تدارس المكتب المركزي للمنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي في اجتماع استثنائي الوضعية الحرجة التي تمر منها الجامعة المغربية بعد إصرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على تطبيق الإصلاح الجامعي برسم السنة الجامعية الحالية وفق رؤية مركزية لا تراعي مبدأ الاستقلالية البيداغوجية للجامعة، ولا إمكانياتها وتجهيزاتها الإدارية ومواردها البشرية، الأمر الذي أدخل الجامعة المغربية في متاهة تنذر بعواقب وخيمة نبهت إليها بيانات الفروع الجهوية للنقابة الوطنية للتعليم العالي. ووقف المكتب المركزي للمنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي،الذي يسعى إلى الإسهام في تطوير التعليم العالي والبحث العلمي، على جملة الارتباكات الحاصلة في تدبير هذا الملف، وانعكاساتها العملية على الدخول الجامعي في مختلف الجامعات المغربية أجملها في ما يلي: - حالة التيه التي يعيشها الطلبة الجدد والإداريون والأساتذة، في كيفية تدبير السداسي الأول، وخاصة في وحدات التواصل والإعلاميات في غياب أطر متخصصة لتدريس هذه الوحدات وغياب تجهيزات لممارسة الأشغال التطبيقية، مما جعل تدريس هذه الوحدات غير ذي معنى وهو أقرب إلى الشكل منه إلى الجوهر. عدم معرفة الطالب لمسار التكوين وآفاقه رغم الأيام الدراسية المفتوحة التي نظمتها بعض الجامعات، بسبب عدم إشراك الطلبة عبر أجهزتهم التمثيلية في إعداد الإصلاح والاطلاع على تفاصيله أولا بأول في مرحلة الإعداد، بل الأكثر من ذلك تورط بعض الأجهزة الإدارية وعبر وسائل الإعلام في تقديم معلومات مغلوطة للطلبة توهمهم بأن المدة الزمنية للحصول على الإجازة تقلصت في النظام الجديد من أربع سنوات إلى ثلاث سنوات، وهو خلاف الواقع الذي يؤكد أن الإجازة الجديدة في ثلاث سنوات لا علاقة لها من حيث القيمة المهنية والوظيفية بالإجازة التعليمية الحالية، وأن ما يعادلها في النظام الجديد هي شهادة الماستر في النظام الجديد والتي يحصل عليها الطالب في خمس سنوات. نظام التفويج الذي شرعت فيه الجامعات بناء على مقتضيات الإصلاح البيداغوجي، وصل في بعضها إلى 1200 طالب في الفوج في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، عوض 50 طالبا في الفوج المقررة في الإصلاح، مما أفرغ نظام الدراسة ومن ثم الإصلاح التربوي من محتواه المبني على الحضور الإلزامي ونظام المراقبة المستمرة، والأشغال التطبيقية والتوجيهية، التي تعتبر جوهر تنمية الكفايات عوض تلقين المعرفة، وهو الخيار المحدد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين والوثائق التطبيقية المتفرعة عنه. التأخر الكبير في انطلاق الدراسة للأسباب التي ذكرنا سيؤثر بشكل كبير على باقي مراحلها سواء في النصف الأول أو الثاني من السنة الدراسية باعتبار أن نظام المجزوءات يفرض على الطالب دراسة عدد محدد من الساعات في كل مجزوءة ولا يمكن اجتياز نظام المراقبة المستمرة إلا إذا استوفاها، وهذا من شأنه إفشال السير العادي للدراسة، أو التصرف في الحصص المخصصة لبعض المجزوءات مما يفرغ الإصلاح التربوي من محتواه البيداغوجي والعلمي. غياب التجهيزات التقنية وعدم تكييف البنيات التحتية للجامعات مع متطلبات الإصلاح، يعود سببه إلى التقلص المتوالي للميزانية المخصصة للتعليم عوض الرفع منها بمعدل 5 في المائة كما هو مقرر في أفق 2010 بالإضافة إلى دمج الحساب خارج الميزانية للجامعات في إطار الميزانية العامة وخضوعها لنفس مسطرة الصرف مع ما تعرفه من تعقيدات تؤخر إنجاز مشاريع البنية التحتية وتوفير تجهيزاتها في الوقت المناسب. الإنزال المركزي للمسالك المعتمدة بشكل يغاير، كلا أو جزء، المسالك التي أعدها