنيوية ومتعلقة بواقع الجامعة ذاتها وببنيتها التحتية وبطبيعة التكوين البيداغوجي للأساتذة. وفي السياق ذاته يرى الأستاذ لحسن موثيق، الكاتب الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم العالي فرع الرباط، أن من جملة ما تعيشه الجامعة المغربية في الوقت الراهن من مشاكل متعددة، تؤثر سلبا على عطائها العلمي ودورها التنموي في خدمة البلاد، ما يعرفه الأساتذة الباحثون من تدهور لوضعيتهم الاجتماعية، وخاصة المادية منها، ويتعلق الأمر بمشكلة تعويضات الأساتذة التي لم تصرف بعد، برغم توصل الوزارة الأولى والنقابة الوطنية للتعليم العالي إلى اتفاق حول الجدولة الزمنية لصرفها وإخراجها لحيز الوجود، وفتح حوار لمراجعة النظام الأساسي للأساتذة الباحثين، فضلا عن مشكلة الإصلاح البيداغوجي الذي برغم طموحه، لا تتوفر له الإمكانيات المادية والبشرية واللوجيستيكية لإنجاحه، وبالتالي فكأننا، يقول موثيق، في هذا السياق حاولنا إصلاح التعليم العالي من خلال الحفاظ على الوضع القائم. مقترحات لتجاوز الأزمة نظرا لما أصبح يتميز به التعليم العالي ببلادنا من ترد وتراجع خطيرين، فإن إصلاحه الذي أصبح ضرورة ينبغي أن يراعي خصوصيات الجامعة المغربية وواجباتها وبنيتها التحتية، ويراعي التدرج المطلوب في إرساء دعائمه، وإشراك كل المعنيين به. وفي هذا السياق لا بد من، من وجهة نظر الأستاذ الصمدي، أن يتحلى الإصلاح الجامعي المنشود بالواقعية في مقاربة إشكالية التعليم العالي، ذلك أنه لا معنى لأن نتحدث لوسائل الإعلام ولغيرها، أو في الاجتماعات الرسمية عن كون الإصلاح الجامعي قد انطلق، وأنه يعرف نوعا من التحسن، والواقع الجامعي اليومي يناقض ذلك تماما. ويرى المنتدى الوطني للتعليم العالي أنه ينبغي، في سياق ذلك، إعطاء الجامعة استقلالية بيداغوجية ومالية أكثر، وأجرأة منتظمة لهياكلها، علما أن كل رئيس جامعة من المفترض أن يكون له مشروع خاص بتطويرها، وهذا المشروع لا يمكن له أن يطبق إلا إذا كان من ورائه طاقم منتخب، بالإضافة إلى ضرورة توفير التجهيزات اللازمة للمؤسسات الجامعية. ومن المقترحات الأخرى التي يراها المنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي ناجعة وعاجلة في تحقيق إصلاح للتعليم العالي، ضرورة إيجاد صيغ ملائمة ومناسبة للتكوين البيداغوجي للأساتذة، والعمل على الحل النهائي لمشكل التعويضات الذي ما يزال الأساتذة ينتظرونه، وأيضا لمشكل الأساتذة الباحثين حاملي الدكتوراه الفرنسية. وفي السياق ذاته يرى الأستاذ موثيق أنه متى توفرت الإرادة الحقيقية لإصلاح التعليم العالي، بالإضافة إلى الإمكانات المادية والبشرية واستحضار عنصر التحفيز ومبدإ التواصل مع الطلبة الذين هم المعنيون الأولون بالإصلاح وموضوعه، فإن الجامعة المغربية ستعرف انطلاقة جديدة وجدية لرسالتها العلمية. عبد الرحيم اليوسفي