الأساتذة انطلاقا من الإمكانيات التي تتوفر عليها مؤسساتهم الجامعية، مما جعل تطبيقها شبه مستحيل بالشكل المطلوب في كثير من المؤسسات، ومع ذلك ضغطت الوزارة في اتجاه العمل بها، مما جعل كثيرا من الجامعات تنخرط في الإصلاح شكلا لا مضمونا، مما يؤثر سلبا على شعار (الجودة) الذي لم يعد له معنى. الفراغ الحاصل في كثير من المؤسسات الجامعية على مستوى جهاز التسيير الناتج عن تأخر البث في تعيين العمداء والمديرين مما جعل هذه المؤسسات تعرف انتظارية قاتلة، تسير من طرف مديرين وعمداء لا يحسون بأي حماس تجاه تطبيق الإصلاح نظرا لاحتمال مغادرتهم لمناصبهم في أي وقت، مما عرقل مشاريع كثير من رؤساء الجامعات، وأثر على السير العادي للدراسة. الوضعية النفسية والمادية المحرجة التي يعيشها الأساتذة الباحثون جراء استفحال التسويف والتماطل الذي رسخته الوزارات المتعاقبة الوصية على القطاع منذ مدة كقاعدة للتعامل مع مطالب الأساتذة سواء تعلق الأمر بنظام الترقي أو الملفات العالقة كملف الأساتذة الباحثين حاملي الدكتوراه الفرنسية أو الأساتذة المقصيين من الاستفادة من السنوات الاعتبارية، أو ظروف البحث العلمي في المختبرات ووحدات البحث. بالإضافة إلى الضبابية التي تسود ملف التعويضات، في غياب بلاغ رسمي مشترك بين الوزارة الأولى والمكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي والاكتفاء ببث الخبر عبر وسائل الإعلام، مما يجعل الملف في مهب الريح في أي لحظة وما ملف المتصرفين عنا ببعيد. الغياب المذهل والاستقالة العملية للمكتب المركزي للنقابة الوطنية للتعليم العالي، من متابعة الإصلاح التربوي بالجامعة، وغياب رد فعل على هذه الوضعية الكارثية، واختزال الملف المطلبي للأساتذة الباحثين في التعويضات المادية، خلافا للتوصيات الصادرة عن المؤتمر السابع للنقابة، كل ذلك أحدث شرخا واضحا في صفوف الأساتذة انعكس في تصويتهم خلال انتخاب اللجن الثنائية المتساوية الأعضاء على لوائح المستقلين في غير ما جامعة، كنتيجة طبيعية لمواقف النقابة من الإصلاح من جهة، ومن جهة أخرى كرد فعل على الأسلوب المركزي العتيق واللاديمقراطي والإقصائي الذي تم به تدبير ملف الترشيحات ضدا على شعار الدمقرطة واستقلالية الجامعة الذي كان شعار النقابة منذ تأسيسها، وسقط فيه المكتب الوطني في أول اختبار لدى إصراره على تعيين ممثلي النقابة في مجالس الجامعات، وثاني اختبار في إصراره على الحسم في لوائح الترشيح مركزيا مما يضرب العمل النقابي في الصميم ويرسخ عقلية الاستخفاف التي يتعامل بها المكتب النقابي مع المناضلين النقابيين على الصعيد الجهوي والمحلي. حالة الجمود غير المبررة والهدر الخطير للطاقات التربوية والإدارية التي تعيشها مؤسسات تكوين الأطر و مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة نتيجة عدم صدور المراسيم التطبيقية للقانون الإطار 00/01 المنظمة لهذه المؤسسات، في وقت يرفع في شعار ترشيد الطاقات والموارد المادية والبشرية والتعبئة الشاملة لتدبير ملف إصلاح التعليم في أفق العشرية. وكل هذا جعل هذه المؤسسات تعرف وضعية غير مسبوقة تتجلى في: -عدم الحسم في لائحة مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة جعل هذه المؤسسات لا تتمكن من بناء هياكلها العلمية والإدارية والتربوية وفقا للقانون الإطار 00/01 وخاصة مجلس المؤسسة، واللجن العلمية المكلفة بالبث في الترقيات، إذ كيف يعقل مثلا أن تصدر شبكة الترقية والحال أن المرسوم المنظم لطريقة تكوين اللجنة العلمية وصلاحياتها داخل هذه المؤسسات غير موجود. انفصال هذه المؤسسات في وضعية الانتظار هذه عن محيطها التعليمي والعلمي إذ لا تمثل هذه المؤسسات رسميا وقانونيا، لا في مجالس الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ولا في مجالس الجامعات. تأخر انطلاق ملف مراجعة برامج ومناهج مؤسسات تكوين الأطر بما يتلاءم ومقتضيات الكتاب الأبيض لمراجعة البرامج والمناهج والذي شرع في تطبيق مقتضياته منذ سنتين دون أن يتكيف تكوين الأطر التعليمية مع حاجياته مما سينعكس سلبا على مردودية المتخرجين خلال ممارستهم العملية. انطلاقا من هذا التشخيص الدقيق لوضعية التعليم العالي ببلادنا وحرصا من المنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي على صيانة حق المغاربة في تعليم نافع منتج عن طريق إرساء دعائم إصلاح تربوي هادف ومعقلن بالجامعة المغربية وبمؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة، فإنه يدعو ويطالب بإلحاح بما يلي: 1 التحلي بالشجاعة اللازمة للإقرار بفشل خطة تطبيق الإصلاح، والدعوة إلى تعليق تطبيق الإصلاح التربوي بهذه الطريقة العشوائية والارتجالية، ووقف حالات الهدر المادي والمعنوي التي جرت إليها المؤسسات الجامعية جرا في غياب الشروط اللازمة، والتحذير من التمادي في الوضعية الحالية لما تنذر به من عواقب وخيمة على التعليم ببلادنا بصفة عامة وعلى التعليم العالي بوجه خاص. 2 دعوة كافة الغيورين على التعليم العالي والبحث العلمي إلى تشكيل نسيج جمعوي وطني لإنقاذ الجامعة المغربية من المستنقع الخطير الذي تتردى فيه، يتكون من مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بقضايا التربية والتعليم وأساتذة باحثين وأكاديميين، وبرلمانيين، وفاعلين في المحيط الاقتصادي والاجتماعي، والالتئام في ندوة وطنية أكاديمية تخصص لهذا الغرض في أقرب وقت. 3 الدعوة إلى حوار جدي صريح ومسؤول بين الوزارة الوصية ومكونات الجامعة من أجل تطبيق تدريجي للإصلاح التربوي في بعض المؤسسات الجامعية المتوفرة على الحد الأدنى من الإمكانيات المادية، كمؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المحدود، أو بعض كليات العلوم التي يتقلص عدد المسجلين بها تدريجيا، مع ترك القرار البيداغوجي بيد مجالس الجامعات لتطبيق الإصلاح وفق الإمكانيات الذاتية في سقف زمني أقصى يتفق عليه. 4 الدعوة إلى المقاربة الشمولية للإصلاح التربوي الذي يشمل الهياكل الجامعية ووضعية الأساتذة الباحثين والتجهيزات المادية، وتأهيل الموارد البشرية، والاندماج الفعلي في المحيط الاقتصادي والاجتماعي بسيولة وانسياب وفق رزنامة واضحة متوازنة وتفاعلية تشرك كافة الفاعلين والمعنيين وطلبة وإداريين وأساتذة وفاعلين اجتماعيين واقتصاديين وغيرهم انطلاقا من مراجعة القانون الإطار 00 01 بما يضمن استقلالية وديمقراطية أكبر بالجامعة المغربية، واستقرار وضعية الأساتذة في إطار الوظيفة العمومية. 5 توفير الأجواء الملائمة لتطبيق الإصلاح التربوي بالجامعة من خلال وقف كل أساليب الاستفزاز والتوتر الأمني الذي تعيشه مختلف المؤسسات الجامعية بفعل اعتقالات الطلبة ومحاكمتهم، والحرص على تكريس منطق الحوار في التواصل مع الطلبة وتمكينهم من حقهم في معرفة تفاصيل النظام البيداغوجي الجديد، وإبداء رأيهم في أجرأته من خلال ممثليهم في مجالس الجامعات أو أجهزتهم النقابية. 6 التسريع بحل القضايا العالقة في ملف الأساتذة الباحثين من خلال الاستجابة لمطالبهم العادلة، وخاصة الأساتذة حاملي الدكتوراه الفرنسية، وملفات الترقية، وملفات الأساتذة المقصيين من الاستفادة من السنوات الاعتبارية والتسريع بتسوية الملفات الإدارية والمادية خاصة ملفات الأساتذة الباحثين العاملين بمؤسسات تكوين الأطر وإخراج ملف التعويضات إلى حيز التطبيق بناء على البروتوكول الموقع بين النقابة والوزارة الوصية منذ ثلاث سنوات.